Alef Logo
يوميات
              

في سجن "سانتوريني"

ناديا خلوف

خاص ألف

2013-07-28

قصة من الخيال الواقعي

أهديها للدكتور معروف العبيد الذي كان تحت الطلب لخدمتي وخدمة السوريين في اليونان. دون اعتراف من أحد. مع أنه يملك الجنسية، وإلى زوجته اليونانية الرّائعة التي استضافتني في منزلها.

أهدي قصتي أيضاً إلى أبي حيدر الذي سأفصح عن اسمه يوما ما، والذي يرعى شؤوني بصدق .

. . . .

في سجن سان توريني. تلك الجزيرة اليونانية التي عندما وصلت إليها بالباخرة. لم أر فيها إلا جبلاً يقع قرب السماء. تساءلت لماذا يختار الإنسان السكن في تلك الأماكن الجرداء المستحيلة للعيش؟ لكنني غيّرت رأيي بعد ثوان حيث نصعد في طريق ضيّق ملتو يخترق الجبل المطلّ على البحر. أغمض عينيّ خوفاً من أن تقع السّيارة في البحر، فأنا ابنة السهل التي يتملكها رهاب الأماكن المرتفعة ورهاب الماء.

أتجاوز بحديثي قليلاً على رجل الأمن: من فضلك توقف عن الضحك. إنّني غاضبة، فأهل بلادي يقتلون.

يتوقف على الفور. يتعاطف معي.

هم كما يبدو لي أوربيون! لو كان رجل الأمن سوريّاً لجعلك تبصق على نفسك في أقل من ثانية

ماذا سأقول لأحفادي عندما أغادر المكان؟

سأقول لهم: من الممكن أن يكون هناك بعض البشر بين رجال الأمن شرط أن لا يكون سوريّاً .

وحشة. غربة. وحدة. إحساس بالغدر، وقلة الحيلة و. . . الجوع

سمعت اسمي بلكنة سورية، وإذ بأحدهم يجلب لي الطعام. سوري من بانياس.

أشعر بالرّاحة، لأنّ أحدهم قبض عليّ. أحدهم قام بخديعتي. اشترى لي بطاقة سفر وهمية إلى باريس . قضيت على عصاب القوة الذي أتباهى به، فأنا بشر عاديَ

رئيس مركز السّجن ومساعده يسهران على راحتي. يحترمون العلم والفكر. أحدهم يقدم لي الطّعام ويتملكني الغرور فأرفضه وأضرب عنه ، والآخر يقدّم لي الأوراق كي أمارس عملي في الكتابة. رائع!

في بلادي : كلما تحدّثت عن عذاباتي. انفرجت أسارير البشر، وأوصلوا لي رسالة مفادها: تستحقين ما يجري لك.

في سجن تلك الجزيرة التي يشبه هواؤها هواء قريتي. يتسرب إليّ من النّافذة. نوافذ الصالة مفتوحة . أشعر بالحريّة داخل سجن!

في ذلك البيت القميء في أثينا كنت أشعر بالغثيان . هنا رائحة كرمة ونبيذ تسكرني. أضرب رأسي بيدي: أحضروا لي أمي من بين تلك العناقيد. . .

أحتاج أحياناً لنسيان رهاب القوة. حانت الفرصة، لأتمتع بضعفي ، وأتدلّل على سجان شابّ . أسجنه بكلماتي. يربت على كتفي وينزل دمعه عليّ. يا له من إنسان! لماذا لا أرى دمع السوريين المعارضين والموالين؟

لكنّ الجواب جاهز في وجداني. ليس صحيحاً، فالدماء السّورية، ودموع الفقراء. لو فاضت أكثر لغرق العالم!

سكر الدم في ازدياد. قسته فإذ به يتجاوز الثلاثمئة. ذعر الشرطي . تحدث إلى المستشفى. أعطاني هاتفي لأتحدث منه.

أنا في السجن. أغلقت الهاتف وسلّمته له. وذهبت بي السيارة إلى المستشفى. حيث أصبحت في حالة جيدة.

العودة إلى السجن ليست سيئة فالورق والأقلام أمامي وأناملي تشعر بالسعادة عندما تلامس الورق الذي فارقته من زمن طويل . للورق أيضا مشاعر تجعلك تلتصق به ولا تفارقه.

الليل طويل، والمخفر يضج برواده العرب، وقربي يجلس رجل موشوم يقول أنه عمل مع المارينز. يتحدث لي عن اليونان، ويطلب صداقتي ومساعدتي ماليا ببيع الماريغوانا

شخص أسود يدخل غير موثوق اليدين. هو لم يختر لونه، لكن البشرية تحاربه .

أفغاني لديه عدة نساء. نفس التّهمة.

أتوق إلى الحياة!

إلى كلماتٍ تشبع دندنة أمي أغفو على إيقاعها

إلى التألّق، والإطلال على العالم من نافذتي

إلى فراش وثير، ولباس مثير، وطعام لذيذ

الوقت يمر. يمر الناس أمامه ذليلون

يا ويلتي من قلّة حيلتي، ونفاذ صبري

أشبه شخصاً يصوم في رمضان في مدينة لا تغيب شمسها

والليل يعوي كذئب. يطالبني بالرحيل

إلى أين أرحل؟

إلى المغاور حيث أبناء آوى

يطلب مني بإلحاح: أن أتخلى عن مشاعري التي تخصّ نموذجاً يمشي على اثنتين

يمكنني أن أدبّ على أربع!

بينما كنت أعد ليرتي البيضاء في بلادي. تنافس على امتلاكها الكثير

رسمتها على ورقة كي أنظر إليها وأتذكّرها.

ضاعت بين الأسمال التي أستعملها أحياناً للنوم، وأخرى من أجل التنكر

أنا حرّة بلا ثياب

الحرية تحتاج إلى التعري. كي تسبح معنا في البحر، أو على متن طائرة.

اليوم تعريت في مركز الشرطة أمام شرطية. رأت جسدي المقموع فرفضت أن أكمل!

أشتاق في هذه اللحظة إلى أحفادي. أولادي.

إلى شجارات ابنتي

إلى اعتذارات ابني الواهية

إلى حديقتي

طفولتي

حبي

إلى أهلي

وإلى ذلك السّجن. حيث يتحدّث لي سجناء شبالب من خلف القضبان: من أنت؟

هل تحتاجين طعاماً؟

علاقتهم مع السّجان جيدة. هم يطعمونه. السجان أيضاً في اليونانفقير.

هل تعرفني أيها العالم؟

هل تفهم لغة جسدي؟

هي أسئلة أرغب في معرفة أجوبتها

سأحرق كل دفاتري التي تتضمن كلمة الوطن.

تصل من خلال تلك الكلمات رائحة العفونة.

كيفن الآن في غرفة التحقيق. لا يجيد الانكليزية تماماً طلبوا مني أن أترجم له كوني أحاورهم بالإنكليزية. يسألونه عن اسم أبيه في الجواز الشبيه، فلا يعرف الإجابة

قال لي. لو منّ عليّ ذلك الأب المفترض بالحرية، لاعتبرته أباً لي! بعض العداء الذي يشبه العداء للسّامية.

اليوم هناك عداء للسّورية. يجب أن يتحوّل إلى حقيقة ترغم الغرب على دفع ثمن مماثل لما دفع لليهود.

مالك يا كيفن؟

ألا تعرف أنّك ذلك العربي الذي انتميت زمناً طويلاً إلى عظماء الأعراب.

اليوم يتحرّر ذهني من كلّ الأكاذيب

وأضع رايتي فوق أحذية الزمن الغابر

أمزقها. أهديها للعواصف. كي تمرّ على قبور الفقراء في بلادي. تعتذر منهم تقبل وجناتهم. ثم تختفي.

كلما تحدث أحد هنا بلهجة لا تعجبني: أنت تعاديني لأنني سورية. أيها البوليس قل له أن لاي ستخف بنا.

يعتذر: أقدر مشاعرك

سأبتكر فكرة" العداء للسورية"

هي فكرة لأحفادنا يحاسبون فيها العالم من أجل محارقهم ومجازرهم.

على العالم أن يدفع ثمناً مماثلاً لما دفعه من فكرة العداء للسّامية.






































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow