جدي لأبي هو هذا البدوي الراكب حصانا ويرتدي عباءة وحذاء جلديا, ويتدلى السيف في غمد محلى بالنقوش النباتية من وسطه إلى يسار الحصان, و خلفه ثلاثة من أبنائه على حصانين و جملين أحدهما بلا راكب, يحملون الأسلحة، ويتبعونه في خبب غربا ناحية أول الحقول المتاخمة للصحراء من الوادي. في ذلك الحقل كان جدي لأمي قد توقف عما يفعله و أخذ ينظر بقلق إلى القادمين نحوه من الصحراء مثيرين سحابة من الغبار. كان حافيا, كذلك زوجته وأبناؤه، يرتدي قميصا كتانيا كان أبيضا و جديدا منذ زمن.اخترق جدي لأبي حدود الحقل في ثقة و اقترب من الفلاحين الواقفين في وسطه حتى توقف أمام جدي لأمي تفصلهما فقط عرمة القمح التي كانوا على وشك تكييلها.
غرس جدي لأبي سيفه وسط عرمة القمح تماما و هو ينظر في عيني جدي لأمي بثبات و قال مشيرا إلى نصفي العرمة: هذا لي و هذا لك.
جدي لأمي يقابل جدي لأبي للمرة الأولى, و فورا أخذ يتعامل معه كما يتعامل مع الفيضان و الجفاف أو الجراد، و كانت للسياسة التي استخدمها أن زحزحت السيف ناحية جدي لأبي من نصف عرمة القمح إلى اقل من ربعها ، وبعدما سيحتسب جدي لأمي الزكاة من ضمن غنيمة غارة جدي لأبي ستكون خسارة هذا القمح ثمنا غير قاتل لاتقاء شر جدي لأبي و الله كليهما.
يحلو لي أحيانا أن أتخيل نفسي سعوديا أستورد المصريين وأجوب العالم و أمارس في وقت فراغي النكاح ، و على الرغم من لعني إياه بصوت مسموع كلما ضاق بي الحال إلا أنني لا أتهم جدي لأبي بقصر النظر في قراره الهجرة من شبه الجزيرة إلي مصر، فمن أين له آنذاك أن يتنبأ بظهور البترودولار،
جاء جد جدي لأبي إلى مصر واستوطن حدود الصحراء و الوادي، ولم يزرع القمح، بل غزا الحقول القريبة وقطع طرق القوافل، و آمن بتفوقه، اهتم براحلته و سيفه الذين تحولا مع التطور إلى سيارته رباعية الدفع و كلاشينكوفه.
بالمناسبة.. لم يتقابل أبي و أمي ذلك اليوم في الحقل, فأبي لم يكن حاضرا تلك الغارة، فهو ما كان قد ولد بعد، وهذا البدوي ليس أباه بل هو ربما جده الثالث أو الرابع، و أمي كذلك ليست ابنة هذا الفلاح، بل ابنة أحد أحفاده، و قد عملت بعد ذلك بسنين في نفس الحقل بنفس الطريقة و بدا عليها نفس الفقر و إن ارتدت حذاء بلاستيكيا.

شريف سمير