الصراع المأساوي في الشرق الأوسط من خلال "أساطير رجل الثلاثاء" لصبحي موسى
خاص ألف
2015-12-19
ما الذي يدفع شاب ثريّ كأسامة بن لادن إلى التخلي عن حياة السلام و الهناء و اللهو في أوربا و أمريكا و أينما أراد ليعيش حياة الجهاد و الشقاء و الالتزام في صحارى أفغانستان و جبالها الوعرة و القاسية؟. هذا السؤال راودني كثيراً لسنوات خلت و لاسيما بعد خبر مقتله. و ربما لكنت قد تناسيته ضمن انشغالاتي الحالية بالتفكير المتوجّس من هذه الجماعات الدينية التي وصلت إلى مقربة مني، و تهدّد وجودي الشخصي طالما لا أتبنّى رؤاها عن الحكم و كيفيته. و أن تصل رواية "أساطير رجل الثلاثاء" للمبدع صبحي موسى إليَّ مؤخراً و بعد سنتين من صدورها عام 2013 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، لا يفقدها راهنيتها و ضرورة الكتابة عنها الآن ليس لأنها تجيب عن سؤالي السابق و حسب- و إن كان جوابها رائعاً بحدّ ذاته- و إنما لأنها تجيب عن أسئلة كثيرة مشابهة تحتاج إلى مصادر و مراجع كثيرة للتأكّد منها، مثل كيفية إنشاء تنظيم القاعدة و ثمّ طالبان و ما هو الدور الخفي للولايات المتحدة و الدور الأكثر وضوحاً للمملكة العربية السعودية و لاحقاً دور إيران في ذلك!. و من ثمّ كيف تمّ انقلاب القاعدة و طالبان على الولايات المتحدة و حلفائها لتعملا لصالح روسيا و الصين و إيران من خلال أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الذائعة الصيت ، وذلك رغبة من هذه الدول الثلاث الأخيرة بالثأر لنفسها من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تدمير غواصة نووية للروس و اكتشاف طائرة أمريكية تتجسس على الصين. و هذا يعني بطبيعة الحال أنّ الدول الخمس المذكورة إضافةً إلى حلفائها جميعاً قد لا تكون معنية بمحاربة الإرهاب طالما لا يتعارض مع مصالحها؟ غير أنّ عمل الدول تحاكمه القوانين و المعاهدات و الصفقات الدولية، و لا يخضع لمحاكمات و تأويلات روائية. و ربما لم يكن صبحي موسى راغباً بالتورط بهذه المحاكمة، أو إتاحتها تأويلياً، لو لم تكن سبيله الواسع لكشف الغطاء عن الوعي الجهادي و لاعقلانيته من خلال اعتماد هذا الوعي على الفكر البياني (الأسطوري) و ابتعاده عن الفهم العلمي (البرهاني) لكيفية بناء الدول و استمرارها. هذا الإيضاح للأسطوري من خلال مقارنته بالعلمي- و الذي فهمته بوضوح من خلال قراءتي لإحدى مقالات الباحث السوري فراس السواح - هو ما يمنح عنوان هذه الرواية جدواه المعرفية. ليس لأنّ الوعي الأسطوري يعتمد على اللغة و الرغبة الواهمة وحدهما، و إنما لأنّ هذا الوعي، و مهما تسلّح بأدوات حديثة، سوف يخسر و يهزم في النهاية أمام برهان الواقع و حقائقه الموضوعية. و ربما يكون هذا المستوى من الصراع الدرامي، المأساوي بطبيعة الحال، هو سر الإبداع في هذه الرواية التي تبدي سرداً متعاطفاً مع هؤلاء المجاهدين لتسرد زيف مشروعهم –بالمعنى الحضاري و التاريخي- في الوقت نفسه.
و طالما أنني قرأت مقاربات بنيوية ممتازة لتعدّد مستويات السرد في هذه الرواية من خلال أزمنتها وشخوصها و بعض التأويلات النافذة، و هي لأهميتها تحتاج إلى شروحات أكثر لتفي "أساطير رجل الثلاثاء" حقها باعتبارها روا أساسية في إبداع ما بعد الحديةاثة التحرّري - و لاسيما تحرّرها من أشكال ما بعد الحداثة الزائفة "؟" (سؤال موجه إلى المشتغلين على ما بعد الحداثة).- يمكن أن أنتقل إلى مقاربة ربما تكون ذات جدوى في فهم منطق ما بعد الحداثة القائم على السلم و المعرفة و الحوار بعيداً عن التشظّي و الحرب و الدمار. لكن للأسف هذا المنطق سيتكفّل به الروائي و ليس الراوي للأسباب الموضوعية الفائتة.
لإيضاح ما أقصده بالمنطق الحواري يمكن أن أستعيد فهمي لعمل سعد الله ونوس حول مشروعه الحواري بين الخشبة و الصالة، و اذيكر أنن ذكرت في كتابي " الوعي و بناؤه في مسرحيات سعد الله ونوس" عن إمكانية ذلك من خلال جميع النصوص الأدبية، و ربما لأول مرّة أقرأ روائياً عربياً يستطيع أن يؤكّد فكرتي حول ذلك. ما أودّ قوله إنّ السرد العاطفي أو المنحاز للراوي إنما يسوغّه الثيموس التمردّي المناصر للعدل لدى عائلة أسامة بن لادن من جهة أبيه لولا أنّ الروائي يخضع هذا السرد لحوار موضوعي مع السرد البراغماتي لأقرباء العائلة و أصدقائها من جهة أمّه ، لكن تبنّي كلا السردين للسرد الديني الإسلامي حول الحكم أعاق تطوّر الحوار و أفشل إمكانياته المتعدّدة للتغيير و الإصلاح في المجتمعات العربية. لتنتقل الرواية إلى مستوى آخر من الحوار يقوم بين الرواية (الخشبة) و القارئ (الصالة) بهذا المعنى تطرح الرواية عدّة أسئلة على قارئها يكتشف من خلالها أنّ الحكام المسلمين لم يخضعوا لضرورة الإسلام إلا لأنه ضرورة للملك، و كان كلما برز الفراق لديهم بين الإسلام و الملك كانت الأولية دائماً لصالح الملك على حساب الإسلام و المسلمين. و هذا لم يمنع من اتساع جغرافيا الدولة الإسلامية و انتشار الإسلام، بل ربما كانت أولية الملك على الإسلام التي أخذ بها الملوك العرب منذ الدولة الأموية هي من وراء توسع الملك و الإسلام معاً. لكنّ القاعدة و طالبان لم يستوعبا هذا الفهم القديم للحكام المسلمين - و قد سرده الراوي و شخصياته مراراً!؟- بل أرادتا أن يكون الجهاد مطلقاً و مستمراً إلى ما نهاية حتى أثناء سيطرتهما على كابول و معظم المدن الأفغانية الكبرى. هذا الجهل المطلق بمنطق التاريخ و كيفية تحولاته -على الأقل من خلال ابن خلدون – هو ما جعل الإسلام السياسي خاضعاً لأمزجة الدول الكبرى و مصالحها. ليس لأنّ حماية الإسلام و التبشير به غير ممكنة إلا من خلال المسلمين و قوتهم الحضارية في كافة مجالات الحياة – الشيء الذي اشتغلت عليه المسيحية من خلال الاستعمار الأوربي و الذي تشتغل عليه اليهودية من خلال إسرائيل- و إنما لأنّ الوعي الإسلامي غير حامل لمفهوم الدولة الحديثة، و هذا المفهوم لا يحتمل التأويل فيه اقتتالاً بقدر ما يدقع للحوار و ابتكار المعرفة المتجدّدة. بمعنى إنّ الملك المتضمّن للإسلام قد يحتاج من أجل إدارته إلى أدوات ليس من الضروري أن تكون إسلامية، وهذه الأدوات قد لا تكون سوى أنظمة و أسلحة الكترونية و تكنولوجية بفهم الجهاد الإسلامي الأصولي، و لكن بفهم العقل الإسلامي الجديد قد لا تكون سوى أنظمة سياسية، مدنية، و ديمقراطية و ما الذي يمنع أن تكون علمانية طالما أنها تضمن حرية الفكر و الاعتقاد و الطقوس لكافة مواطنيها و على قدر المساواة؟ و هذا لا يجمع المسلمين بكافة طوائفهم ومذاهبهم والمسحيين و الملحدين على العدل و القانون، و إنما قد يعيد للجهاد مفهومه الأساسي أو الأكبر و أقصد به جهاد العلم و المعرفة. لولا أنّ سؤال أسامة بن لادن برواية صبحي موسى "هل نحن مازلنا أحياء، أم أنني أهذي في يوم الحساب؟". يبدو حتى الآن أكثر واقعية لسؤال الوعي العربي السائد بانتظار جهاده المعرفي لنتمكن من محاورته!.
08-أيار-2021
06-كانون الثاني-2016 | |
الصراع المأساوي في الشرق الأوسط من خلال "أساطير رجل الثلاثاء" لصبحي موسى |
19-كانون الأول-2015 |
16-كانون الأول-2015 | |
08-كانون الأول-2015 | |
30-تشرين الثاني-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |