Alef Logo
ابداعات
              

الحاج عمران

محمد نصار

2008-12-23


لم يكن عمي الحاج عمران رحمه الله زعيم القرية وكبير سادتها فقط ، بل كان قاضيها ومفتيها الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يهاب في الوغى صولة صائل، إذ ظل طوال عمره المديد، سيفها المشرع في وجه العدا وسدها المنيع أمام الفتن والدسائس التي تحاك من حولها .
كان زينة الرجال وهوى النساء، موت العدا وغيظ الخصوم،سوي الطبع، نقي السريرة، يبكي لدموع طفل ويزأر لنصرة مظلوم، إذ لم تزل أمي تذكر له بكثير من الحب العرفان، كيف انقذها من براثن أبيها الذي أرادها زوجة لعجوز بلغ من العمر عتيا، طمعا في ابنته التي تصغرها ببضع سنين، وما انفكت تحدثني بين حين وآخر كيف استدعاه يومها إلى الديوان وأسمعه ما لم يرق لخاطره من القول، فعاد من عنده يرعد ويزبد في وجه أمها، التي وشت به و أفسدت عليه زيجته، دون أن يجرؤ على الاقتراب منها، أو المساس بها، فزعم يومها المرجفون في القرية، بأنه عطل شرع الله في أرضه واعتدى على حدوده التي لايجرؤ على الاقتراب منها إلا كل جبارعنيد، فلم يقم لزعمهم وزنا ولا لقولهم شأنا، بل دعاهم إلى وليمة أعدها احتفالا بقدوم حفيده الأول وإمعانا في إحراجهم والنيل منهم، مال على كبيرهم وسأله بشيء من الخبث، إن كان طعامهم حلالا، أم يشوبه شيء من الحرام وقد تبين له متأخرا، بأن الكبش الذي بات جله في كروشهم، مسروق من الكوبنية المجاورة، فلم يرفع الرجل رأسه عن الوعاء وقال بفم بالكاد ينطق من كثرة ما حشاه : يدخل في باب الغنائم.
ولم تزل بيوت الكوبنية المجاورة، بما ارتسم على جدرانها من دماء وآثار رصاص، تشهد بالواقعة التي حدثت بينه وبين اليهود، إثر تحرش بعض فتيانهم، بامرأة كانت ترعى في الجوار، يومها قال المرجفون أيضا، بأنه قتل الرجال عمدا وأباح الدماء هذرا وأن العين لا تلاطم المخرز، ثم أفتوا بأن ما حدث لم يكن سوى إلقاء للنفس في التهلكة، بل أكدوا بأنه الانتحار بعينه،علما بأنه لم يقتل في الواقعة سوى شخص واحد، هو ابن أخته وأصيب ثلاثة آخرون، أحدهم أخيه وإثنان من أبناء عمومته، أما على الطرف المقابل، فلم تزل ذكرى الموتى معششة في الأذهان وماثلة على الجدران يراها القاصي والداني في كل حين.
يومها جاء المرجفون أيضا وطالبوا بنصيبهم من الغنائم، فما كان من عمي إلا أن ألقمهم بعضها طمعا في إخراسهم، فابتلعوها على عجل وأوغلوا فيه طعنا، تارة ينكرون عطاياه وأخرى ينكرون عدله.
وحين لم يروا أثرا لكل ذلك ،راحوا يشيعون في القرية، بأنه يتسلل ليلا إلى الكوبنية المجاورة يرتع في خمارتها ويشبع فيها نزواته وغرائزه التى لا ترتوي أبد، مسلطين الضوء في كل مرة على اليهودية التي تديرها و مذكرين دوما بأنها امرأة لعوب، تتمع بجمال باهر وجسد يسيل اللعاب لرؤيته، إضافة إلى ما تمتلك من حبائل الفجور والغواية التي لا يقدرعلى صدها أحد، ثم يعود قبل الفجر بقليل وقد ارتكب ما ارتكب من الآثام والفواحش، ليأم الناس ويقنت بهم.
وادعوا أيضا بأن شراكة خفية، تجمع بينه وبين الخواجا يعقوب، رغم العداء المدعى بينهما، بل أقسم بعضهم بأن قرابة ما تربط بينهما.
ومع ذلك ظل الحاج عمران رحمه الله شوكة في حلوقهم ، يسمع تفاهاتهم ويعرض عنها.. يداري سفيههم وينأى عن حقيرهم ، ظل كبيرا مترفعا عن كل سخافة تبدرعنهم، حتى في أشد اللحظات ظلمة وسوادا ظل مهيب الجانب مرفوع الهامة.
إلى أن واتته المنية في ليلة مباركة، فضج المرجفون وهرعوا إلى جحورهم يدعون الله ويرجونه بألا يميته فيها، استكثروا عليه الموت في ليلة مباركة، حسدا من أنفسهم وبغضا، فكانت ليلة مشهودة، غاب فيها القمر وتوارت في سمائها النجوم، ثم أطل صبح حزين، بكى فيه الرجال ولطمت النساء خدودها.. أجهش فيه الشيوخ وانطوى الأطفال على أحزانهم .. حتى أغصان الشجر سقطت أوراقها وذبلت أزهارها، ثم أذن مؤذن في الناس لم يعرف من هو،أو الجهة التي أتى من قبلها وقال بنبرة تحمل الكثير من الوعيد: لابشرى لكم بعد اليوم، فلن يهدأ لكم بال ولن يستقر لكم حال.، تردد الصدى كالرعد يقصف الآذان ،ثم غاب .. ففزع الناس وماجوا.. بحثوا عن صاحب الصوت ، فلم يجدوا له أثرا بينهم وحين أعياهم البحث، زعم المرجفون بأن ما سمعوا لم يكن سوى صوت شيطان أو ضرب من الهذيان، أصاب ذوي النفوس الضعيفة، وأن آتي الأيام أفضل من سالفها، فكذبوا وصدق صاحب الصوت وما كان في زعمهم وهما أو مسا أصاب البعض، أصبح حقيقة يتردد صداها في كل حين.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

لسع النار والمطر

12-أيار-2009

الحاج عمران

23-كانون الأول-2008

رسائل حب / الرسالة السابعة

09-تموز-2008

رسائل رجل محترم جدا/ الرسالة الخامسة

15-حزيران-2008

رسائل رجل محترم جدا / 4

07-حزيران-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow