يجب أن نتغير
خاص ألف
2014-01-16
جلس رشو على الطاولة التي يجلس عليها دائماً، والمعروف عنه في منطقته أنه أحد أبرز مسؤولي حزبه، نظر رواد المقهى إليه ولسان حالهم يقول "أتى ليلقي علينا نفس الكلام". حاولوا جميعاً الانشغال بأي شيء حتى لا يدعوا له فرصة الحديث معهم. نظر رشو إلى عبد السلام وابتسم ورفع حاجبيه لأعلى، وكان عبد السلام شخصاً مصاباً بشلل؛ فإحدى عينيه شبه مغلقة دائماً، وأما فمه فكان يميل إلى الجهة اليمنى من وجهه عندما انتبه عبد السلام إليه أغلق العين الأخرى واصفرّ لونه، وقال في سره "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وعندما رأى ابتسامة رشو على وجهه، ارتبك أكثر ولم يجد حلاً إلا أن ينزل تحت الطاولة ليوهم رشو أنه يبحث عن شيء ما وبقي تحت الطاولة.
عندما يئس من عبد السلام، التفت إلى شخصٍ آخر، وكان هذا الشخص رجلاً مسناً يُدعى السيد رافع، مدير مدرسة سابق، وكان السيد رافع يعاني من مشكلة في سمعه، فهو بالكاد يسمع، ولكن حتى هذه الميزة، إذا اعتبرناها ميزة، لم تكن تنفع مع رشو، لأنه كان يلتصق بالسيد رافع ويصرخ بأعلى صوته بالقرب من أذنه "هل سمعت ما قلته لك يا سيد رافع؟" كان صوته يصل إلى الأحياء المجاورة.
- يجب أن أجد حلاً، وإلا فأن هذا البغل سيزيد فوق مرضي أمراضاً (لا أحد يعلم ربما أُصاب بالشقيقة مثلاً أو بالصرع)، حينها سيكون الموت أرحم لي في آخر أيامي، سوف تتناولني الألسن.
- السيد رافع أصابه الصرع، آه آه يا سيد رشو لقد نسيت سماعاتي اليوم، يا إلهي ما هذا الحظ! كم كنت أود سماع كلامك الذي يشرح الصدر بمستقبل شعبنا الذي عانى الظلم كثيراً. قالها السيد رافع حين تيقن أن رشو سوف يتوجه إليه.
- معنى هذا أنك لن تسمع ما أقوله لك. وجه رشو كلامه للسيد رافع.
- بالطبع لن أسمعك يا سيد رشو.
- يا لحظك السيء يا سيد رافع، فما كنت أود قوله لكِبار السياسيين في العالم (شو بدي قول).
حكّ رشو رأسه، لأنه كان يود تذكر ولو اسماً واحداً (مو مهم).
- لا يستطيعون قول نصفه.
- ولكن يا سيد رشو ألا ينفع أن تكتبه على ورقة ليقرأها من يود في وقت آخر.
- أبداً.
وقف رشو على قدميه ورفع صوته لدرجة أن كل كلاب الحي والأحياء الأخرى بدأت تعوي وكأن حرباً وقعت: يحتاج الأمر إلى فن الخطابة والحماس.
- تصدق بالله كلامك صح مليون في المائة، لأننا نضطر إلى تغيير طاولتك بعد كل خطاب، أترى حتى الطاولات تتحمس لخطاباتك وتُصاب بالانهيار. قالها صاحب المقهى.
- كلامك لؤلؤ ومرجان يا أبو رمو. أتى صوت عبد السلام من تحت الطاولة.
عاد صاحب المقهى إلى مكانه وتحصن عبد السلام في مكانه. وفي اللحظة التي سكت فيها الجميع، وصل السيد صابر الضرير وعصاه تقوده، وما إن وصل إلى باب المقهى حتى انتابه شعور غريب، وعلم أن رشو موجود داخل المقهى: الأفضل أن أعود قبل أن ينتبه رشو لوجودي.. أحمدك يا رب لأنك خلقتني ضريراً، (لأنو متل ما بيقول المتل بتهون عليك مصيبتك لما بتشوف مصيبة غيرك)، لأن الذي يسمع ليس كالذي يسمع ويرى.
انتبه له رشو وناداه بأعلى صوته: هييييييه هييييه. توقف وركض بعد أن أوقع كل ما كان على الطاولة على الأرض، أمسك بيده وجره إلى داخل المقهى كأنه يجر تيساً: أرجوك يا سيد رشو أن تتركني، لأنني في هذه اللحظة تذكرت لديّ أمر هام.
- مهما كان هذا الأمر الذي تتحدث عنه هاماً، فهو ليس كأهمية الحديث الذي سأحدثك به.
- يا أخي الأمور تفلت من بين يدينا.
- وما علاقتي أنا الأعمى بكل هذا يا سيد رشو، أنا بالكاد أصل هنا.
لم يأبه رشو بكلام السيد صابر، وقال: نحتاج إلى التغيير، نحتاج أن يسمع كل منا الآخر.
- ها ها وأنت قلتها يا سيد رشو، اسمعني أرجوك.
- اسكت يا سيد صابر، ليس في هذه المرحلة التاريخية، العدو من جهة ومسألة الحريات من جهة أخرى واكتشاف كواكب أخرى من جهة ثالثة.
- ولكن يا سيد رشو ما علاقة اكتشاف الكواكب بكل هذا؟
رفع عبد السلام رأسه قليلاً ووجه سؤاله لرشو: كله مرتبط ببعضه بعضاً، يجب أن نجهز أنفسنا لكل شيء، ربما نستطيع شراء مساحة دولة على أحد الكواكب إذا ضاقت بنا الأرض هنا، يعني إذا لم نستطع إقامة دولة الحرية والديمقراطية سوف ننتقل جميعنا إلى هناك.
كادت عينا السيد صابر أن تخرجا من محجريهما حين أنهى رشو هذا الكلام. وعندما جلس السيد صابر طلب رشو من صاحب المقهى كوب شاي للسيد صابر وقال له: أرجو أن يكون أكبر كوب موجود في المقهى.. الرجاء أن تسمعوا جميعاً.
أخرج رشو ورقة من جيبه: التغيير هو ما يجب أن نبحث عنه أن نغير تفكيرنا، أن نغير أنفسنا بل إن استطعنا أن نغير حتى أسماءنا، أن نتعلم الإصغاء، أن نتقبل كل الآراء، وأن نعطي المرأة حقها، وأكبر مثال على ما أقول، اليوم هناك انتخابات للاتحاد النسائي، وهذا دليل أننا نسير على الطريق السليم.. (اسمعوا يا إخواني لازم نعطي للمرأة حريتا وما نجبرا على شي هي ما بدها ياه).
أتى صوت من الخلف: سيد رشو حتى على ذلك الشيء يجب أن لا تجبرها.
- ذلك الشيء! ولكن ما هو ذلك الشيء الذي تقصده؟
- ذلك الشيء يا سيد رشو ذلك الشيء. وهو يلمح له ويضحك.
كرر جميع الموجودين: ذلك الشيء يا سيد رشو ذلك الشيء..
- آآآآآه، ذلك الشيء. ضحك رشو: في حال تحدثنا عن هذا الأمر، فأؤكد لكم يحتاج هذا الأمر إلى إقناع وسياسة.
دخل في هذه اللحظة ابن رشو وهو يلهث: أبي أبي حزبك خسر في انتخابات الاتحاد النسائي.
اصفر لون رشو وهجم على ابنه وبالكاد استطاع الموجودون الإمساك به، حتى إنه عض مؤخرة صاحب المقهى. رفع رشو الطاولة ورماها على ابنه، إلا أنها أصابت رأس السيد رافع، صدر من السيد رافع صوت خافت وهو يقول: (آه يا إمي دبحني ها البغل).. آه يا كلب يا ابن الكلب أتيت تبشرني.. أليس كذلك، قل لي أمك لمَن صوتت في الانتخابات؟
- أمي. رددها ابنه بارتباك: قالت إنها صوتت لحزب التيوس الأصيلة. قالها ابنه واختبئ خلف صاحب المقهى، دفعه أبو رمو قائلاً: (يا عمي روح عني بس، بدي أعرف مين يللي مسلطك عليّ.. إن شاء الله بس ما يكون مع أبوك شي مسدس).
احمرت عينا رشو حين سمع كلام ابنه وانتفض وحاول أن ينزع حذاءه، إلا انه تراجع وقال بأعلى صوته: أقسم بالله راح طلقها.. اسمعوا يا جماعة أنا أُشهدكم أنني طلقت زوجتي.
- لا يا رجل ما هذا الكلام الذي تقوله.. ألم تقل قبل قليل يجب احترام المرأة في اختيارها؟ وجه عبدالسلام كلامه لرشو.
- طبعاً قلت، هذا ولكن هذا لا يعني أن أتراجع عن مبادئي الحزبية، يعني يجب أن يكون جميع أهل بيتي مثلي.
هنا انتفض عبد السلام قائلاً: لقد جعلتنا حتى في منامنا نحلم بالسياسة وبخطاباتك العصماء، ويا رجل قبل يومين كانت زوجتي على وشك أن تُجن بعد أن فاقت من نومها مذعورة على صوتي وأنا أنشد "أي رقيب" بأعلى صوتي، لك الله يلعنك ويلعن حزبك ويلعن السياسة والمصيبة.. دائماً نفس الكلام، التغيير والديمقراطية واحترام الآخر.. لك الله يلعن التغيير.. والله يلعن الديمقراطية.. والله يلعن احترام الآخر.
تدخل في هذه اللحظة صابر الضرير وقال: كنت أود قول هذا وأكثر.. (لك تفوه). بصق على وجهه، لكن البصقة أتت على وجه أبو رمو: (والله ها الشي قليل لازم أشفي غليلي وأضربك بها العصا بين عيونك).
لوح السيد صابر بعصاه ورماها، ولكنها أتت في وجه السيد رافع. سُمع صوت خافت، بل كان أشبه بمواء قطة متشردة وسقط على الأرض مغشياً عليه: أرأيتم أيها الأخوة حتى العصا لم تؤثر فيه.. أقسم برب محمد لو أنني ضربت بغلاً هذه الضربة القاضية لما نهض مرة أخرى، ولكن ربما هي السياسة من غيرت جلدهم إلى جلود تماسيح.
أمسك رشو بابنه وقال له: اذهب، وقل لأمك أن تخرج من المنزل قبل أن أعود، فلتذهب إلى منزل والدها، لأنني لا أود استعمال الوسائل العسكرية، وخاصة أنا سياسي.
خرج رشو من المقهى، وهو يهدد ويتوعد لدرجة أنه رفس صبياً في الشارع على مؤخرته، ما أجبر الصبي على ضربه بالبيض الذي كان يحمله!
08-أيار-2021
20-شباط-2014 | |
30-كانون الثاني-2014 | |
16-كانون الثاني-2014 | |
06-كانون الثاني-2014 | |
28-تشرين الثاني-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |