رواية "شجرة العائلة" ج1
خاص ألف
2015-01-21
إلى فتاة ما عصفت بها الحياة، وقعت في دوامة الخوف من المجهول، تحاول تفسير ما جرى دون جدوى.
إلى أمّ عازبة رفضت أن تضع طفلها الوليد على باب جامع، أو كنيسة خوفاً من استبداد المجتمع، وخوفاً من الموت بذريعة الشّرف.
إلى رجل تمرّد على العادات، وأخذ بيد ابنته، أو أخته عندما تعرّضت لحالة تدخل ضمن جريمة الشّرف، وقام برعايتها كما يجب.
إلى الطفولة الممزّقة في مكان يدعى الوطن العربي.
وإلى امرأة قُتلتْ من أجل حبّ كبير لا يفهمه القاتل لأنّه وقع تحت عبوديّة" الشّرف" المزيّف.
. . .
الفصل الأوّل
"1"
يمكن للزّيف أن يصبح قانوناً للحياة.
نضع له روائح عطرّة، وكلمات هادرة، وقواعد للتّقليد.
الكلمات البرّاقة التي توضع في مقدمة موضوع الإنشاء، قد لا تكون من تأليفك.
عندما تحاول إقناع الأخرين بأنّك على صواب، وتكاد تصل إلى النّهاية في تثبيت حقّك، تسمع صوتاً مهدّداً لك يأتي من كلّ حدب وصوب، صوت لا يمتّ لك بصلة، يهدّدك في حياتك. تنسحب، تدع الحق وتولي هارباً قبل أن يصطادك إنسان، ويعمل على شرف صيدك حفل شواء.
. . .
انتظرتْ عائلتي ولادتي كي يكون اسمي أحمد.
ولدّتُ أنثى، بقيت بلا اسم عدة شهور، انتهى العزاء بي. أشارت جدتي أن يسمونني باسمها "شمسة"
لم يكن الأبّ في ذلك الزمن يحمل أطفاله من البنات، ولا أعتقد حسب أرشيف عائلتي انّ أبي حملني.
في الأربعين من عمري أردت أن أغادر الحياة.
حاولت أن أنسحب بهدوء.
لا مكان لي، ولا مكانة.
أخشى الألم.
تخلّيت عن فكرة الموت الحقيقي.
ومتّ على طريقتي، جمّدتُ الزمن في داخلي.
تحوّلت إلى آلة تقوم بمهمتها.
مخترع الرّوبوت هو أنثى حاولت الانتحار، حوّلت نفسها إلى آلة.
لا أبتكر قصّصا للتّسلية
هي قصّة واحدة مكرّرة من قبل النّساء.
. . ..
أين أنت يا أحمد؟
تعال يا بنيّ لا تلعب مع أولاد أمّ الهنا.
لماذا يا أمي؟
أخشى عليك منهم. يضربونك دائماً، وأمّ الهنا تشجّعهم، وتغلبني في الحجة والمنطق عندما أفاتحها.
في مرات كثيرة أردت أن أنتزع غطاء رأسها وأجرّها من شعرها، كان يجب أن أفعل، الخجل هو الذي منعني.
لماذا أحدّث ابني بهذه الأشياء؟
قال لي: لا تكوني شريرة يا أمي!
أتمّ أحمد العاشرة من عمره .
. . .
عندما ذهبت في الأسبوع الفائت للتّسوّق، عدت لأنني نسيت النّقود، كانت أم الهنا وزوجي في غرفة نومي، خرجت على الفور، تبعتني وهي تبتسم:
لا تسيئي الظّن بي. كيف رأيت شكلي؟
ألم أكن بكامل لباسي الشّرعي؟
هل يشفع لها هذا؟
لم تفطن أنّها نسيت بعض ثيابها على سريري.
أصبح الموضوع لا يعنيني، عدت لآخذ النّقود، وأنا أخبئ ثمن طعامنا في صرّة الثياب، لم أجد شيئاً. أمسكت بياقة زوجي مروان:
أعطني الألف ليرة
وهل لديكِ مال؟
هل تخفين الأمر عني؟
من أين أتيت به أيتها الفاجرة؟ هيّا اعترفي.
بدأ يصرخ بأعلى صوته، لو لفق تهمة لي وشهدت معه أم الهنا لانتهت حياتي، هو يتمكّن من أخذ أحمد كونه وليّ أمره.
خبأت نفسي خلف خزان الماء فوق السطوح. تبعني مهدّداً.
ماذا أفعل؟
غادرت المنزل، كلّ ما أتذّكر من ذلك اليوم شمس الظهيرة اللافحة، ولا مكان أذهب إليه، وأنّني مشيت لمدّة ساعة، وجلست على مقعد في الحديقة. أحنّ إلى الهروب من الحياة، ولا طريق أمامي.
هل أقول ما جرى لأحمد؟
لم أعد قادرة على الإنجاب، استجبت لكلام زوجي بأنّ طفلاً واحداً يكفي.
نادمة لأنّني لم أنجب عشرة أطفال.
أشعر أنّ مروان يبتسم من أعماقه لأمّ الهنا، وعندما يراني يكشّر.
لو أنجبت عشرة أطفال ربما كان الوضع أفضل سيجبر على العمل ليل نهار.
من يجبره؟
أنت متوهمة يا هذه.
لو أنجبت عشرة أطفال لأصبحت متسوّلة من أجل إطعامهم.
. . .
لماذا يرفضني الناس؟
سؤال في غير مكانه لمن هو غير موجود على قيد الحياة، عندما كنت موجودة كان أدائي سيئا.
بعد أن قرّرت الموت: أصبحت أموري أفضل.
يمكن أن أكون وحيدة في حفرتي.
أتململ قليلاً ثم أعود إلى الاسترخاء،
البارحة وصلني رسائل عتاب إلى مثواي .
من أمي، أختي، وصديقتي.
قبل ألف عام كان عليّ أن أقدّم هديّة، لم أستطع، لم تزل اللعنة تلاحقني.
. . . .
قد أتسول في الغد، أتنكّر في زيّ رجل فقير، أجلس في مكان واحد. محطّة المسافرين مثلاً.
أحتاج للطّعام من أجلي ومن أجل أحمد، ومن أجل مروان أيضاً، فهو يعيش يومه على التّوكل. يعطي ما عنده إلى أم الهنا، تطعمه في ذلك اليوم، ثمّ تهبّ عليها موجة الشّرف، وتغلق بابها أمامه إلى أن تشعر بأنه جمع بعض المال. هي تستشعر عن بعد.
فكرة التسّول جيدة.
ربما أستعير ثوب جارنا" أبو علي".
يعيش وحيداً، وقد بلغ من العمر عتيّا.
أذهب الآن قبل أن يعود مروان من عملية الصّيد المستمرّة، مروان يصطاد كل ما يراه . . .
-كيف حالك يا أبا علي؟
-ماذا تريدين؟
- أليس هناك كلمة تفضّلي مثلاً؟
-نتحدّث على الباب
- أعود إلى منزلي إذاً، كنت قد أتيت أونس وحدتك، وأنظّف لك منزلك.
- هل توجد تلك الأشياء في هذا العالم؟
منذ رحلت زوجتي أعتبر نفسي ميتاً. تفضلي. أرغب أن أحدّث أحداً عن الموت.
هل تقتلينني دون ألم؟
لديّ القليل من المال، وهذه الصّرة من الثياب. منذ عشرين عاماً لم أشتر ثياباً.
-أين أولادك؟
- كان لي ابن مات في مكان بعيد، ولا أعرف أخبار زوجته، وأولاده. لديه طفلان
لا أعرف عنهما شيئاً.
-بصراحة كنت قد أتيت أستعير بعض ثيابك من أجل أن أتسول.
أحتاج للمال كي أطعم ابني.
-لا تبكي. أعرف السّر. أسترق السّمع إلى نقاشكم أحياناً من باب الفضول والتّسلية، وأرى ما أراه. أنت امرأة تستحقّ الاحترام.
. . . .
أيّها الزّمن!
أقوم الليل من أجلكَ، وتأتي كعادتك في الرمق الأخير.
تحاورني حول العدل، أتركك وحيداً، ترحل روحي من اللقاء.
أستعرض الأيام، أرى أني أنا، وهم هم يطاردونني.
أموت وعلى الأرض آلاف الأرجل تدوسني.
وأنت بينهم تعجز عن الظهور.
نما العدل في ديوان الحاكم، أصبح قانوناً.
وعند أصدقائي ليس له هويّة.
عدل الحاكم قاتل، وعدل أصدقائي يساوي الرّقص على جثتي.
. . .
لماذا وصلت الآن؟
لا أرغب في النّقاش.
ارحل لو أردت لم يعد هناك طعم للّقاء.
فاتنا طعم الليل عندما يتعانق الفقراء،
وطرحت علي من سفاسف الكلام ما يفسد الذهن.
في المرات المقبلة: توضأ على نيّة الحبّ
تعال إلي دون أدران.
اصمت عندما تراني.
لا تتحدّث عن العدل، أو الثّورة، أو الظلم.
دعنا نعيش بعض الوقت معاً.
قبل أن تصحو من موتك،
وتعود للحياة.
وأكون على كفّ القدر راحلة منك.
ومن الذكريات.
اصمت أيّها الزّمن فما كنتَ في صفّي يوماً.
وأنت يا حبّي عليك الرّحيل، أتيت بعد الموعد.
. . .
الزمن يتغير ونحن أيضاً نتغير.
في اختياري الهروب إلى الموت المصطنع استطعت أن أفعل الكثير من الإنجاز.
سنوات ،وبعدها سنوات استطعت أن أصل إلى لا شيء، لكنّه قد يكون شيئاً.
حان موعد رحلتي إلى نيويورك.
سألقي محاضرة في الجامعة عن تأثير الأدب في الحياة،
استطعت خلال رحلة العزلة أن أفعل الكثير من الأشياء، ولو كانت الرّحلة على حسابي لما ذهبت، وحتى هذه اللحظة أنا متردّدة. لم أكتب الورقة بعد.
ما هو تأثير الأدب في الحياة؟
لي حوالي الشّهر، وأنا أقرأ للشّعراء.
يزكم أنفي شعر الغزل، والوطن،
وأصاب بنوبة برد عندما أقرأ عن الحضارة.
على طاولتي كتب ليست للقراءة.
كتب طبخ.
العلاج بالصلاة.
كيف تتعلم الدارونية في خمس ساعات.
هل الله موجود؟
كلّ هذه الكتب أمامي.
قبل أن أبدأ بالكتابة، سأنظّف طاولتي من هذه العثرات. سوف أحرق هذه الكتب، وأكتب عن تأثير الأدب من صبيان أفكاري، حيث يعيش صبية يتنافسون على العطاء، بعضهم كنت أرغب أن يتأبّط ذراعي عندما كنت في الإعداديّة ثم رحل، وكنت دائمة البحث عنه. رأيته قبل عام مع زوجته. ركضت إليه أردت أن أحضنه. لم لا ما دمت أرغب بذلك؟ لا يمكنني فعل ذلك، هذه رغبتي القديمة، وهو الأن مع زوجة من أغبى النّساء يقدّمها للمجتمع كأميرة. قد يكون يقدم نفسه من خلالها.
أعود إلى الورقة التي أعمل عليها، وتأثير الأدب. هذه الأفكار المتطايرة ضروريّة لإكمال النّص.
المقدمة: بدأت قصّة الأدب هنا عندما قطع البطل أوّل رأس، وصفق له الحضور وهم يهتفون: عاش البطل، عندما جلبوا أمّ المذبوح لتتبرأ من ابنها الخائن للقضيّة.
أبدأ بشعراء العصر:
على طاولة مملوءة بما لذّ وطاب اجتمعوا، لا أحد يقيم وصاية عليهم. يغرّدون كالغربان، ويجلسون على جثة المذبوح يمجدّون " البطل"
يبدو أنّ المقدمة ركيكة، علي أن أقرأ مقدمات كتبها غيري.
أبحث الآن في الأوراق على المواقع الالكترونية.
رسالة دكتوراه في الطبّ النبوي.
البروفسيور عونية تقدم ورقتها الرائعة حول المرأة: "لا تتركي زوجك يهرب منك"
فضيلة الشيخ دعبول: ضرب المرأة في مخدع الزوجية تكريماً لها.
من أدب الثورات: تعلّم كيف تثور عن بعد.
قد أكون وجدت هدفي.
أرى عنواناً يظهر في أغلب المواقع: مقدّمة لرسالة دكتوراه في الأدب.
أحبّ الأدب، والقراءة.
المقدمة:
أهدي هذا العمل للشّاعر العظيم، الذي تحدّث عن المرأة، الشاعر الذي يمثّل الوطن
بذلت قصارى جهدي من أجل الغور في أعماقه، لكنّه بحر من الحبّ، ولن نصل إلى مستوى إنسانيته مهما بذلنا من جهد، سابق لزمانه، عطوف كريم، أمضى جلّ حياته في وظائف دبلوماسية عالية.
لن أكمل . . .
وضعت الخطوط الحمر على الكلمات التي تثير فيّ الخوف: العظيم. المرأة. الوطن، وكلمات أخرى.
نسيت أنني أبحث عن مقدمة بحث أقلدها من أجل ورقة عمل من عدة صفحات.
بحثت عن الشّاعر العظيم الذي قرأت له سابقاً.
تقلّد المناصب السّياسية.
ربما عرف الألم، ولم يعرف الجوع.
بعض قصائده تعجبني.
أرغب أن أشتمه
أحبّ شتم من يسميهم الناس بالعظماء.
أخاف أن أتحدث عنه بالاسم، فتقتلني الجماهير الثائرة، أو النسوة العاشقات.
أمسكت بقلمي وكتبت:
نحن بشر، نستطيع أن نكون شعراء، أو علماء.
في طفولتنا الأولى نتعرف على ذاتنا ونكتب عنها في كلّ ليلة في مناماتنا.
لماذا أوجع قلبي؟
لن أقرأ، ولن أكتب بعد الآن. المكتوب معروف من العنوان.
لكنّني وعدت بالعمل.
. . .
نسيت بعض عادات البشر
لو أعود لتّعلمها.
أبدأ بالتّحية، أقف أمام المرآة.
مرحبا. كيف حالكِ
أعيد التجربة عشر مرات.
أصبحت لا أتلعثم.
أذهب لصيقتي عبير، أدردش عن أيّام المدرسة، وأعيد مهارتي في الكلام.
هيا يا شمسة تشجعي اقرعي الجرس. اقرعيه لن تأكلك عبير.
-من الطارق؟
أنا شمسة.
عفواً أخطأت. يبدو أن عبير غيّرت عنوانها. كم أنت جميلة أيتها الفتاة. هل تعرفين إلى أين رحلت عبير؟
سيدتي عبير هنا. هل حجزت موعداً معها.
من الطارق يا غزالة؟
سيدة تقول أنها تعرفك. اسأليها عن اسمها.
اسمي شمسة.
سمعتها. قولي لها أن تتفضل إلى مكتبي.
-أهلا يا شمسة. عدم المؤاخذة تأخّرت عليك. كنت مدعوة لعشاء عمل في مزرعة الشّاعر أبو ثورة. نحضّر عملاً فنيّاً ضخماً من أجل أعياد الوطن، تأخرّنا في السّهر، ولم أستيقظ للتوّ.
اجلبي القهوة يا غزالة.
هؤلاء الخدم لا يستحقون لقمة عيشهم. أعمل أكثر منها في المنزل، وهي تقبض أجرها كل شهر.
-هل أضربها؟
أم أنصرف دون استئذان؟
كأنّها توجّه الإهانة لي، وليس لغزالة ، وربما حاجتي تفوق حاجة الخدم ،سأتحدّث بما يجول في خاطري:
هذه الفتاة الرّقيقة تصلح أن تكون أميرة، أو ممثّلة في حكاية من الأساطير، لماذا يعمل النّاس خدماً؟
-هي من أسرة وضيعة، أمّها خادمة أيضاً، هم من عائلة أكلها الفقر، عندما جلبتها. قصصت شعرها، ودهنت رأسها بمبيد حشري. أنت ترينها بعد أن نظفتها.
أعتذر منك عزيزتي. سألبس ثيابي، بعد ساعة لديّ موعد على فضائية " الجندر" حول العمل من أجل المساواة في المجتمع، أنا سفيرة السّلام، والمساواة، ولي اهتمامات بالجندر.
-هل طردتني؟
تفاخرت عليّ، ولم أرد بشكل يحفظ كرامتي.
ما هو هذا "الجندر" الذي تتحدّث عنه؟
سأفتح على هذه الفضائية.
" نقدم لكم الأن لقاء مع المناضلة من أجل حقوق النساء، الملهمة للشّعراء، الكاتبة، والشاعرة التي كرّست حياته من أجل قضية الوطن والمرأة"
ها قد دخلت، وقبل أن تجلس عل كرسيها. التفتت إلى الجمهور وصرخت:" لا لجريمة الشّرف"
غطّيت وجهي بوسادة. أخجل أن أرى طريقتها، لكن الضّجة أعادتني، نظرت فإذ بأبي سمير يقدّم لها وردة حمراء ويعانقها، وكذلك فعل الباقون، أكّدوا أنّهم معها قلباً وقالباً. لم أر نساء بين الحضور.
تناولت حذائي، ضربت رأسي به: أين أنا؟
من هذا الجمهور؟
ومن أين جاؤوا بتلك الألقاب.
نهاية الجزء الأول
عبدالحفيظ الحسين
2020-08-07
مبدعة
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |