دقيقة صمت
خاص ألف
2013-10-22
لم تعد لليالي الصيف رائحة الياسمين، لم يعد للطيبة مأوى، فصدى الموت أزال كل حب. حرارة الصيف أعمت بصائر الخيل، ميادين الصراع لم تعد حلبات روما، كل الأماكن تحولت إلى ميادين. الهرب من العتمة في الولوج فيها بات الخيار المفضل، قرروا أن يكونوا حُماة لحجر ليكونوا درعاً له، لكن هرب من يستطيع الهرب وبقي العجائز والأطفال وسط القلعة التي باتت تتداعى أسوارها. لا دروب واضحة بعد أن فقد الجميع أبصارهم، فالحدائق تحولت إلى مقالع، والمدارس مقابر، وعطر الياسمين سُماً زعافاً. ثمار الأشجار جفت وسقطت بعد أن نخرتها ما بقي من حشرات. بلاد الأنهار السبعة وجناتها الشرقية عشقها الطاعون واغتصب الدرن أجساد أهلها. التضرعات لم تعد تفيد، فرماد المحارق ودخانها غطت على كل صوت.
نظرت الأرملة إلى أطفالها الستة الذين تجمعوا داخل الغرفة الوحيدة التي بقيت من منزلهم، أرواحهم هائمة في المكان تبحث عن مخرج، أحلامهم البسيطة اغتيلت في مهدها، جفوا كثمار الشجر واسودّت جلودهم، هذيانهم كان رثاءً للضمائر، تأوهاتهم ربحاً في سوق النفاق كانت تتمنى دائماً أن يبقى الليل مسدلاً أستاره حاضناً لأجسادهم الذابلة، وكان العاشق لدموعها بحمل آلامها.
خرجت المرأة إلى الأنقاض لتنظر إلى وهج أنوار المدينة البعيدة تضيء كبد السماء. وبعد نهاية كل يوم، كانت أصواتهم تخمد أكثر من اليوم الذي قبله، أنفاسهم المختنقة كانت تثير زوابع من توسل وأنين فقدوا تواصلهم مع العالم بعد أن نسيهم، يأسوا من لهفته الكاذبة، أياديهم ظلت ممدودة عسى أن تتقيأهم الجاذبية وترميهم إلى أراض جديدة. كسروا كل ما بقي من مرايا في المنازل لا يتذوقون فيها طعم الشفقة التي ستزيد أيامهم مراراً، عشقهم للحياة كان البديل عن الحرية، مدن الصفيح انمسخت إلى ما هو أسوأ، كيُّ الحديد وحرائق الإسمنت جعلت أخوديش تستغيث دموعاً جفت منذ زمن.
القطط وقفت على أطلال المدينة تراقب جنون الواقع وحماقة البشر، وتبحث عن الأيادي الصغيرة التي أطعمتها آخر مرة، مواؤها الحزين كان انتقاماً للصداقة، للرأفة، لدفء الأيادي التي كانت تداعب أجسادها الصغيرة.
خرجت الفتاة الصغيرة هائمة على وجهها غير مدركة لما وقع، تُركت وحيدة بعد أن اُغتصبت أرواح أقاربها، ظلت تركض حافية القدمين دون أن تجرؤ على النظر خلفها، فأذرع الموت طالت كثيراً في بلادها، أشواك الطريق هي الوحيدة التي أبقتها متيقنة أنها لا تزال حية. جنونها المكبوت منذ زمن حطم سلاسله وأطلق العنان لصراخ مخنوق. ساعات وهي تبكي دون حس، فتح الفجر عينيها على مكان لم يسبق أن رأته، أزيز الرصاص لم يسمح لها بالتذكر، اخترق الرصاص جسدها، أحست بالرصاصات تخترق جسدها الغض، مدت يديها الصغيرتين إلى أماكن جروحها القديمة، لا فائدة الآن من الصراخ، فالموت نفث فيها سمه، تذكرت كلمات والدها التي كان يرددها دائماً "أنتِ ملاك يا صغيرتي"، لفظت أنفاسها الأخيرة وكانت آخر كلماتها "لم يقبلونا بشراً".
اقترب المتسربلون في السواد ليجدوا أن المتسلل لم يكن سوى طفلة صغيرة. قال أحدهم: "لم يكن أحد أولاد الزنا أعداءنا وأعداء أجدادنا بل هي مجرد طفلة صغيرة". رد عليه القائد بحزم: "لا مشكلة اعتبره خطأً مطبعياً، أم كنت تريد لعيني أن يخرجا من محجريهما ويذهبا للتأكد إن كان أحد أولاد الزنا أم فتاة صغيرة. انسَ الأمر، اعتبرها ماتت في حادث سيارة".
استهزاء الموت كان أقسى بكثير من قساوة قلوبهم، صراعها مع الموت كان لأجل حياة قصيرة مليئة بالخوف، لم تجد أمامها أي مخرج، فكل الأبواب مسدودة، نظرت حولها، لا شيء يتحرك، حتى الرياح سكنت.
عاشت جُل سنوات عمرها وهي تسمع وتتذوق مقولة "لقمة مغموسة بالدم" تغيرت الأحوال كثيراً بقي الدم واختفت اللقمة. خرجت إلى اللامكان بعد أن سقت أطفالها آخر قطرة شراب لتلحق في الراقصين على صفيح الوطن!
can haval
2013-10-22
كل يوم تبدع اكثر اجل انها دقيقة صمت طويلة
Karzan Mirani
2013-10-28
سلمت يداك فعلاًمقالة رائعة اتمنى لك النجاح والتوفيق
08-أيار-2021
20-شباط-2014 | |
30-كانون الثاني-2014 | |
16-كانون الثاني-2014 | |
06-كانون الثاني-2014 | |
28-تشرين الثاني-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |