في زمنٍ ليس ببعيد، حيث الولاءات العمياء والجنون سيطرا على البشر، كان أحد السوريين يسير مهموماً مطأطأ الرأس يفكر في أشياء كثيرة، مر أمام حديقة ترتادها عامة الناس، ولأنه لم يكن يستطيع التحدث بلغة أهل تلك البلدة فضّل الجلوس وحيداً.

اقترب منه كلبان وهما يلعبان ويمرحان، وعندما رأى حمو (وليكن هذا اسمه) السعادة التي هما بها قال في سره: "كم أحسدكما أيها الكلبان، فأنتما لا شيء يهمكما ولا يشغل بالكم أي شيء". نبح أحدهما: "هاو هاو هاو"، رد عليه الآخر: "هاو هاو". أحس حمو أن هذا النباح مر ككلمات مبهمة على سمعه، ولكن المفاجأة الكبرى كانت حين نبح الكلب الأول: "هاو هاو هاو هاو".

- لا يُعقل هذا، من المؤكد أنني أحلم، لأنني فهمت كل كلمة قالها.

مر الكلبان من أمام حمو، فلم يستطع السيطرة على نفسه، قام من مكانه ولحقهما ببطء. قال الكلب الأول لصاحبه: "يوم أمس مر عليّ ككابوس، لأننا فقدنا أخاً عزيزاً وغالياً على أنفسنا، وما أبشع الميتة التي مات بها". رد عليه الآخر قائلاً: "سمعت أنه مات لأنه أكل الكثير من الشوكولا".

- صحيح، ولكن السبب الرئيسي ليست الشوكولا بحد ذاتها، بل لأن الشوكولا التي أكثر من أكلها لم تكن من النوع السويسري الأصلي، لذا أصيب بإسهال حاد قبل أن يموت، يعني بالمشرمحي انفضحنا وصارت ها الحادثة على كل لسان، حتى إن التلفاز تحدث عن حادثة الإسهال.. أيا ترى هؤلاء البشر الأغبياء تركوا كل ما فيهم من مصائب وحروب ومجازر ولحقوا قصة الكلب.. لا وكل واحد يقول هل شاهدت على التلفاز إسهال الكلب؟ شيء يدعو للجنون وكأن الكلاب هي الوحيدة التي تُصاب بالإسهال.. روحو وغطوا مؤخراتكم في الأول.

نظر حمو إلى هاتفه المحمول، إنه ليس حلماً، لأن اليوم هو السبت 28 ديسمبر، إذاً ما أراه حقيقة، ولكن "كيف يكون بمقدوري فهم لغة الكلاب وأنا طوال السنوات التي عشتها في بلدي لم أشعر يوماً أنني أفهم لغة الكلاب، أيعقل أن تكون الكلاب أحست أن الشعب بدأ بفهم تلك اللغة فقررت اختراع لغة جديدة". نادى حمو الكلبين باللغة التي بدأ يُتقنها: "هاو هاو"، وما إن التفت إليه الكلب حتى تفاجآ أكثر مما تفاجئ حمو، نظر كل منهما إلى الآخر وهربا من الحديقة بعد أن تركا صاحبيهما خلفهما وكأنهما شاهدا ضبعاً متوحشاً.

- توقفا أيها الكلبان أرجوكما، أريد أن استفسر منكما عن أشياء كثيرة.

خرج حمو من الحديقة وهو يردد جملاً غير مترابطة وبصوت عالٍ، حتى إن جميع من رأوه في الشارع ظنوا أنه مجنون. ومن جملة ما كان يقوله "أحمد الله أن الحكومة عندنا لم تعلم بهذا الأمر، لأنها لو علمت لقال المسؤولون شفتو هاي خليناكم تتعلمو لغة جديدة.. سوف نتحدى جميع حكومات العالم أن تصل إلى مرحلة الإصلاحات التي وصلنا لها، وأيضاً كانوا سيقولون نبي الله سليمان شاف حالو كتير لإنو كان عم يحكي بلغة الحيوانات وهو شخص واحد، أما نحن فقد علمنا ومن خلال سياستنا الرشيدة جموع الشعب لغة تحلم كل المجتمعات المتحضرة أن تتعلمها".

عاد حمو في اليوم التالي إلى الحديقة بعد أن مر عليه اليوم الذي قبله كحلم كريه وهو يقول لنفسه: "عسى أن يعود الكلبان مرة أخرى"، وفعلاً لم يخب ظنه لأن الكلبين اللذين رآهما يوم أمس اقتربا منه، وما إن وصلاً بالقرب منه حتى بادره أحدهما بالسؤال: "كيف تستطيع التحدث بلغتنا وأنت إنسان؟"

- ما بعرف أنا مستغرب أكتر منكم.. بس قلي شو قصة الكلب لي أكل الشوكولا ومات؟

أجاب الكلب قائلاً: "إنها قصة مأساوية! لقد فقدما منذ يومين أخاً عزيزاً وغالياً على أنفسنا، أما سبب هذا المصاب الجلل لأنه أكثر من أكل شوكولا لم تكن من النوع الأصلي، لذا أُصيب بالتسمم".

ما إن سمع حمو هذا الكلام، لم يستطع أن يحبس ضحكه مما أثار استياء الكلبين.

- بعتذر منكم بس ما حسنت أمسك حالي من الضحك.. بس ما كنت بعرف إنو الكلاب بتاكل شوكولا.

- طبعاً نأكل الشوكولا وحتى نأكل بعض الأحيان البسكويت مع الراحة.

- بسكويت مع راحة!! لا حول ولا قوة إلا بالله.. وشو مشان اللحمة ولا تركتو أكل اللحم؟

- نأكل اللحم، ولكن يجب أن يكون مشوياً في الفرن في درجة محددة.. في بلادكم، ألا تأكل الكلاب شوكولا؟ بالمناسبة من أي بلد أنت؟

- أنا من سوريا. قالها حمو.

- هاوووووو أنا آسف لأجلك، نتابع دائماً ما يجري في سوريا ونشعر بالأسى لما يحدث هناك.

- شكراً.. آه لو البشر كانو بيحسو بنفس إحساسكم، بظن إنو سألتني عن الكلاب عندنا إذا كانو بياكلو شوكولا ولا ما بياكلو.. إي عندنا ما عاد في كلاب لحتى ياكلو شوكولا.

- كيف هذا هل هاجرت كلها هرباً من الحرب؟

- لا الموضوع ببساطة لأننا أكلنا كل الكلاب وحتى القطط لم نوفرها!!

تفاجئ الكلب من حديث حمو: "هاوو ما هذا التوحش وأنتم البشر دائماً كنتم تنعتون الحيوانات بالوحشية".

- الذنب مو ذنبنا، الذنب كلو بيقع على الحرب، لإنو ما شفنا حل غير ها الحل، إما أن نموت من الجوع، وإما أن نأكل الكلاب مُرغمين.

- ولكن ألا توجد جمعيات لحماية حقوق الكلاب في بلادكم؟

- جمعيات شو يا عم، مو بالأول ليكون في جمعيات لحقوق البشر. ومع هذا كل الحق يقع عليكم أنتم يا معشر الكلاب لماذا لم تخرجوا مسيرات في الشوارع لوقف الحرب أم لأنكم رأيتم البشر متقاعسين تقاعستم؟

اقتربت كل الكلاب التي كانت قريبة من المكان وبدأت بالإنصات.

- معك حق يجب أن نخرج مسيرات منددة بالحرب ونطالب بوقفها لأجل إخوتنا الكلاب التي تؤكل على الغداء والعشاء.

- وعلى الفطور أيضاً لا تنسى هذا.

اتفق حمو مع جموع الكلاب على الخروج في مسيرات أمام هيئات الأمم المتحدة والسفارات. تفاجأ البشر بخروج جموع كبيرة من الكلاب يقودها واحد من البشر ملأ نباح الكلاب الأمكنة بالضجيج وهم يقولون: "أوقفوا الحرب أيها البشر أوقفوها".

حضرت إلى المكان جميع السلطات من شرطة وإطفاء وقوات فض الشغب ورئيس الدولة والوزراء، تقدم رئيس الدولة من حمو الذي كان يقود الكلاب وقال له: يا ابني الله يرضى عليك شو قصتك؟

تفاجأ حمو لأنه فهم كل كلمة قالها الرئيس. كشر حمو عن أنيابه ونبح وكان فحوى نباحه: "أوقفوا الحرب أوقفوها"، واقترب من الرئيس، وعندما رأى الرئيس أن مساحة الأمان بينهم تقلصت تراجع واختبئ خلف رجال الشرطة، قال له أحد رجال الشرطة: "لا تقترب منه يا سيدي الرئيس أخشى أنه شخص مجنون، وربما يكون مسعوراً". أخرج الرئيس رأسه من خلف الشرطي وقال: "مسعوراً!". كان حمو يود التعبير ولو بأي لغة من التي كان يعرفها، إلا أنه تفاجأ أنه نسي كل شيء وغدا النباح الشيء الوحيد الذي يعرفه. كان يود أن يقول أنا لست مجنوناً ولست مسعوراً وأنني لا أريد أن أحطم أي شيء أو أعض أي شخص كل ما أريده أن أقول للحرب كفى، وعندما علم أن أحداً لن يفهمه أو لن يستمع إليه استسلم لرجل الشرطة، حيث نُقل إلى مشفى الأمراض العقلية.*

* استطعت الرد بهذه الطريقة على التجويع والموت الذي يتعرض له السوري.