حين تفتح المدينة بابها المغلق
مها دعاس
2020-01-11
خيام كثيرة تبيت وتستيقظ في العراء
تلوح من بعيد لمداخن المدافىء وأصوات البيوت المضاءة
تجثو بانتظام على أطراف المدن المشرعة أبوابها للهاربين
البرد ،لغة الوقت وصياغة الساعات
في كل الأمكنة كناية التوحش في شوارعها المصابة بحمى العاصفة و استعارة الريح
ثمة مدينة لها باب وحيد للسكينة ، يطل منه الضوء ليخبر الكون بقدوم الفجر
تومىء للشمس لتشرق ، فتتلون خدود الدروب بالدفء
هناك سوف تكتظ الطرقات بضجيج الزنابق وصوت الخزامى وخجل عباد الشمس
ستنبت على كل شفة وردة حمراء تبتسم بلا سبب
ستمتلىء جيوب النهار بلهفة ناعمة تضيء في عيون الموجوعين
سنستيقظ مبكرين لنأخذ حصتنا من أرغفة الأمهات و قهوة الجيران ،من فرحة الشبابيك المفتوحة والشرفات
من الطرقات المرصوفة بخطانا
من عودة الأولاد من مدارسهم بدون خوف
من خربشات على الجدران تتعافى بطمأنينة
سنخبىء همومنا الصغيرة خلف ضحكات الفناجين وقهقهة الكؤوس المرفوعة عاليا بصحة السلام
بين رائحة الليمون وماء الزهر
بين حفنة حنطة وكمشة حبات الهال
همومنا العادية ،العادية جدا مثل كل البشر العاديين
لانخاف من رنة الهاتف ولا ممن يطرق الباب
بشر عاديون يحتفون بالولادة و يودعون موتاهم كما يليق بهم من بردى إلى الفرات
لا مواعيد أخرى للهروب
نحن البسطاء لا شأن لنا بما يحيكون لنا من قمصان ملطخة بدمائنا ،ارتديناها دون أن نقصد في طريقنا للبحث عن نجاة
دون أن تنوي قلوبنا نية الموت ،نحن من حلت علينا لعنة الأقوياء
سوف نبكي كثيرا عند قبور من رحلوا لننجو
سنزرع وردة بأسمائهم و ستنجب الكثير من براعم الذكريات
ستمتلىء المدارس والشوارع بأسمائهم
مدرسة باسم غياث مطر و شارع باسم مي سكاف
ستلد النساء ألف ساروت يغني للحرية
من دمشق إلى عفرين
سنختلف تحت سماء واحدة اختلاف من يحب القهوة ومن يحب الشاي، من يحب الفل ومن يحب الجوري
سنتراشق بالضحك و النكات
فقط هناك ،فقط هناك
سنكون نحن كما يجب أن نكون
عندما تفتح المدينة بابها المغلق للحياة ..