كانت الشمس تغوص في الأفق حاملة معها ثقل نهار طويل على وشك أن يدق الباب، حين سمع صوت الخنازير الشبيهة لصوت حيوان مذبوح، ارتعدت فرائصه وشعر برجفة وارتعاشة هزت كل جسده، أيا تُرى لماذا؟ وهو المعتاد دائماً السفر وحيداً واجتياز الأودية والغابات.
منزل غريب يبدو متيناً وقوياً على الرغم من شقوق تغطي جدرانه الأمامية، ولكن ما أثار انتباهه أكثر هو رأس الثور المحنط والمعلق في واجهة المنزل.
دق الباب، ولكنه لم يلقَ رداً بل هدوءاً رهيباً وكأن صوت قبضة يده ذابت في فراغ، كرر طرق الباب أكثر من مرة ولكن دون فائدة، يبدو أن لا أحد يسكن هذا المنزل أو ربما أن أصحابه يزورون أقارب لهم، قالها الرجل بينه وبين نفسه عندما كسر صوت الخنازير ذلك الهدوء.
أدار الرجل ظهره للباب وخطى خطوة واحدة، حيث ينوي البحث عن مكان آخر يقضي فيه ليلته عندما سمع صوت صرير الباب يُفتح بشكل بطيء وكأنه لم يُفتح منذ الأزل
التفت الرجل، وإذ برجل في نهاية العقد السادس من عمره، ملامحه غريبة، بشرته صقيعية، وجهه شاحب، يرتدي قميصاً مقلماً وبنطالاً خاكياً وجزمة جلدية عتيقة في رجله، لم ينبس العجوز ببنت شفة .
- أريد قضاء الليل عندكم يا سيدي، إن لم يكن في هذا ما يُزعج، وأنا عابر سبيل.
فتح العجوز الباب له وتنحى جانباً دون أن يتكلم، انتبه الرجل إلى إنارة المنزل الضعيفة قبل أن يدخل، ما إن دخل حتى سأل العجوز: منزلك جميل يا سيدي ولكن ألا توجد في المنطقة كهرباء لأنني أراكم تستخدمون الشموع أم أن الشموع هي للحالات الطارئة فقط؟
- لا.
قالها العجوز، وحرّك رأسه علامةً للنفي، ولكن أكان يقصد أنه لا توجد كهرباء في المنطقة أم أن الشموع هي للحالات الطارئة؟ انتبه الرجل لفم العجوز وأسنانه السوداء المتبقية.
كان للمنزل صالون كبير، استقبلته عجوز ستينية بابتسامة جوفاء:
- مساء الخير يا سيدتي. قالها الرجل الضيف.
- مساء الخير أيها الضيف العزيز.
بالإضافة إلى العجوزين، كان يسكن ذلك المنزل ابنهما الأربعيني وزوجته، لأن المرأة العجوز قالت له هذا، وبعد فترة سادها صمت غريب عبر الرجل عن شعوره بأن النعاس بدأ يغلبه، صعد الرجل مع العجوز إلى الطابق العلوي، حيث صعدا درجاً ضيقاً ومظلماً.
- يا إلهي! ما هذا المكان؟ رائحة العفن تملأ المكان. أظن أن هذا المكان لم يدخله آدمي منذ سنوات طويلة.
قالها الرجل لنفسه حين وصل إلى أمام غرفة في آخر رواق أضيق من الدرج، مضيفاً:
- ما هذه الليلة التعيسة؟ لو أنني نمت في الغابة لكان أفضل من المبيت في هذا المنزل المنعزل.
نام الرجل بسرعة مع أن رائحة السرير كانت كرائحة الجيفة النتنة، وكأن شخصاً ما بقي ميتاً على هذا السرير أياماَ دون أن ينتبه له أحد ما.
- ولكن لماذا أصعد هذه الشجرة العالية؟
لم يكن يعلم، أيهرب من خطر ما؟ نظر إلى الأسفل بصعوبة، كان يستطيع رؤية الأرض بسبب الضباب، ظل يتساءل: ما هذه القوة التي تجذبني إلى الأعلى؟ ولماذا أنصاع لها؟
استيقظ الرجل من نومه والعرق يتصبب من جبينه، لمس بسرعة وجه الوسادة، كانت مبتلة بشكل كامل.
- يا إلهي! ما كان هذا الكابوس؟
تساءل الرجل، بينما سمع في تلك اللحظة صوتاً خافتاً يشبه صوت أظافر تحتك بشيء ما خلف الباب، ترك سريره مرتجفاً، ولكنه أحس أن قدميه بدأتا تغوصان إلى أسفل، حاول الإمساك بالسرير دون جدوى، فالقوى التي كانت تجذبه أقوى منه.
استيقظ الرجل من نومه فزعاً: يا إلهي! ما هذا الكابوس الذي لا ينتهي الليلة؟
كان ينام على جنبه الأيسر ووجهة جهة الحائط، ولما لا يزال في تلك الغرفة المظلمة فتح عينيه على سواد قاتم، ولكنه أحس أن هناك شيئاً ما معه في تلك الغرفة يتربص به.
عنتر حمو