Alef Logo
يوميات
              

النهاية

ناديا خلوف

خاص ألف

2015-01-20

الحبُ ليس كلاماً، هو أوامر من السماء .
كي تستحقّ حبّي عليك أن تنجح في حلّ مسائل الحساب، وتعرفَ المراتب والمنازل ، الخطأ والصواب .
-لا تعقدي الأمور حبيبتي . أعرف بعض الجمع والتقسيم ، ولم أتعلّم جدول الضرب كاملاً .
هوّني علي الأمر . ليسَ وقتُ الحساب .
- هذا شرطي حتى نعودُ ، أن تزيدَ من تعليمكَ ، وبخاصة علم الحساب .
القدماء عبدوا الأرقام ، لو شئتَ أعيّن لك أستاذةً معروفة في هذا العلم !
- موافق .
- الأستاذة صفرة هي مدرّسة العلوم.
هل يمكنُ أن تعلّمي هذا الرّجل الحساب؟
-لا أستطيع سيدتي ، أخشى أن لا يجيد تقدير الأشياء ، بدلاً من أن يتعلّم الحسابَ يوهمني أنّه وقع في حبّي ، لا أرغبُ بغير زوجي صفر . نتدرّب معاً على الحبّ واستمرار الحياة . أرسل لك صفراً زوجيلو شئت.
- ماهذا الكلام يا صفرة ؟
لن أوقعك في حبي ، لدي ديمة لا أبادلها بحبّ العالم كلّه .
- لكلّ قاعدة استثناء ، قد تكون أنتَ الاستثناء .قالوا كما قلتَ وأنا محصّنة ضدّ الخداع، لا أسمح لنفسي بتكرار التّجارب . أعطينا أنا وصفر لأنفسنا الوعود في أن تكون منازلنا محفوظة على الدّوام . لن أخونَ صفري .
- ماذا قلتَ يا قنبر الزمان ؟
- قلتُ أنّك حبيبتي . عليك أن تثقي بي . لا يمكنُ لرجلٍ أن يعلّمني الحساب . أخشى إن أخطأت أن يسيء لي ، لنبدّل الحساب . لا تجلبي لي ذاك الصفر ، فما أحببت الأصفار من الرجال .
. . .
انتهت بعض أغانينا.
أحلامنا الجميلة نتركها هنا ، نهديها للتّاريخ ، يبقيها حيث يشاء، يسجّلها في دفاتره . تتحدّثُ عنّا بما تراه مناسباً.
شارفنا على الوصول . هناك منعطفٌ في آخر الطريق نصلُ بعده إلى برّ الأمان .
ماهوَ برّ الأمان الذي سنصلُ إليه ؟
هل هو بدايةٌ أم نهايةٌ للزمان ؟
أنظرُ إلى ذلك الجّدار ، أرى شجرةً وحيدة قربه ، تبدو أوراقها صفراء . تتساقط إلى الأسفل ، وعلى بعدِ بضعة أمتارٍ منها نهرٌ يتدفّقُ متّجهاً إلى البحر . مياهه الباردة تتراقصُ على طول الطّريق . تكادُ تصل .ستسقطُ بسرعة وتختلطُ مع مياه المحيط .
أنا بلور جدة قنبر .أتيتُ من غيمةٍ و أصابني الصقيعُ بينما كنتُ أعبرُ من الغيمة للأرض ، تجلّدت . أسموني بلوراّ ، وضعوا لي روحاً أصبحتُ أنثى بعد أن كنتُ قطعة جليد . .
عشتُ على الأرض ألفَ عام ، بعدَ ألفِ عام ، بعد ألف عام.
في كلّ عام كنتُ ألتقي بسفرٍ ونتفارقُ على أمل اللقاء ثانية ، نكونُ قد تغيّرنا . لم نتغير ،وبقي سفرٌ سفراً كما كان.
عمري أيّامٌ ، ربما ألتقي سفراً جديداً رأيتُه في الأحلام ، نختلفُ حول الكثيرِ من الأمورِ، وعندما أبحثُ عن رجلٍ أحبه من جديد لا أرى سوى جديداً . ربما يتقصّدُ أن يكونَ دائماً في كلّ حياتي ، وأحلامي .
ولدّتُ في الدّار ، مع مجيء ديمة عمّ الخصبُ المكان . -
كانت جدتي تعيشُ في الدّيار. شتّان بين الدّار والدّيار !
في الديارِ دمارٌ وخرابٌ موتٌ . قهرٌ . فوضى . لا يوجدُ استقرار.
الوضعُ مختلفٌ هنا . نعملُ على سعادة الإنسان ليلَ نهار
أصبحتْ الدّار صرحاً ، وأصبح سكانها أخياراً مع أنّ أكثرهم قدم من الديار .
سأجمعُ العلماء، والعمّال ، والموسيقيين ،وكلّ من يستطيع تقديم عملٍ مبدع كي يبعثوا في الدّار روحاً . لا زالتالدّارُ تحتاجُ إلى روح . ودون هؤلاء لن يصبح لها مكانةٌ وشعورٌ .
بعد قليل . ستنبعثُ في الدّار روحٌ ، وتصبح حيّة بكلّ أبنائها .
أين ذهبت صفرة ؟ لا أراها !
- مشغولةٌ بتعليم الأجيال الأعداد ، والعمليات الحسابية . تريدُ أن يكون في الدّار علماءٌ يفهمون أسرار الرقم ، والعدد ، والأوزان .
ها قد أتت صفرة مع زوجها.
تفضّلي يا زوجتي العزيزة . مكانتكِ الطبيعية من مكانتي . كلّما تطورتِ . تطورتُ أنا . لا خيرَ في بلادٍ لا تعطي قيمةً للنساء.
اعتلت صفرة المنبر ، تعزفُ موسيقا جميلة الآن . موسيقا سماوية . تبعثُ على الأملِ والفرح ، تهدئ النّفوس .
. . .
انفرجتْ أساريرُ الجميع . فتحوا أفواههم من الدّهشة ، ولا زالت مفتوحة .
أحضرتْ صفرة فيثاغورث من الماضي ، رأيناه قربها يعزفُ معزوفة الأعداد على الأوتار
يغني : " كلّ الأشياء أرقام "
" الكونُ يتألّف من التّمازج بين الرّقم والنغم "
أبرهنُ لكم على جميع هذه الأشياء.
لا تتوقّفي ياصفرة عن العزف . استمري . وصلنا إلى الرقم المقدّس
حبيبي صفر : هاتِ الوتر ،نعزفُ الاختلاف على آلتين ، نوحدّ الحبّ في رقمين .
أرقام الحبّ تذهلنا ، يهتزّ الوتر إجلالاً للرقم عشرة . انحنوا إجلالاً له .
أرواحنا لا تموت . أجسادنا بالية فما هي سوى لباسٌ للرّوح.
- توقفي يا صفرة لحظة . لم أكن أتمتّعُ بدرس الحساب . كلامُكِ عن الحسابِ جميل . لم أكن أعرفُ أن الأرواح لا تموت . زيديني معرفة . هذه باقةُ وردٍ من أجلك ، من أجل أن تعزفي الأرقام كاملة ، وتبعثي في نفسي عشقاً يجعل ديمة تعودُ إليّ كما كانت .
ديمة مكتملة الأنوثة والجمال .
أرغبُ أن نعودَ حبيبين كما لو أنّها تأتي الآن من السماء كما أتت أوّل مرّة أحبّبتها دون أن أراها .
قبلتُ ياديمة أن يعلّمني صفرٌ الحساب . لم أكن أعرفُ أنّه ممتع ، وفيه هندسة الكواكب والحياة .
لم أكن أعرفُ أنّ الأعداد تعزف . وأن الحبّ هو عدد يحبّ عدداً
منذُ الغد أكون ملتزماً بالدّرس .
أحبّطتُ في الحبِّ ، لم تعدْ ديمة كالسابق معي.
أرغبُ أن تعودَ إلى حبّي
- لازلتُ على قيد الحياة . سوف تختفي من حياتنا تلك السّحابة السوداء
ويظهرُ النّور في الصباح .
دعونا نساعدُ الديّار كي تخلص من الدّمار .
بكاء الأمّهات وقلق الآباء ، يجعلان الأمر مخيفاً
أصبح التهذيبُ في الديارِ مفقوداً .
أن تتمتّع بموقفٍ راقٍ هو وصمةُ عار
اليأسُ ، الكراهية ، والأذى والخيانة أصبحتْ مبادئاً .
المكاسبُ الأنانية هي الهدف
ونحنُ هنا نرى الخير في النّاس . نعملُ على الدوام من أجلهم .
تعلّمتَ يا قنبر مبادئ الحساب تعشقُ اليوم الأرقام . أريدك أن تخلّص الديار من نطّاط . لا استقرارَ في بلادنا . ما لم يستقرُّ أهلنا في الديار
حبيبي . أنت اليومَ جديدٌ . صفحتُ عنك . سامحتُ . الصفح عندي سمةٌ والصبر يعطيني عزيمة لا تلين
- هل قلتِ حبيبي قبلَ قليل ؟
اطلبي ما تشائين . افتقدتُ لكلماتِ الحبّ . كم كان جميلاً لقاؤنا قبلَ أن نلتقي .
عندما كنتِ قادمة من السماءِ سمعتُ صوتكِ . ذبتُ على الفورِ في الحنين كأنّني عرفتُك من سنين .
-كفاكَ لعباً على قلبي . أعرفُ أنّها كلماتٌ منمّقةٌ كي تجعلَ المركبَ يسير . لا بأس . طلباتي واضحة . وأنت أدرى بها .لم أقوى على فراقكَ أكثر . فأنا واضحةٌ في الحبّ ، لا أحتملُ التفسير .
- هذا هو الغموض، تقولين أنّه الوضوح ، سأفعلُ من أجلكِ المستحيل ،أحرّرُ الدّيار من نطّاط . الديّارُ دياري . ذهبتُ مع بلّور في رحلةٍ قصيرة . استغرقت ألفَ عام . أتى نطاط في غيابنا . استولى على الدّيار . شرّد أهلنا الأحرار . أحتاجُ إلى من أستشيره بأمرٍ نطّاط .
قولي ياديمة : هل يمكنك أن تدليني على أقصر الطرق لنتخلّص من نطّاط . لا أحبّ القتل ولا التّدمير
أرغبُ أن نعمر الدّيار ثانية . دون قتلٍ .
- عليكَ بحيّال . هناك خلفَ الجبلِ البعيد . مدينة تعيشُ تحتَ ظلِّ شجرةٍ عملاقةٍ . يعيشُ في قلبِ الشجرةِ شخصٌ اسمه حيّال. استشره . يستطيع أن يختصر الأمر في الحال .
- إنّني ذاهبٌ إليه . .
-توقّف يا قنبر . أرغبُ أن نقيم طقوس الوداع . هناك غيمةٌ تناديني في السّماء . تقول : حان وقتك يا بلّور أن تعودي إلى شواطئك .
- أرجوكِ لا ترحلي . كانت ولادتك خيراً على الدّار .
- انتهت مهمّتي
بلور تذوبُ ، تتبخّرُ ، ترحلُ إلى الغيمة . تنزلُ مطراً ثم تعودُ ثانية .
أسمعُ صوتها تغني :
اليوم موسمُ الفرح . أعود إلى أرضي هناك . قرب الشواطئ البعيدة
أشمّ رائحةً التّراب . زرعتُ فيه الربيع .
الحبّ والجمالُ والربيع يغنون معي . عادوا إلى قلبي . لم يعدْ فيه صقيع
إنني ذاهبةٌ إلى الغيمة التي حضنتني يوماً .
راحلةٌ إلى حيثُ يجبُ أن أكون .
اشتقتُ لرحلةٍ في غيمةٍ ربيعيةٍ .
تنزلُ مطراً كي يحلّ الخير ، وتزهرُ الفصول . . .



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow