السرداب في مكان ما من هذا الكون الفسيح..

اجتمع حاكم أحد البلاد مع وزرائه ومستشاريه للتباحث ومحاولة إيجاد حل للثورة التي قامت ضد حكمه، ولنفترض أن اسم الحاكم هو (سننموت). قال سننموت للمجتمعين: لن أدع أي شخص يعبث بممتلكات الشعب وسوف أضرب بيد من حديد كل مَن يحاول التآمر على أسس الديمقراطية والحرية في هذا البلد. وتابع: ماهي المشكلة عندما نحتجز بعض الفتية ونعذبهم قليلاً سواء أكان التعذيب بالكهرباء أو بنزع الأظافر والجلد؟ ألا يفعل الآباء هذا عندما يُخطئ أبناؤهم؟

- أنت يا سيد وزير التربية (وأشار إلى وزير التربية بيده، وخشي وزير التربية أن يكون أحدهم نقل له شيئاً على لسانه ينتقد فيه ما يجري".

نهض من مكانه وقال بصوت عال: أقسم بالله العظيم ونعم الرأي رأيكم يا سيدي الحاكم.

نظر الحاكم إلى المجتمعين وقال: أرأيتم قبل أن أسأله أجاب بالإيجاب، ومع هذا دعني أسألك حتى لا يقول أحد أنني انفرد برأيي: ألم تعاقب أطفالك بالضرب على خطأ اقترفوه؟

قال الوزير متحدثاً نفسه (إذا قلت لا، سوف يجعلني عبرة لمن أعتبر). قال الوزير بعد أن نهض مرة أخرى ورفع صوته: طبعاً يا سيدي الحاكم، وكمثال يوم أمس جلدت ابني الصغير 50 جلدة، لأنه كان يشاهد إحدى القنوات التلفزيونية المغرضة التي تُثير الشائعات في بلادنا.

جحظت عينا الحاكم بعد أن ضرب كفه على الطاولة: ولماذا لم تقم بتشفير تلك القناة أيها الوزير؟

نظر إلى الحضور: أيها السادة، ألا يستحق الوزير 50 جلدة على هذه الغلطة؟

أشار الجميع بالإيجاب.

أتى الجلادون وقاموا بجلد الوزير 50 جلدة وهو يردد مع كل جلدة يعيش الحاكم.

بعد أن انتهوا من جلده، قال الوزير لنفسه وهو يتأوه (الحمد لله أنني لم أندفع أكثر وأذكر رقماً أكبر).

ماذا تتوقعون أن نفعل مع أطفال يقطفون ورود الحدائق؟ ألا يعتبر هذا مساساً بالأمن الغذائي والقومي والبيئي؟

استغرب الجميع ونظر كل منهم إلى الجالس بالقرب منه..

- لا تستغربوا الأن سأوضح لكم، لأنكم لا تختلفون كثيراً عن شعبي البهيم بشيء.. أولاً: الأمن الغذائي ما هو، لا داعي للاستفاضة، فيكفي أن أقول إن غذاء النحل الطبيعي يأخذه من الزهور والورود وعندما تختفي الورود من بلادنا من أين سينتج النحل الطبيعي "وكلياتنا بنعرف فوائد العسل الطبيعي"، أما بالنسبة للأمن القومي فما يجمعنا بإخواننا من الدول الصديقة فقط هو قمة جمعية النحالين والأمن البيئي والاحتباس الحراري، وهذه لوحدها لها كوارث على العالم برمته، فعندما تنقص الورود سوف يختل السلم الغذائي، أي سوف تنقرض أنواع كثيرة من الحيوانات "وأنتو بتعرفو معزة الحيوانات عندنا".

نظر الحاكم إلى نفسه في المرآة الصغيرة التي كانت في جيبه، وقام بتمشيط شعره، ووضع مسدسه على الطاولة: لنتحدث عن أمر أهم ألا وهو موضوع الرئاسة. لنفترض أنني تركت الحكم كما يطلب شعبي العزيز، فمن منكم يريد أن يرشح نفسه للرئاسة؟

ساد صمت داخل القاعة، لم يجب أحد بالإيجاب. وعندها أشار إلى وزير الدفاع وقال له: ما رأيك أن تترشح لرئاسة الدولة؟ أخرج وزير الدفاع منديلاً من جيبه ومسح عرقه وقال: سيدي إن كان هناك أحد المغرضين قد نقل لك شيئاً على لساني فأؤكد لكم أن هذا تلفيق لا صحة له، وأنا مستعد للتضحية بنفسي في سبيلكم قبل الوطن.

صفق الحاكم وصفق الحضور جميعاً بعد أن شاهدوا الحاكم يصفق.

وماذا عنك يا سيد وزير الثقافة؟

اصفرّ وجه وزير الثقافة وشرب ما تبقى في سفن الكأس، وقال لنفسه: لا حول ولا قوة إلا بالله، كم كنت سأصبح سعيد الحظ لو أنني تعرضت للاغتيال اليوم قبل أن أصل إلى هذه القاعة "وزير الدفاع خلص حالو بكم كلمة أنا يا حسرة أكيد الحكي راح يخونني"، سيدي الحاكم معاذ الله أن أفكر بالرئاسة وأنت على قيد الحياة.

"على قيد الحياة"، عبارة أعادها الوزير بينه وبين نفسه "الله يستر ما يعتبرو ها الشي مؤامرة لاغتيال الحاكم، والانتحارات ها الأيام على قفا مين يشيل"، أقصد يا سيدي أنا ربما أفهم في المهرجانات المسرحية والموسيقية والسينمائية وربما أعرف من هو (هوتريش، وترويا، ولويس، ومحفوظ، والسياب، وموليير، وتشايكوفسكي، وايزنشتاين)، أما في السياسة فهناك احتمال كبير أن أنجح كبائع متجول أكثر من أن أصبح سياسياً أو رئيساً.

قال الحاكم للحضور: أيها الأخوة، يجب أن تعلموا أن الحكم ليس بالأمر السهل، يعني يحتاج الشخص إلى خبرة ونزاهة وتلاحظون كلما انتهت ولاية رئيس أو وزير في هذا العالم يسحبونه إلى المحاكمة بتهمة الفساد ونحن ولله الحمد لنا عقود طويلة في الحكم ولم تأتنا أي شكوى ولم بأننا نسرق أموال الشعب.

انتهى الاجتماع وعاد كل شخص إلى قصره فرحاً، لأن الأمور انتهت على خير. وحين حلت العتمة في المكان قام شخص من وراء الستارة ووضع شمعداناً على الطاولة وأشعل الشمعات الثمانية الموجودة على الشمعدان وسُمعت ضحكات خافتة قبل أن تتحول إلى حفل هستيري.

عنتر حمو