في صحبة الشيطان
2008-01-09
أحاسيس غريبة تنتابني ومشاعر غضب تزخر في صدري .. تخنقني ولا أقوى على ردها ، أو حتى التسليم بها .. كلما حاولت دفع الأمور إلى الأمام ، تدحرجت بسرعة غريبة إلى الوراء وكأن الدنيا تعاندني .. تخاصمني .. تهزأ بي .
حيرة تقتلني .. أأنا فاشل ؟ ، أم أن اللعبة أعقد مما أظن ؟ ، لا أدري .
لعل هذا سبب نقمتي على واقع أصبحت أشعر فيه بالعزلة.. بالغربة وأحيانا بعدم الانتماء.. لا أدري ، غير أن شيئا واحدا بات مؤكدا لي ، إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ، و هذه أيضا ما استسغتها أبدا.
عدت خائر القوى .. منهك الجسد وقد أعياني اللف على الدوائر والمؤسسات ، طقوس أمارسها منذ عام وكلما لمع بصيص أمل جاء الطوق الملعون ليحيله سرابا وسط هجمة شرسة من جيوش العاطلين ،وأنا لعنة حلت بي .. نحس يطاردني ، أينما حللت فالأبواب موصدة أمامي ،عدا واحد بعينه، حين اقتربت منه تراجعت كل الأفكار أمام هاجس راح يعبث بي .. يستفزني ولا يكف عن
إذلالي ، فلا أجد مخرجا وقد نفذ ما في جعبتي من أعذار وما عاد كيس الطحين يحتمل مزيدا من الوعود .
تابعت بخطى متعثرة وأنا أحسب للقائها ألف حساب ولا أدري كيف أحجمت هذه المرة عن تحقيقها المعتاد ، لعل الفضل في ذلك يرجع إلى كومة الملابس المصلبة في الوعاء أمامها .
سألتني بصوت منهك إن كنت أرغب في تناول الطعام ، فأجبت بالنفي وعرجت على غرفتي من دون تريث ، خشية أن تعيد السؤال مرة أخرى ، ثم ننجر لحديث قد لا تحمد عقباته ، لكنها ما فعلت .
استلقيت على سريري ، لعلي أنعم بقسط من الراحة، أو غفوة تريحني من دوي الطبول في رأسي ولكن من دون جدوى ، رحت أعبث بالكتب المبعثرة على المكتب المجاور ، محاولا صب تفكيري في شيء ما ، يخرجني من دائرة الضياع التي تحاصرني ،فوقعت عيني على كتاب يحمل عنوانا غريبا _ مملكة الشيطان – رحت أقلب أوراقه ، فتشدني بعض السطور .
فجأة تضاعف وزن الكتاب بشكل عجيب ، حتى عجزت يداي عن إمساكه ، فسقط على الأرض ودار حول نفسه دورات عدة ، محدثا جلبة غريبة ، ثم انبعث منه خيط دخان رفيع ، راح يعلو حتى ارتطم بسقف الغرفة، وأخذ يتشكل بأشكال غريبة .. مخيفة أفزعتني وجمدت الدماء في عروقي .
للحظة كدت أفقد ما تبقي لي من بقايا عقل وأنا أرى المقاعد تسبح في فضاء الغرفة وأحيانا تكاد ترتطم بي .
صرخة تجمدت في حلقي ، فقررت الفرار ، لكن أطرافي خانتني وأصبحت بلا حول ولا قوة ، أراقب ما يجري بصمت .
لحظات كأنها الدهر ، ثم هدأت الجلبة وبدأ الدخان ينحسر شيئا فشيئا عائدا من حيث أتى وقبل أن يغيب داخل الكتاب أومأ لي بإشارة مريبة كأنه يحثني على اتباعه ، فتملكني الرعب من جديد وقبل أن أفيق من دهشتي ، شعرت بقوة خارقة تدفعني إلى عالم غريب ، دهاليز ضيقة .. عفنة تغشاها ظلمة إلا من بعض أضواء خافته ، تنبعث من قاعات متناثرة على جوانب الدهاليز ، أثارت بداخلي فزعا لا حدود له،وذلك جراء الاستغاثات والصراخ المنبعث منها ، إلا أن السرعة الهائلة التي كنا نقطع بها المكان، منعتني من معرفة ما يدور هناك .
فجأة وقفنا على واحة واسعة لا تكاد تبصر لها حدود ، كأنها جنة الله في أرضه ، خضرة .. أنهار .. غلمان يدورون بالكؤوس وقصر يتوسط المكان .
شعرت بالأمان .. هدأت أنفاسي وتمنيت لو تركني مرافقي وانصرف إلى حيث يشاء ، غير أن فرحتي لم تدم وعاد الشك يراودني ، خصوصا حين وقع بصري على لوحة معلقة على باب القصر الذي أقف أمامه ، مكتوب عليها –مملكة الشيطان - .
كدت أصعق إثر صوت كأنه الرعد يسأل من بالباب ، عندها نطق مرافقي الذي أراه للمرة الأولى : إنسان حاصرته الدنيا يا مولاي .، فعاد الصوت يقصف من جديد : أي أحمق أنت ! .. ألم تعلم بأن باب القبول مغلق ؟ . ، فرد مرافقي موضحا الأسباب : لقد أشفقت على حاله يا مولاي ولمست فيه عفة أحوجته ولا أراه يشترط أو يبدي اعتراضا .
عندها تكلمت بجرأة لا أعرف مصدرها : إلا الكفر أو الشرك بالله . ، فدوت ضحكة اهتز لها المكان وبسخرية لاذعة أجابني : أيها الأحمق الصغير ، هذه أشياء كنا نشترطها في عصور كعصر أبي جهل وما عادت تصلح لزماننا ، هيا .. هيا ادخل أيها المتخلف الصغير .
يا إلهي ! ..ما هذا! .
باحة ذات اتساع عجيب ، مقسمة إلى قاعات تمثل عصورا متعددة وعهودا مختلفة عرجت على بعضها ، شاهدت زوجة لوط تراقب قومها وهم يمارسون طقوسهم الشاذة برضى واستحسان .
انتابها الذعر حين رأتني ، هبت عن كرسيها فزعة وصاحت بهم ، أشارت نحوي ، تنبهوا للأمر تهامسوا ، ثم هرولوا باتجاهي .
في البداية لم أفهم قصدهم ولكن حين اقتربوا وعلا صراخهم ، اتضحت الصورة وبان القصد في العيون ، هرولت مرعوبا ، نظرت خلفي ، فإذا بالسور يصدهم ، شعرت بالأمان ، فوقفت ألتقط أنفاسي ، نظرت حولي وإذ بي أمام قاعة أخرى ، رأيت رجلا منكبا على شيء يصنعه وحين دققت النظر ، تأكدت أنه السامري ، تحيط به ثلة من قومه ، جردت سيوفها لتقارع ثلة أخرى تعد لمهاجمتها، فغشت المكان ظلمة ولم أعد أرى شيئا ، لكن صليل السيوف لم ينقطع ، بل ازداد عنفا حتى صم الأذان . خيم الصمت وانقشعت الظلمة ، لتكشف عن شلال من الدماء وجثث راحت تأخذ مواقعها من جديد وكأن شيئا لم يكن ، تكرر المشهد ، فلم أعد قادرا على تحمل ذلك ، شعرت بالغثيان ، تركت المكان لأجد نفسي أمام باحة تتوسطها بركة خمر، اصطف حولها رجال ونساء ، عراة كما ولدتهم أمهاتهم ، يتواقعون دون حشمة أو حياء، إلا أن رجلا من بينهم شدني سلوكه الغريب ، كان كلما فرغ من واحدة ، ينكب على وجهه ويلعق ما شاء من الخمر ، ثم يقفز كثور هائج .. يطارد النسوة ، فيعلو الصراخ والضجيج حتى يظفر بواحدة يواقعها بقسوة ثم يتركها وينطلق خلف أخرى.
لمحني أراقبه باشمئزاز فجن جنونه ، قفز نحوي ككلب مسعور ، لكني كنت أدرك بأنه لن يصلني ، فعمدت إلى استفزازه حتى خارت قواه وتحول هياجه إلى نواح ضعيف ، عندها تركت المكان تغمرني نشوة عجيبة ، لكن الأمر انقلب إلى الضد حين وقفت بي خطاي أمام قاعة جديدة ، صعقت من هول ما أرى ، شيخي الذي تتلمذت على يديه .. جاري الذي سجنت معه .. وجوه أعرفها وأخرى لا أعرفها .. تساءلت : ماذا يفعلون هنا ؟ ومن تكون هذه النسوة اللواتي يزخر بهن المكان ، ثم ما هذه الطقوس التي يؤدونها ؟ . ، أسئلة كثيرة عصفت بي من كل جانب ولم أجد لها إجابة شافية .
أخفيت وجهي لكي لا يراني أحد ، وإذ بالصوت ينادي مرة أخرى : يا هذا خذ ما يعينك على دنياك من دون فذلكة أو نقاش وإلا سلطت عليك الفضيلة تنهش فيك فلا تبقي منك ولا تذر .
وقبل أن أستوعب النداء، كانت زوجتي تهزني بعنف وقد أصابها الهلع .
08-أيار-2021
12-أيار-2009 | |
23-كانون الأول-2008 | |
09-تموز-2008 | |
15-حزيران-2008 | |
07-حزيران-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |