في مساء اليوم الذي تجرأت فيه وطردت ظلي من المنزل، كنت اجلس امام التلفاز أحملق في عنق مذيعة نشرة الاحوال الجوية الطرية البيضاء، وهي تتحرك بتمايل أغصان تخللتها نسمات هواء خفيفة، هذا هراء طبعاً.
كان ظلي في تلك اللحظة، وهو صامت كجدار عنصري عازل، ينبش أنفه بينما انا لا أنبش أنفي، ثم مد قدمه امام التلفاز بينما قدمي لم تتحرك، شرب من كأس الماء، بينما انا لم أشرب، حدث هذا كله وانا ثابت بلا حراك كتمثال برونزي، ثم فجأة قال لي: من ظل من؟
- قلت له: يا ابن القطيعة والسراب والخراب، يا ابن اللعنات، يا سارق الاحذية القديمة، سليل الدمامل والبثور المعلقة على أعناق الكهول كعناكب، يا ابن العناكب والعقارب والذباب، انت ظلي، هل تفهم ذلك؟
هز رأسه بتثاقل كبير، ولم يجب ثم خاصمته وطردته خارج المنزل، بعد أن شلعت أذنيه وطلبت منه ألا يعود مرة اخرى، ونعته بالقبيح أبن الدخان والغبار، انكسر وجهه وساحت ملامحه على الجدار وغادر مكسوراً ذليلاً الى مكان ما. فليتلبس شخصاً يشتاق الى ظله، هذا لا يزعجني اطلاقاً، أنا سعيد بلا ظل يرافق مشيتي تحت الشمس.
مساء الامس حاولت ظلال كثيرة ان تنبت كشجيرة الى جانبي، كان هو واحد منها، متاكد من ذلك، فما كان مني الا ان امسكت بمنجلي وجززت رؤسها كلها، حتى سالت دماؤها على الأرض. دماء الظلال بيضاء لزجة، وذات رائحة قبيحة تشبه رائحة زهور معلقة على شجرة لا أعرف أسمها. صدقوني.
أنا لا أريد ظلال بعد الآن، الظلال ذات انوف طويلة وفضولية تربك مشيتي في الشارع، وتحتسي مشروبي المفضل في الحانة، تمد قشة طويلة غير مرئية الى كأس الزجاج وتسحب المشروب بخفة، حتى وجدتني أشعر بالخجل من نادل الحانة في كل مرة اطلب منه ان يملأ الكأس.
حدث هذا في اكتوبر الماضي أيضاً، حين كنت برفقة صديقي، العالم الصوفي والبليغ في اللغة، الذي قال لي أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، ان الاوغاد غالباً؛ يحبون الشتاء.