Alef Logo
دراسات
              

في البدء كان نور الشمس قراءة في " ألغاز الانجيل"

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2013-01-30

دهشة الانسان أمام الكون هي التي جرّت عليه الأسئلة الكبرى عن الحياة, و صدْمته بالموت أطلقتْ لمخيلته العنان في محاولات مستمرة لابتكار حلول لهذا اللغز المحيّر أو البحث في كيفية مواجهته والتغلب عليه. هذا من جهة ومن جهة أخرى كان الصراع من أجل البقاء هو المحفّز له ليراكم خبراته ويوظفها لصالحه على المديّين المنظور والبعيد. وأقصد بالمنظور كل ماهو دنيوي, آني, أو بتعبير آخر أرضي, أما البعيد فكل ما يخصّ الغيبي ومشتقاته من البحث عن الخلود إلى عشبة الحياة الأبدية والشباب الدائم, أي "تفاحة الشباب وماء الحياة" على حد تعبير عنوان قصة مسلية قرأتها في الصغر. فأسئلة من قبيل ماجدوى اتساع الكون بدون أن تكون ثمة حياة في كواكب أخرى, يقود البعض منا إلى الإجابات السهلة أو المريحة أو يقع في مصيدة الإعجاب المشروع بجمال الكون وجلاله بل وبجبروت قواه, أو كما يقول آينشتاين "إن الله لا يلعب النرد مع النجوم" وهي عبارة سجّل فيها عالِم الفيزياء الأشهر إندهاشه أمام اكتشاف علمي يؤكد دقة المسافات بين الكواكب. لكن ثمة فرق كبير بين ماتقبله النفس وما يقبله العقل؛ فالنفس تميل بطبيعتها إلى هيّن الأمور وتقبل سهل المسائل بينما لا يقبل العقل أمراً حتى يقلّبه على وجوه عديدة ليتثبت منه فيطمئن بقبوله أو يرده. ومن هنا جاء قول المعتزلة في النص المقدس: ما قبله العقل قبلناه وما رفضه أوّلناه. أما الأصمعي فيقول: العقل الإمساك عن القبيح, وقصر النفس وحبسها على الحسن. وبين المرئي والمسموع فضّل الإمام علي المرئي في قول له مشهور عندما سُئل عن الفرق بين الحق والباطل فوضع أربعة من أصابع يده بين عينه وأذنه وقال: "بين الحق والباطل أربعة أصابع- الحق أن تقول رأيت والباطل أن تقول سمعت". ولأننا لم نشهد وقائع الأحداث لنجعل البصر شاهداً رأينا إن من عين العقل أن ننظر فيما يُروى لنا ويٌعرض علينا ببصيرة الذي رأى لا بإذن الذي سمع وأُخبر. من هذه المقدمة ننطلق في قراءة كتاب الباحث فراس السواح الذي يحمل عنوان "ألغاز الإنجيل" الصادر عن دار التكوين في دمشق, في تقديمه للكتاب التي أسماها "فاتحة" يقول: "هناك سمة تجمع الإنجيل إلى بقية الكتب المقدسة للديانات الكبرى, وهي سمة الإشكالية وهذه الإشكالية تنجم من عدة عوامل فالكتاب المقدّس نص قديم تفصنا عنه عشرات القرون, وهو نتاج ثقافة منقطعة عنّا, وعقلية مغايرة لعقليتنا الحديثة, وطرائق في التعبير لم تكن قد استقلت بعد عن التركة الميثولوجية للعصور القديمة. والكتب المقدسة وصلت إلينا مدوّنة بلغات قديمة أو حتى بائدة في بعض الأحيان, وهذا يعني أننا نقرأ ترجمات قد لا تكون بدورها نقلاً عن نصوص أصلية, ونتعامل مع مفردات لغوية قد لا نكون في كثير من الأحيان متأكدين من مدلولاتها". ويشير الباحث إلى موضوع بغاية الأهمية وهو إن هالة القداسة التي تحيط بالنص الديني تجعل من المتديّن متلقياً سلبياً له, لا ينتبه إلى إشكاياته ولا يحفل بغوامضه. وفي نهاية فاتحة الكتاب يؤكد الباحث على أن الكتاب موجّه إلى طالبي المعرفة البحتة المنزّهة عن الغرض وإلى المؤمنين من أهل العقل لا إلى أهل الحرف والنقل.
وقبل أن نتصفح "ألغاز الإنجيل" أستعير هنا مقطعاً من كتاب ديورانت (قصة الحضارة) يقول فيه: (يُعدّ الدين قي كثير من الوجوه أكثر أساليب الإنسان طرافة لأنه آخر ماتُفسّر به الحياة, وهو سبيله الوحيدة لاتقاء الموت. وليس في تاريخ العصور الوسطى كله ماهو أعظم أثرا في النفس من الدين. فإنك تراه في كل مكان, ويكاد يكون أعظم القوى في تلك العصور. وليس من السهل على من يعيشون الآن منعّمين تتوافر لهم جميع حاجاتهم أن يدركوا حق الإدراك, ما كان في تلك العصور من فوضى وعوز هما اللذان شكلا عقائد الناس من خلالها. ولكن من واجبنا أن ننظر إلى ماكان عند المسيحيين واليهود من خرافات, وأسرار خفية, ووثنية, وسذاجة, وسلامة طوية, نقول إن من واجبنا أن ننظر إلى هذا كله بنفس العطف الذي يجب أن ننظر به إلى عنائهم, وفقرهم, وأحزانهم وإن فرار الآلاف من الرجال والنساء من "الدنيا واللحم والشيطان" إلى أديرة الرجال والنساء ليوحي إلينا بما كان يسود ذلك الوقت من إضطراب, واختلال أمن, وعنف, أوفت على الغاية أكثر مما يوحي بجبن أولئك الفارّين وخور عزيمتهم. وبدا أن من البداهة أن لا سبيل إلى السيطرة على الدوافع البشرية الوحشية إلا بقانون أخلاقي تؤيده قوة تعلو على القوى البشرية. وكان أكبر ما يحتاجه العالم وقتئذ هو عقيدة توازن المحن والآمال, وتخفف من واقع الحرمان بالسلوى والعزاء, وتزيل من ملل الكدح بخيال العقيدة, وتمحو قصر الأجل بعقيدة الخلود, وتضفي على المسرحية الكونية معنى ملهما يشرفها ويرفع من قدرها, لولاه لكانت موكبا لا معنى له ولا يمكن احتماله, موكبا من الأنفس, والأجناس, والنجوم, تهوى واحدة بعد واحدة إلى الفناء الذي ليس منه محيص).
نعود إلى "ألغاز الإنجيل" وهو كتاب يعبر عن محاولة حثيثة من لدن الباحث لفك الرموز الغامضة لتلك الألغاز بحيادية العالِم الذي يضع العقل ميزاناً والاستقراء أداةً منتقلاً بين الأناجيل بأناة وصبر ليتفحصها. فينطلق بنا من مجموعة من الثوابت منها أن يسوع, الذي لم تستمر حياته بعد فترة بشارته ودعوته سوى سنتين, لم يترك أثراً مكتوباً بل تعاليم شفوية, وهناك اجماع اليوم بين الباحثين في كتاب العهد الجديد على أن إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل ودوّن عام 70 م أي بعد نحو أربعين عاماً من وفاة يسوع ثم إنجيلا متى ولوقا بين عامي 80 م و90 م, و أخيراً إنجيل يوحنا الذي دوّن مابين 100 م و110 م. تُدعى الأناجيل الثلاثة الأولى (مرقس ومتى ولوقا) بالأناجيل المتشابهة أو (الإزائية) Sinoptics لأن القصة تسير فيها عبر مفاصل رئيسية متقابلة أما يوحنا فيختلف عنها في الأحداث ومضمونها اللاهوتي. وبالنظر إلى أن اللاهوت المسيحي كان ينمو ويتطور خلال الفترة الفاصلة بين الحدث وزمن تدوينه فإن المفاهيم اللاهوتية المستحدثة كان لا بد لها أن تفرض نفسها على تفسير ذلك الحدث.
يتوقف الباحث عند بداية التفكير الجديد الذي يندمج فيه الدين بالتفكير العقلي إلى أبعد حدود. البدايةهذه تتجلى بفكر افلوطين مؤسس الفلسفة الافلاطونية المحدثة (205-270 م) وهذاالمعلم الكبير (الذي مازال فكره فاعلاً في الديانات الشرقية) يقدم نظامه الفلسفي على فكرة تدرج الموجودات هبوطاًً من المبدأ الأول الذي يسميه افلوطين بالواحد الخيّر ويندرأن يسميه الله الذي هو بخلاف كل ما نعلم وما نصف لأنه الكمال المطلق ويشبهه افلوطين بفيض النور عن الشمس, أو فيض الماء عن النبع أو صدور الأقطار عن مركز الدائرة (تأمل هنا مايذكره المتصوفة في بعض الدعية عن الله ومركز الدائرة ), ثم يأتي إلى العقل ثم مافاض عن العقل أي النفس, وبهذا يكتمل الثالوث الافلاطوني الذي تحول إلى الثالوث المسيحي المؤلف من :
الواحد الخيّر (الآب)
العقل ,الكلمة أو اللوغوس (الأبن)
النفس (الروح القدس ).
من الثوابت سالفة الذكر ينطلق بنا الباحث لتأكيد جملة من الحقائق نوردها كالتالي:
- ليس هناك شاهد تاريخي على مذبحة للمولودين حديثاً قام بها هيرود الكبير في بيت لحم.
- هناك غموض يلّف شخصية كل من يوسف النجار ومريم. فلم يرد ذكرهما سوى مرة أو مرتين.
- لم يكن يسوع أول من وُصف بابن العذدراء, فقائمة المولودين من عذراء طويلة فمن بوذا إلى الإله آتيس الذي غزى روما قادماً من الشرق إلى الإله أدونيس السوري إلى الإله الفارسي ميثرا والمخلّص الزرداشتي شاوشيانط الذي سيظهر في نهاية التاريخ عندما تحبل به عذراء تنزل للاستحمام في مياه إحدى البحيرات حيث تتسرب إليها بذور زرداشت التي حُفظت هناك منذ القدم.
- حتى أواسط القرن الثالث الميلادي لم يكن باستطاعة آباء الكنيسة الاتفاق على تحديد شهر ويوم ميلاد يسوع, لذلك فقد كان المسيحيون الأوائل يحتفلون به في 20 أبريل/ نيسان أو في 20 مايو/ آيار أو في 6 يناير/ كانون الثاني وهو اليوم الذي يبتدأ فيه فيضان نهر النيل في مصر , واعتُبر مناسبة للاحتفال بميلاد الإله أوزيريس. وقد بقيت هذه المسألة موضع جدل إلى ان أقر البابا ليبريوس في عام 354 م أن يسوع ولد في 25 ديسمبر/ كانون الأول.. فصُرف النظر عن الميلاد الربيعي إلى الميلاد الشتوي...
- في القارة الهندية كان هذا اليوم مناسبة احتفالية كبرى قبل قرون عديدة من العصر المسيحي, وفي الصين أُعتبر يوم الانقلاب الشتوي مقدساً, وفي فارس كانت تقام أفحم الاحتفالات في هذا اليوم الذي أعتبروه عيد ميلاد إله الشمس.
- كان المصريون القدماء يعيّنون يوم حبل الإلهة إيزيس بابنها حورس في اليوم الأخير من شهر مارس/ آذار ويوم ولادتها به في 25 ديسمبر.
- كان عباد الإله أدونيس والإله باخوس خلال العصر الهيلينستي والروماني يحتفلون بميلاد هذين الإلهين في يوم الانقلاب الشتوي. وتقول أسطورة ميلاد أدونيس إنه وُلد في مغارة كما ولد يسوع في الأناجيل المنحولة.
- يؤكد الباحث أن الآلهة الشرقية تدفقت على روما منذ دخول القائد الروماني بومبي إلى سورية عام 66 ق.م ولكن الطبع الروماني المحافظ لم يقبل طقوس الآلهة المستوردة إلا بعد تهذيبه للكثير من أصوله الشرقية وجعلها منسجمة إلى هذا الحد أو ذاك مع الطابع العام من للديانة الرومانية التقليدية.
- حافظت عبادة إله الشمس الحمصي على الطابع الأصلي للعبادات السامية التي لم تكن تصور آلهتها في هيئة بشرية تنزيهاً لها , وإنما ترمز إليها بحجر طبيعي غير منحوت غالباً ما يتخذ شكلاً مخروطياً. كان حجر معبد حمص على ما يصفه المؤرخون حجراً أسوداً لا يزيد ارتفاعه عن 60 سم, ذا رأس مستدق وقاعدة عرريضة , وكان الكهنة يجللونه برداء مزركش صقيل عليه صورة نسر وهو الرمز الشائع للألوهة الشمسية.
- انتشار عبادة إله قادم من إيران يدعى ميثرا في جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية. خلال القرون الثلاثة الأولى للميلاد كانت الميثروية المنافس الرئيسي للمسيحية على استمالة شعوب الامبراطورية وذلك بسبب التشابه الكبير في معتقداتهما فكلاهما يؤمن بخلود الروح وبالبعث والعالم الآخر, وبإله مخلّص يؤدي الاتحاد به إلى الخلاص من ربقة الموت.
ختاماً أود الإشارة إلى إن كتاب (الغاز الإنجيل) يصلح أن يكون مرجعاً لكل مهتم يتفاصيل التفاصيل في الجدل الذي يخاض حول الدين والأسطورة وكل مايشغل فكر الانسان الباحث عن حلول لأسئلة قد تزيحها الحياة يوماً لصالح أسئلة أكثر أهمية ولاأدعي هنا إني أوفيت الكتاب حقه من العرض بل إن هذه القراءة هي كما يقال (غيض من فيض).

تعليق



Ady

2013-09-26

What an awesome way to explain this-now I know evynhteirg! http://zaofibmqsqr.com [url=http://yyoekuwe.com]yyoekuwe[/url] [link=http://gwptetp.com]gwptetp[/link]

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow