الجزيرة السّوريّة العليا تفرغ من مكوّناتها التي بقيت من السّريان، والآشوريين، وعلى الخصوص القرى الآشورية على نهر الخابور، أصبح الريف الآشوري المميّز يئن تحت وطأة الفراغ الذي يلفّه.

لماذا يسرق التّاريخ، وتتغير الأسماء؟

من الذي اخترع مفهوم الأقليّة، والأكثريّة؟

ومن هم أعداء الأسد الحقيقيون؟

عندما تهجّر شعباً عن أرضه تكون مجرماً كأنّك قتلته، وإن كنت تدّعي أنه من أنصارك عليك أن تحميه، وإن لم تستطع حمايته فعليك أن تطلب من الأمم المتحدة حمايته، وإلا ستكون مجرماً بحقّه.

الآشوريون، وحضارة مابين النّهرين في طريقها إلى الرّحيل،التّاريخ يدمّر أو يسرق على مرأى من العالم، مع أنّ هذا التراث ملك للبشريّة كلّها.

تلك الحضارة التي سبقت المسيحيّة، بقي بعض أبناءها في مناطقهم لوقت قريب، والأكثرية هاجرت مرغمة، أو عن طيب خاطر، حيث تعرّض أجدادهم للذّبح تحت رايّة الاسلام في مذابح الأرمن والسّريان في الدولة العثمانية.

الآشوريون الذين لم يغادروا أرضهم، واكتفوا بالعيش في قراهم، والعمل في الزراعة، حافظوا على مجتمعاتهم نقيّة إلى أن ألحقت بهم تهمة الولاء للأسد، وبعد إعداد التّهمة لهم لابدّ من البرهان، وهو الأمر الأسهل في المعادلة، فالعصابات الارهابية منظّمة تصول وتجول على مرأى من النّظام، ويسمح لهذه العصابات بالخطف والقتل كي تتأكّد مقولة الارهاب، لا يهم بعدها إن هاجر شعب أو قتل!

حاورت طفلة في الصّف الرّابع الابتدائي من " تل هرمز":

كنا في الصّف أربعة عشر تلميذاً، كلّهم ذهبوا مع أهلهم إلى أماكن متفرّقة من العالم، بقينا أربعة تلاميذ، أتيت أنا مع عائلتي إلى السويد، بقي ثلاثة،نقلنا سكننا داخل القرية عدّة مرات، لكن الموت يلاحق الجميع.

ماذا سأقول لهذه الطّفلة؟

أشعر أنني مسؤولة بطريقة ما عمّا يجري، أخجل أمام ألمها. . .

هل يعني بعد تلك المعاناة أنه من الأهميّة بمكان أن ينتصر الأسد على أراض خاليّة من السّكان؟

لقد فرغت القرية من سكانها، ولم يبق فيها سوى الذين يبحثون عن مكان آمن في منطقة ما لضيق ذات اليد.

نحن أسديو النّزعة، حتى لو كنّا ثوّاراً في بعض الأحيان. نحمل نفس النّظرة القوميّة الشوفينيّة التي نشأت مع الهتلريّة، والستالينيّة ولا زال العالم يعاني من آثارها،أغلبنا ضد الأسد، ومع دكتاتور آخرمثلاً،أو مع الأسد وضد آخر من نفس المدرسة. أغلبنا يحاور نفسه، فحتى اللحظة لايمكن الحوار مع الآخر النقيض، ولا الآخر المقرّب. كلّ منا يحمل الحقيقة المطلقة، ويطلق النّار عمّن يخالفه، وهذا يفسّر استمرار الأسد.

نعيش حالة من الوهم الممزوج بالحلم، ولا نرغب برؤية الذي يقول بأنّ الشّعب السّوري إمّا مقتول، أو مهجّر، جائع قبل الثورة، وبعدها، وللفقر سيطرة أقسى من العبوديّة.

ما يجري للقرى الآشورية هو جريمة

هم يعرفون ذلك، ويعرفون أنّهم تعرّضوا لسرقة تاريخهم بطرق كثيرة منها: تهجيرهم

أسرة آشورية تركت تل هرمز، وأخرى غادرت تل جمعة، تحدّثتُ لهم كلّ أسرة على انفراد. قال لي كلّ بدوره بجملة متداولة بينهم:

" تمّ بيعنا من قبل الأسد"