Alef Logo
مقالات ألف
              

قراءة في "فلسفة الحب"

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2012-11-03

كان حضرت "بهاء الله" يدعو الناس للمحبة بالقول: كنْ في الحب كما النبع يجود بفيضه على الآخرين, ولا يبخل بذلك لأن الله سيملأه مرة تلو الأخرى. وثمة قول لدى المتصوفة عن الحب جاء فيه " لا يكتمل حب الحبيب لحبيبه حتى ينادي أحدهم الآخر ويقول له يا أنا ". بل إن الله خلق الخلق بدافع الحب حيث يقول الحديث القدسي (كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرف فخلقتُ الخلق). يقول ابن سينا:" الموجودات, إما أن يكون وجودها بسبب عشق فيها, وإما أن يكون وجودها هو العشق بعينه ". أما افلاطون فيقول: "يبدو لي أن الناس لا يدركون مطلقاً قوة الحب الحقيقية, فلو أنهم أدركوها لشيدوا للحب المعابد والهياكل, ولقدموا له الأضاحي العظيمة ". وليس لإنسان أن يعيش حياة سوية ويسعى إلى الرقي والكمال دون أن يكون الحب هو دافعه ومحركه الأساسي, وبفقدان هذا الدافع تتحول الحياة إلى مسيرة صاخبة من الأحداث المفجعة وصراع المصالح الذي لايعرف الرحمة وليس في قاموسه مفرداتها, إلى أين يقود ذلك الصراع؟ لاشك إنه يقود نحو الخراب الروحي أولاً ثم الدمار الذي يشمل بعباءته الأخضر واليابس. تتحول فيه الحياة إلى عقوبة والصبر عليها عملية تعذيب متواصلة, ولاشك إن عصرنا الراهن الذي شهد حربين عالميتين, وسلسلة من الحروب الأهلية والأنظمة الشمولية الظالمة, سوف يدخل التاريخ لا كعصر للإنجازات العلمية- التقنية, والتحولات الاجتماعية البارزة فقط, بل كعصر للاإنسانية, والعدوانية, وفساد القيم الانسانية العامة, والإبادة الجماعية للبشر. وقد انتشرت في عهد الروح الاستهلاكية والرغبة العارمة في الحصول على المقتنيات الثمينة, وعلى نطاق واسع, قيم اللامبالاة بالآخرين, والنفور والأنانية والحقد والحسد والرغبات المنحطة بالانتقام وتأجيج أحط مالدى الانسان من غرائز التشفّي والغل والثأر بديلا عن قيم التسامح والمشاركة الوجدانية والسعي لأعمال البر. وهذا كله يدل على نقص واضح في الحب. من هذه الكلمات ننطلق في قراءتنا لكتاب مترجم هو "فلسفة الحب" وهو عبارة عن مجموعة من الدراسات لعدد من المؤلفين, صدر عن دار المدى بجزأين ترجمه هيثم صعب. الكتاب من إعداد فريق من المفكرين والفلاسفة والأدباء, وهو مكرس لدراسة الحب, هذه المسألة المعقدة والمتعددة الوجوه, المتاخمة للفن والفلسفة وعلم النفس. " ينظر إلى الحب هنا على إنه شعور عميق, حميم ومباشر, ويبرز الإنسان بمنزلته الموضوع الأول له. وهذا لا ينفي أن ثمة موضوعات أخرى للحب على درجة من الأهمية في الحياة. كما يعد الحب وسيلة لجعل الإنسان كائنا إجتماعياً, ودمجه في منظومة العلاقات الاجتماعية على قاعدة من الحاجة العفوية, وبالوقت نفسه, المسوغة ذاتياً في السعي نحو القيم الأكثر سمواً. إضافة إلى أن الحب هو الأسلوب الوحيد لفهم الإنسان الآخر في ماهيته الاعمق. يعتبر الحب موضوعا للفن بالدرجة الأولى. والكتاب يستند إلى حد كبير, على صورة الحب الفنية والأمثلة الملموسة على تعدد أشكال الحب, وعلى ولادته وانطفائه. وعلى التراجيدي والكوميدي فيه.. مأخوذة من الأعمال الأدبية بصفة عامة. إلى جانب ذلك, هناك أبعاد للحب تحتاج إلى تفكير فلسفي أيضاً. إلا أن الفن لا يحيط بالطيف الواسع لتجليات الحب بصورة منهجية. فاللوحة التي يرسمها له هي لوحة ناقصة ومجتزأة حكماً. كما إن الفن غالباً ما ينشغل عن تحولات الحب, وأشكال تجليه في سيرورة التاريخ البشري, وعن اختلافاته, والموضوعات المتشابهة التي وجدت, مثلا, بين الحب في العصور الوسطى والحب في الزمن الحاضر. ولا يقل أهمية عن ذلك أن الفن يستخدم لغة الصور, في حين تستخدم الفلسفة لغة المفاهيم لذلك فالفن والفلسفة, حتى لو تحدّثا عن شيء واحد, فإنهما يتحدثان عنه بصيغتين مختلفتين. نقرأ في أول دراسة يقدمها يو. ب. ريوريكوف والتي حملت عنوان " طفولة الحب الإنساني" مانصه ( منذ القدم والناس يتسائلون متى ظهر الحب؟ هل حمله الإنسان معه من مملكة الحيوان, أم إنه ظهر في وقت لاحق؟. يعتقد الكثيرون أن الحب ولد متأخراً عن أشقائه: الحقد والحسد والمودة وشعور الأمومة, فإنسان الكهوف, الذي عاش حياة القطيع والزواج الجماعي, لم يعرف, على ما يبدو, أي شكل من الحب. ويزعم دارسو العصور القديمة أن الحب لم يكن موجوداً بعد, حتى عندما بدأ الزواج الأحادي بالظهور). وقد كتب هيغل أن الحب لم يكن في العصور القديمة "بهذا العمق الذاتي وحميمية الإحساس" كما صار فيما بعد. كما إن من الطريف على حد قول ريوريكوف, أن الحب يظهر في الزمن الذي تقع فيه المرأة تحت سيطرة الرجل. حتى ليمكن الاعتقاد بان الحب ظهر في التاريخ كتعويض نفسي عن استعباد المرأة, فالرجل بإخضاعه للمرأة, وقع هو نفسه في أسرها. من أسطورة إلى أخرى راحت تنمو أهمية الحب, ويتعمق أثره في حياة البشر. ففي الأسطورة عن الآرغيين كان الحب واحداً من الدوافع الأساسية في الحياة, وأقوى من كل المشاعر والميول الأخرى. وفي دورة الحياة في طروادة كاد الحب أن يكون النابض المحرك لها. إنه الآن لم يعد مشهداً في الحياة, أو شأنا خاصاً بشخصين, كما في الأساطير الأخرى, بل أصبح مرتبطاً بمصائر الناس والدولة, وبحياتهم العادية وحروبهم. كما عبر اليونانيون عن الحب القديم في النحت الكلاسيكي. ثم ينتقل بنا الكاتب إلى موضوع ولادة الحب الفردي ليتحدث عن الحب في روما القديمة الذي تحول إلى نزوع شهواني, وإلى لهو متفنن. ففي كتاب سويستون " حياة أثني عشر قيصراً " نستعرض بالتفصيل حفلات الحب التهتكية, التي بلغت درجات كبيرة من الخلاعى في قصور القياصرة. فلقد استسلم الأباطرة للحب علناً, وأمام أعين الشعب. وأصبحوا عشاقاً. ومن هذه الدراسة لطفولة الحب الإنساني يأخذنا الكتاب في جزأه الأول إلى العديد من الدراسات التي ضمها قسمي الكتاب, الأول جاء بمجموعة دراسات عن موضوعة الحب في تاريخ الفلسفة والثقافة ومن الدراسة سالفة الذكر إلى الحب في اليونان القديمة إلى نموذج الحب في العالم المسيحي- البيزنطي إلى موضوعة الحب في الفكر الفلسفي للعصور الحديثة ثم ميتافيزيقا الحب وفلسفة القلب في الفكر الفلسفي الروسي ثم دراسة بعنوان " الحب هو رغبة الخلود" ويختم القسم الأول بدراسة تحت عنوان "جوهر الحب, موضوع للتأمل الفلسفي. أما القسم الثاني فهو عن الحب في العالم المعاصر ويظم خمس دراسات تؤكد جميعها على إن الحب ليس مصادفة سعيدة, ولا هبة من القدر, بل هو فن رفيع يتطلب من الإنسان سعياً إلى الكمال الذاتي وإبداعا, وحرية داخلية. إن الحب الحقيقي المشبع بالقيم السامية مازال نادراً, وذلك لأن الكثيرين ليسوا مهيئين له بعد, بل إنهم يخافونه؛ فهذا الحب يتطلب "روحاً حيّة" ونكران للذات, واستعداداً للفعل والقلق والاهتمام. كما إن عمق الحب, وكثرة أنواعه لايتحددان بموضوع الحب وحده, إنما أيضاَ بتهذيب القدرة ذاتها على الحب, وتطور الصفات الإنسانية لدى المحب. أما الجزء الثاني من الكتاب فقد جاء ليبحث جوهر الحب وأهميته في حياة الإنسان والمجتمع. وعلى حب الإنسان, والحب الجنسي, وتعطى الأفضلية فيها للأعمال التي كتبت في القرن العشرين.
نختم هذا العرض بكلمات من أحد الكتب التي تمثل المصادر الأساسية في الكونفوشية وهو كتاب " لي تسي " تقول: لا يمكن للإنسان إتباع الطريق الصحيح إلا من خلال اعتماده على حب الإنسان. إن حب الإنسان يعني الحب لجميع الناس, وأسمى تجلياته هو حب القريب. أما الواجب فهو مطابقة الأفعال لما يجب أن يكون. وأسمى تجلياته هو إظهار الاحترام للحكماء".

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow