في يوم ما كانت جدتي تشتم حجارة قريتنا"المفكّر" صدّقتها، وفي المرّات القليلة التي زرت فيها حقلنا البعيد عن القريّة، كنت أفكّر لماذا هي قسمان غربي وشرقي؟ الحياة قاسية كما وصفتها جدتي، فالقرب من الصحراء، جعلنا متصحرّين أحياناً في مشاعرنا. في ليالي الشتاء. كانت تتحدّث لنا جدتي عن القريّة ، تسميها " نجمة الصبح" لم تعجبني تلك الحياة القاسية في الحقل. تمنيت مغادرته إلى الأبد، وكان لي ما أردت. . . تمنيت أن أعيش على رصيف غريب كي لا يعرفني أحد عندما أتخفى أو أندّب ليلي. . . كان لي ما أردت تمنيت أن أصبح" محام" . . . كان لي ما أردت كاتب. . . سياسي كلّ الأمنيات تحقّقت، هي الآن كوابيسي لو كان بالآمكان الدّعاء لألغاء تلك الأمنيات،لفعلت، فالقريّة أصبحت هاجساً، في كلّ ليلة أرتحل إليها. نجتمع قرب ساقية الماء أنا وأبي وأمي وجدّتي. نتسامر، أعود إلى الصباح، أستغرب من رحلتي السّريعة! بتّ الآن أخشى تحقّق الأمنيات،أخشى النّهايات، أن يدركني الصّباح أن يذوب الثّلج فتظهر الوجوه على السّطح أن ينتهي الشّتاء، أرتبك مع عنفوان الربيع أخشى أن أصل إلى حبيبي، لا يعرفني. . . وأن تصل الحافلة التي تقلني إلى الديار، فلا أعرف عنواني، ولا عنوان أبي أخشى على الشّمس من الغياب وعلى القمرمن الرّحيل ألوذ بالاختباء من الأيام تنقضي، وذلك الخوف يسكنني أقف عند النّهاية خائفة يرتجف عمري، يهزأ منّي الزمان أرغب في رؤية موقد أمي الذي كنت أقبع قربه مع الكلب، فترمي بالقطعة الأولى من الطعام لكلبنا "بيوض" يضعها تحت يده يقلّبها كي تبرد، فأحذو حذوه أرغب في استعمال مجرفة أبي التي رافقته على مدار حياته، والتي كان يوزّع بواسطتها الماء غلى الأشجار والزرع، لم أحاول استعمالها من قبل أرغب في أن أزور" المجري" وأسمع هدير " الطّوفة "وهي تحمل معها الخضار والآكياس وحتى الأغنام أرغب في اقتلاع " السلبين" كي تطبخه أمي حمساً مع الزّيت، وآكله برغيف خبز"شلط" وأكثر ما أرغب به هو رحلة عبر الزمن تعيد ذلك الماضي الذي لم أكن أشعر بجماله، أعود طفلة مشامسة ترفض الانصياع، ثمّ تتراجع. أرغب أن أسأل أمي: لماذا هناك مفكّر غربي، وشرقي؟ وأسمع جوابها يأتيني عبر الأثير: لا تسألي. هذه الحرب التي تستعر في سوريّة، كان مثلها في قريتنا، ذهب الكثير من القتلى، وذهبنا لاجئين إلى " الحردانة" ثمّ غادرنا إلى السلميّة، كان ذلك في يوم ولادتك. ما أقرب ذلك الزمان! لازلت على قيد الحياة حربان طائفيتان. إحداهما عند ولادتي، والآخرى قرب نهايتي، أي خلال جيل واحد هاجرت سبع مرّات. أسأل الآن: ماهو الوطن؟ أجيب: هو ذلك الطريق الذي سلكته وأنا غاضبة من الواقع، مهاجرة إلى المجهول، والطريق المعاكس له. الوطن هو " ذكريات"
إيضاح بعض الكلمات المفكّر: قرية شرقي مدينة السّلمية المجري: مجرى ماء يخترقه الفيضان الربيعي أو الحريفي الطّوفة : ماء الفيضان الذي يأتي مباغتاً وله صوت الخشيش السّلبين: خضار جذريّة لها شوك، تسمى : العكوب" الخبز الشّلط:الوجبة الأولى من خبز التّنور وهي عادة رقيقة، وليّنة الحردانة: قرية قرب المفكّر
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...