نكتب عن الحبّ، ويملأ قلوبنا الغلّ والحقد ، كما كنا في السّابق نكتب عن ياسمين دمشق ونحن لم نره لأنّنا عشنا في العشوائيات، وإن قال شخص ما بأنّه لم ير سوى رائحة المستنقعات تنطلق من بردى, لصادرنا رأيه، وحكمنا عليه بالإعدام المدني قبل أن يصل إلى الأجهزة الأمنيّة، ونتشفى به إن وصل إلى الأقبية. نقول أنّه يستحق ذلك لأنّه خائن.لم يعد منظر التنكيل بالآخر يثير في داخلنا مشاعر التّعاطف. أصبح الشّر قيمة بحدّ ذاته.

إله الشّر يرسل أئمته للعالم للتبشير بالقيم، انتصر في معركة حاسمة، وأتت فرصته للسيطرة على الكون. عاش بيننا زمناً طويلاً حتى تغيّرت قيمنا.

عندما تبنيتُ وأبناء عشيرتي قيم الشّر. عاتبتُ كلّ الأشخاص الذين أعرفهم. حمّلت أمّي مسئولية فشلي، فلماذا لم تمارس أيّ عمل شريف أو غير شريف، وتمنحني المال الذي تحصّله؟ ولماذا لم يكن أبي وزيراً ، أو على الأقلّ الحارس الشّخصي لوزير المالية مثلاً؟ رغبت أن ألغي العالم إلا إذا كان مسخّراً من أجلي" فأنا ومن بعدي الطّوفان"!

تغلغل الشّر فينا، وأصبحنا عبيداً له

وقفت في صف العبيد الطويل.

الكلّ ينحني أمامه، وعليّ تقليد الجميع،

وبينما كنت أخرّ مع السّاجدين. رأيتُ الفرصة مناسبة للهرب، فقط لأنني لا أحبّ الانتظار، وريما لأنني لم أكن مشبعة بالإيمان. في يوم من الأيام. أعلنت عن استعدادي للقيام بأيّ عمل، ولو كان يعتبر من الجرائم التي يعاقب عليها القانون كي أستمرّ بالحياة. كان القانون قد وعدني بالبراءة من أيّة قضيّة شائنة.ثم أعلنت انشقاقي عن القانون.

بعد هروبي. فهمت اللعبة:

بكيت قبور أهلي لأنني قتلتهم دون أن أستعمل السّلاح. ثمّ اعتزلت العالم، فقد فشلت في الحصول على منصب رفيع في تلك الدّائرة الضّيقة التي تحكم قيمها العالم، كنت أقوم بطقوس عزلتي. سمعت أصواتاً قادمة من الحبّ. ترغب أن تحرّرني من وهم العظمة الكبير. تصدى لهم أشخاص من الماضي اسمهم:"قوى الشّر"

في تلك اللحظة عرفت من أنا . رغبت في الانضمام إلى الصوت القادم من الأمل لكنه اختفى، وأتى حكيم ممتلئ من رأسه حتى أخمص قدميه بقيم العصر. قدّم لي نصائحه بالمجّان، أهل بلادي ناصحون بامتياز. يطلبون منك الانصياع لفكرهم، ولو فعلت بنصيحتهم لقالوا لك: ألم نقل لك أن هذا الدرب خاطئ؟ أنت لم تأخذ بالنصيحة!

رأيت حكيماً ورعاً أجاد فنّ الدجل:

-أيّها الحكيم. ردّني إلى طريق الصّواب.

-عليك أن تؤمني بالقيم

"الشّر قيمة "

-ومن أنا أيّها الحكيم؟

-أنت غاضبة من كلّ الأشياء. تناقضين نفسك. ترغبين ولا ترغبين. تسيرين عكس الاتجاه.

لا تبكي يابنيّتي. سلمي أمرك إلى رسل الشّر. هم يقرّرون مصيرك، وليس بالضرورة أن يكون لك شرف الانضمام. يكفي أن تبقي حول الدّائرة على الأقلّ حتى لايفتكوا بك.

- تلك الرّسل كانت تحيط بي منذ طفولتي. تقلل من شأني وترفع شأن الآخرين الذين لا يستحقون أن يكونوا بالمقدمة.سأعلنها ثورة عليك، وعلى نفسي.

اختفى الحكيم. بقيت وحدي على مساحة الوطن. اعتقدت أنّني سأغيّر القيم، وأتبنى قيم الإنسان المتحضر. أصبت برصاصة في قلبي. وتنافس فريقان على تقطيع جسدي.يتنافس الفريقان على دفني الآن . . .