في حضرة الرّب
خاص ألف
2013-08-18
في حديقة كنيسة أرثوذكسية في أثينا" أتيكيه" أجلس مع عوائل أتت من مختلف أصقاع الدنيا باحثة عن الأمان، ويتوالى العجائز في الدخول إلى الكنيسة لسماع بعض الكلمات المطمئنة على أن أرواحنا ستبقى حيّة، لكن العجائز النساء أكثر عدداً. أنظر إلى نفسي كفتاة. فكل أمّ ذاهبة إلى الكنيسة تقودها فتاة تجاوزت الستين. تدخل العجوز باب الكنيسة، وتبقى ابنتها في انتظارها على مقعد في الحديقة كونها لم تبلغ سنّ اللجوء إلى الاحتماء بالرّب، فما زال لديها أكثر من عشرين سنة يمكنها خلالها أن تعيش حياتها.
في الحديقة كنت أختبر مهارتي في الإنكليزية، فإذ بي أنا فقط من يجيدها. بعضهم يعرف بعض المفردات فقط. عرفت أن أغلب روّاد الحديقة من الغرباء" سوريون، عرب، أفغان، رومانيون، باكستان، ويندس بين الصفوف سماسرة للمخدرات. للإتجار بالبشر. للنصب، هم يقرؤون الهيئة، ويعرضون خدماتهم. ونادراً مايفلت البعض من الوقوع ضحيتهم. أثينا مليئة بالأوكار والمافيات، وربما كان اليونانيون ضحية لتواجدها وضحية نظام الحكم أيضاً فكل شيء يقول: هي سورية قبل الانفجار الكبير.
في أثينا " أمونيا" تستطيع الوصول إلى ما تريد. جواز سفر. فيزا. كلها بأسعار متهاودة لكنّها قد لا تسبب لك النّجاة، تؤخذ منك بهدوء على مدرج الطائرة وتذهب نقودك أدراج الرّياح، لكن الفرق بين السمسار وتاجر الرقيق كبير، فالتاجر أكثر أخلاقية أسعاره محدّدة، وسمعته هي الكفيل.
أردت أن أخضع نفسي لمشيئة الرّب. رسمت إشارة الصليب على وجهي، ودخلت من باب الكنيسة بعد أن قرعت النواقيس، دخلت معي صديقتي الشّابة، وطفلها ذو العامين. بضع عجائز تجاوزوا المئة عام يخشعون ، ورغم أن صديقتي مسيحية لكنهم أحسوا أنّنا غرباء ، راقبوا حركاتنا. وربما استغربوا كيف نصلّي ونحن لا زلنا يافعين بين الأربعين والستين من العمر!
في أثينا يجتمع الفقر والبؤس معاً. تجتمع الجريمة والمافيا، ويدفع الضريبة أشخاص أبرياء، وعندما ترى النساء تصرخن خلف عربة ثابتة" بسطة" عن أسعار البندورة والثوم، وهن مرهقات. تعرف أنّ العالم ليس بخير ، وأنّ أوروبا قد فارقت اليونان منذ فترة. أغلب النّاس هنا يشبهون في هيئتهم أبناء القامشلي، أو السّاحل السوري، وهم لا يعرفونني كغريبة بل يتحدثون معي اليونانية التي لا أعرف منها سوى كلمة" ني" أي نعم. أقول لهم: نعم. أكتشف بعدها أن إجابتي لم تكن صحيحة. أحاول بالإنكليزية، لكن لا حياة لمن تنادي!
كنت في حضرة الرّب أريد أن أستفسر منه إن كان له يد فيما يجري؟ لكن عيون النّاس منعتني من لقائه، أو أنّه لا يحضر في بعض الأحيان حتى لو كان للتّراتيل والنّواقيس حضور!في النّهاية لم نلتقِ وربما كان أحدجنا قرب الآخر.
أردت أن أخشع،وأدعوه أن يعم السّم في بلادي . أردت أن يساعدني في القضاء على القتل والتخلف والجهل، لكن طلباتي ربما كانت كبيرة. أردت في النّهاية أن أستحضر الأب والابن، والروح القدس، لأبكي عليه، فما زال صلبه حاضراً في وجداني.كان غائباً في لحظات كنت بأشدّ الحاجة إليه. أرغب فقط أن يشهد على صلبي. على ذبحي. يبدو أنّه فضل أن ينأى بنفسه عن الحدث، قد يكون الأمر فوق احتمال الآلهة أيضاً وليس البشر!
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |