شجرة العائلة الفصل الخامس الجزء الأخير
خاص ألف
2015-05-30
الحياة وقفة تأمّل في أشياء لا ندرك معناها، بينما نبحث عن سرّ الحياة يباغتنا لغز الموت. نسأل: هل الموت حالة طبيعيّة، أم أنّه مرحلة من نوم طويل؟
لم أكن مقتنعة يوماً بفكرة الموت، وما كنت أخافه على الدّوام أن تموت أمي وأبي، ولا أعرف حينها كيف أعيش، وصلت إلى موتهم، ومرّ الأمر بشكل عادي، ورهبة الموت لم تكن تحلّ وقت الجنازة، الهرج، والمرج كانا يتناها إلى سمعي بينما أودّع من خفت على حياتهم.
يحضرني هذا الكلام، وأنا واقفة هنا قرب ذلك الخندق الذي يفصلني عن الأمان، أكاد أختنق. بضع خطوات وأصل إلى برّ الأمان.
الأن فقط عرفت معنى هذا التّعبير, برّ الأمان هو المكان الذي لا تستطيع الوصول إليه رغم قربه منك، لو كان لي جناحان لحاولت معرفة هذا البرّ الذي يقع هناك.
منذ أن تركت المدرسة لم أقرأ سوى بضعة سطور.
تجيد شمسة سبك الكلمات، عندما كانت تقرأ لي مقاطع مما كتبت أشعر أنها تتحدّث عنّي، في عمقها يقع زمن كامل من الهزيمة والرجاء.
أحتاج إلى خارطة، وإلى معلّم ليشرح لي أكثر عن العالم، فذهني لا يستوعب أن العالم كبير. أشعر أنّه ضيّق لا يتجاوز مساحة مدينتي التي لا أعرف أحياءها.
لم أرغب بالمغادرة. تعوّدت على الحياة هناك، صحيح أنّه لم يكن لديّ بشر أحدّثهم، حماري كان فائق الذّكاء، اعتبرته جزءاً من أحلامي التي ترافقني، وعندما فقدته، اندثرت حكايتي معه، كنت متألّقة برفقته.
أقف الآن على حافة برّ الأمان من جهة السّقوط إلى الهاوية ، ذلك السّراط المستقيم فوق ذلك الخندق الذي يوصل إلى برّ الأمان، و يسقط من فوقه الكثيرون.
لو كان لي مكان هنا آوي إليه؟
أفتقدك يا شمسة!
أرغب أن تحدّثيني عن الوطن كي أصفك بالغبيّة. إنه وطن الضّبع، وأنا وطني بعيد لم يولد بعد.
هل نقدم حياتنا فداء لضبع؟
يبدو أنّ بعضهم يحبّ تجميل الحكايات، يحرّض النّاس على الموت تحت شعارات جميلة.
لا أحبّ الفقر،و المعاناة، ولا التّضحية؟
يسمون أعمالهم العادية تضحية، فمن يقدّم لأبنائه الطّعام والشّراب، والعلم يقوم بوظيفته، ولا يضحي.
ما أضيق اليابسة!
لو استطعنا العيش في عمق البحر!
لو تمكّنا من الطّيران!
لو دفنا رأسنا في الزّمل!
السّاعة الرّابعة بعد منتصف الليل، أخشى أن أغفو.
سأصنع حفرة أنام فيها.
. . .
ما بك يا مروان؟
كنت تدّعي المرض، بكيتك مسبقاً كي أستطيع الصّمود وقت جنازتك، فإذ بك تمثّل علي، وتفتّش ما تبقى من أوراقي، وتمزّقها أيضاً. إنها لي!
-سمحت لنفسك بالحبّ، وأسمح لنفسي بالتمزيق.
-ماذا تعني؟
-ما دمت تحبين الحاج محمد لماذا تعيشين معي؟
-هل تعرف الرّجل؟
-يكفي أنّني قرأت عنه في كتب الغرام لديك.
- ستبقى تافهاً يا عزيزي. هذا الحاج هو بديل عنك. أي "دوبلير"، يؤدي الدّور الذي لا تستطيع تأديته، ألم تر أنّه حنون يعتني بي رغم وجود زوجة لديه. ابتكرت الحاج كنموذج آخر لك؟
-ماذا قلتِ؟
- قلتُ أنك أنت من يعيش معي ، عليك أن تفهم مفردات اللغة وأماكنها.
-أنت طالق. طالق. طالق.
-لا بأس. يمكنك أن تخرج بهدوء من المنزل لو أردت. لكنني متمسكة بك" كعبء" أملأ به فراغي. الذين يطلّقون أيّها الرجل هم المتزوجون. نحن مطلّقون من ليلة زفافنا
ماذا لو فعلتُ مثلما فعلت زينب؟
زينب ليست أنا. هي أقوى، لا تزيّف أهدافها مثلما أفعل، ولأنني لست قادرة على فعل شيء. أستعمل السّين وسوف كي انام قريرة العين، هي نسخة أجمل.
عندما بحثت عن الحبّ وقعت في الحلم، أصبحت أسعى لتغيير الأسماء والألوان كي تبدو أجمل، صنعت سفينة فضائية ، وضعت فيها من كلّ كائن خياليّ اثنين، رحلنا في الفضاء ريثما ينتهي الطوفان على سطح الحلم، ورجعنا بذريّة مستنسخة من الأقزام. لا شكل لها ولا مضمون، يولدون عجائز بشعور مصبوغة، وقبل أن يبلغوا عامهم الأول يختفون.
عن مادا كنت أتحدّث؟
تذكّرت!
أتحدّث عن الحبّ
نعم. نعم. تذكّرت. طلّقني مروان، ولا زلت أحلم أنّه سيتغيّر، يأتيني في المنام شاباً يتأبّط ذراعي، ونسير.
أستطيع أن أفعل كما فعلت زينب. أهيم على وجهي، لكّنني لا أستطيع. أخاف عليه من نفسه
. . .
بدأت رحلتي إلى المجهول. لم أندم. كنت مربكة فقط.
لست مضطرة لتغيير ذهني تحت ضغط الحياة.
رغم مساوئ الرحلة، لكنّ نافذة في ذهني تسمح بقبول العالم، والتصالح مع الحياة أشعر بها الآن. أذكر حواري مع شمسة:
أنا لست أنت يا شمسة. لا تفرضي أفكارك علي. سأرحل ويكون لك حضور في قلبي.
أمرّ بمرحلة انعدام الذكريات. ذهني ينظّف نفسه من العفونة ، لم يعد يعنيه مكان الوصول بقدر ما يعنيه الرحيل.
في يوم ما قبل الرحيل كانوا يصوبون جهتي، لم أكن أعرف أنّهم يرصدون حركاتي.
لن أستسلم.
يد تمسك بي برفق. لم أشعر بذلك الحنان من قبل. من أنت؟
هل سترجمني بالحجارة كما كانوا يفعلون.
تسألني من هم؟
انتظر لحظة!
صوت مطر في مكان بعيد، ورائحة الأرض تملآ المكان. تعال ترحل من هنا إلى هناك ، ومن هناك إلى هناك.
تعال نركض كالأطفال. هي فرصة لنا كي نفهم معنى الحياة.
أين أنت؟
لا أرى أحداً!
لم أتعلّم ألفاظ الحبّ، كنت أهرب منها خوفاً من التّهمة، بينما الخطيئة تهدّد أماكن السّلام فيّ. الخطيئة التي لا أعرف ماهي حتى أرتكبها.
أشبه الأغنام في معرفتي حولي، وأشبه الأحصنة في سيري إلى الأمام. لا أعرف كيف أدير رأسي إلى كلّ الجهات.
زرعت الورود في حديقتي كي يتمتّع بها الآخرون.
الغضب يحاول شقّ طريقه، والكبت يسيطر عليه، ويمنعه من العبور، لكنه قويّ بما يكفي لتحطيم كل ما داريته من الأفعال والأقوال.
أحتاج إلى كلمات تنعش ذاكرتي، أعرف أنّني موجودة قيد الحياة، أو قيد الانتظار.
أحتاج لمن يضمّني بقوة، ولا يفلت منّي.
أحتاج أن أشتري ثوباً، حليّاً.
أحتاج أن أحضر فيلماً، حفلة موسيقيّة.
أحتاج لمن يصرخ بأعلى صوته: حبيبتي.
مسجونة بين حاجاتي ، ورغباتي ، وصوت الرّيح يعصف خارج أمكنتي.
أيتها الرّيح انتظري عصفي,
دعينا نتسابق. لديّ طاقات خلقت معي أجلّت استعمالها. طاقات بدأت تعصف بي
لو تمكنت من اجتياز ذلك الصّراط. سأكون حائرة لأنّني لا أعرف إن كان برّ الأمان هو المكان الدي أنشده، أحلم ان أراه، وقد أغادره.
لو عدت أدراجي بخفيّ حنين، لا أعرف إن كان المكان القديم يستطيع أن يمتلك صبري.
لست حائرة في أمري، فالأمكنة تمرّ من أمامي ، تشدّني لها عندما أصحو من ذلك الشّجن.
ندبت بصوت أمي حكايات الوطن، وبصوت جدّتي حكايات الغربة، وبصوت أبي حكايات ساقية الماء، بقي لديّ عمر من النّدب.
روحي تنزع إلى الرّحيل، وعمري يختبئ في ظلّ المستحيل.
في الرّحيل ما قبل الأخير، سوف أخبركم.
عندما أصل إلى هناك. سوف أستعدّ لرحلة أخرى.
. .
ماهي النّهاية؟
لم أضع رجلي على البداية بعد، لا أعرف النّهايات، فلكلّ نهاية قصّة لم نكن نعلم بها.
لو ولدت اليوم، وأصبح عمري بعض يوم، وحلّت النّهاية. كأنّها لم تكن، ذهني مليء بالبدايات، ففي كلّ يوم أموت مرتين، وأبدأ عشر مرّات.
أغرّد مع الفرح في سرّي، ويلطم خدّي مترصّد حسن النّية يضمر لي الحبّ، أشعر أنّني من يضرب نفسي.
أغار من الأطفال، أخشى من تألّقهم، أخشى أن أكون قد غادرت الطّفولة!
مصابة بداء النّسيان، لم أحتفل بيوم مولدي. كنت مكتومة القيد. يمكن أن تكون ولادتي غداً.
لا أعرف إن كنت ذكراً أم أنثى، لم أتعلّم بعد مشاعر الجنس، والجنس الآخر
أحنّ إلى رحيل جديد، وقلبي معلّق بآمال تولد من جديد، وأنسى أنّ العمر ثوان لا تستحقّ العناء.
أحنّ إلى أشياء لم أرها، ولم أسمع بها علّ الدّهشة تعود إليّ، وأفتح فمي استغراباً .
تطاردني الأشباح، أركض أمامها، وعندما أنظر خلفي ولا أراها أعود لها ونبدأ السّباق من جديد.
لبست أثواب الحياة، قميصاً إثر قميص، أصبحت لا أعرف من أنا.
أسوأ الأشياء أن تمشي على خيط أرفع من السّراط وتبقى تتأرجح فلا أنت واصل إلى النّهاية، ولن تستطيع العودة.
أشعر برائحة أمي، زينب.
لو نبشت أوراقي من قبرها، كانت صديقتي، أرحل لها عندما أغادر الواقع.
يمكنني أن أعيدها.
لكنّ الوقت متأخّر.
وكيف لي أن أعرف الوقت وأنا لا أعترف به.
أبدأ الحفر عن أوراقي الآن.
ماذا أرى؟ من يقفز أمامي؟
أين أوراقي؟
ابتلعتُها، أتيت إليها، قرأتّها سطراً بعد سطر، وكلّما تعمّقت في قراءتها أشعر بذيلي يطول، كنت نملّة، بدأت أكبر، الحبر كان طعمه جيداً، التهمته بشراهة.
أوراقي أصبحت في بطن نملة، والماضي انحسر من ذهني، ولا أذكر منه سوى خيال لزينب، وصديقها سعد.
مروان!
هل لك أن تأتي للحظة؟
أين ذهب مروان؟
لم أره منذ زمن.
لا بدّ أن أعلمه عن رحيلي. أذكر كما لو أنّه قد مات.
سأعلمه من باب الاحتياط، فلو عاد ولم يعرف سبب غيابي قد يغادرني، وأنا متمسّكة بوجوده، وبنوبات الشّعر التي كانت تلهمه كي يبتكر الكلمات لشتيمتي.
لا بأس.
عزيزي إن كنت ميتاً يمكنك عند العودة أن تعرف أنني غادرت الآن.
تركت الدّار لك، أخذت معي صورة ابني.
تسأل إلى أين وجهتي؟
أراني أحثّ المسير، سكنت قليلاً وسط الليل، ثم تابعت ، ولا أعرف إين وصلت. بدأت الشمس تظهر، والنّسيم العليل يعلن عن بدء يوم جديد. سأضع يدي اليمنى جهة الشّمس كي أعرف الجّهات الأربع.
أرى نفسي أسير على طريق الأشّعة، وأرى الّذرات المتراقصة تشدّني. أسير باتّجاه ذلك الشّعاع، عليّ أن أحثّ السّير كي أصل مبكّراً، لا أعرف إلى أين أصل.
وضعت عنواناً لرحلتي اسمه الوصول.
لو أصل إلى مكان تقيم فيه زينب. هل بدأت رحلتها مثلما بدأت؟
يمكنني العودة لو شئت، مفتاح منزلي في حقيبة يدي. صنعتها قبل رحلتي بيوم من بقايا ثياب كنت أحبّ أن ألبسها، رميت الثّياب.
تخفيّت في الدّهر الذي مضى بأثواب، وأقنعة لا تمتّ لي بصلّة، أردت إرضاءهم، مشيت حافية القدمين بعد منتصف الليل أبحث عن ذاتي.
عندما ينام البشر أتعرى أمام مرآتي، وأرى أنني الأجمل، تغازلني ذاتي.
أرحل إلى النّوم، وحديثي لم ينته، وأحلم بالآتي.
لماذا أتخفى اليوم والعالم لا يعنيه من أنا، ولا أنا يعنيني العالم؟
سوف أعلن عن نفسي، فأرمي جزء من ثيابي هنا، وأمشي بنصف يستر بعض أجزائي.
أتعوّد على الحياة الأولى، قبل أن أحتاج لكلّ ذلك القماش المحاك، وأعيد الشّعر إلى جسدي كي يحميني من التّقلّبات التي أعيشها.
يمكنني العودة لو وضعت خطّة لها بأن عرفت وجهتي، لكنني لا أعرف إين أنا. أين أنا الآن؟
الشّمس ارتفعت وسط السّماء، ومعدتي خاوية، آكل بعض الخبز، وأستريح هنا قرب تلك السّاقية. عليّ أن أتّبع حافتها، لو حظيت بكأس شاي مع سكّر زيادة. يمكنني الحصول عليه. أتخيّله الأن.
على الطّرف الأخر ظلال مرعبة، وصوت فراغ مخيف. إلى أين قادتني قدماي؟
إنني خائفة.
من ماذا أخاف؟
لا شيء أخاف عليه، قد يأكلني ذئب جائع، أتألّم قليلاً، وينتهي الأمر. أصرخ بملء صوتي، فربما سمعني صيّاد قرب النّهر يحميني من نفسي.
هل من أحد هنا؟
يا سكان هذه الأرض!
ليجب أحدكم.
هل أحد هنا؟
صوت صدى، صوت عواء من بعيد. ليس عواء كلب، ولا ذئب. عواء يشبه صوتي.
أستسلم، وأضع رأسي بين يدي، أجثو كي يفترسني أحد الكائنات.
لا. لن أستسلّم.
يا سكان هذا المكان. هذه آثار خطواتي ستبقى هنا.
أصرخ وأنا أركض هاربة من أشياء لا أعرفها.
في حياتي ركضت دوماً إلى المجهول. تعلّمت على الرّكض. لم يعد قربي نهر الأن، وصلت إلى الظّلال. تحضنني، وأعانقها.
أتأمّل العالم من حفرة. أغمض عينيّ، وأتربّع على أرض الحفرة، أبتعد عن الزّمان، والمكان، ويلتصق رأسي بالسّماء، يمرّ من أمامي شريط من التّمنيات للمستقبل، أفتح عينيّ، أقهقه لثانيّة على كلمة مستقبل، وأعود لتأمّلي كي أطرد الطّاقة السّلبية من جسدي، وأدخل طاقة مفعمة بحبّ الحياة. أفتح عينيّ ثانيّة، أقهقه، من كلمة حبّ، أعود إلى الإغراق في التّأمل.
لم أضحك في حياتي سوى اليوم، ولا أستطيع كبت ضحكاتي، كأنّ أحداً ما يدغدغني. يبدو أن تلك الطّاقة السّلبيّة رحلت إلى هناك. ذلك المكان الذي أضاعني بين الظّلال.
أحتاج للحديث مع أحد، لا أحد هنا، لو استمريّت على هذه الحال لنسيت كلمات لغتي، عليّ أن أغنّي، أن أقرأ شعراً من ذاكرتي ، أن أقرأ نصّاً. يا للعجب!
جميع هذه الأشياء رحلت، لا شيء في ذاكرتي.
أضحك بأعلى صوتي الأن!
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |