بائعة التوت
2008-01-30
الليل عباءة خلفها عري ونشوة .. آلام وآهات .. ضحكات تخترق الصمت وأنفاس محمومة لعيون شبقة ، تأتي من ذلك البيت القابع في الركن من الشارع.
ثلثه الأخير يتهاوى تحت وطأة الفجر الزاحف وسيجارتي لم تنطفئ بعد .. صياح ديك يأتي من مكان بعيد ، يخترق الصمت ، فيوقظ ديوك جارتنا وبعض العصافير على الأشجار المحيطة بالبيت ، سمفونية انطلقت تعزف من حولي ، تصاحبها الأنفاس المرصوصة في الغرفة بجواري .
جعلتني أبتسم رغما عني عندما خرجت عن الجوقة التي تعزف وأخذت تلوك فمها محدثة إيقاعات مغايرة ، رغم جفنيها المغمضين وخصلات شعرها الشقراء المتهدلة فوق جبينها الناصع ، ناهيك عن قطعة خبز لازالت تطبق عليها بحرص شديد .
إنها أصغرهم جميعا وأحبهم إلي ، ربيعان لم يكتملا بعد ، لكنها لا تقر بذلك وتحديدا معي .
مرة أخرى ارتبكت الجوقة وراح كل يشدو على هواه ، خصوصا حين انشق الذي يكبرها بعامين عن البقية و بدأ يكيل الشتائم لأبن الجيران ، هوش بيده في كل اتجاه ، فحطت صفعة على وجه الذي يكبره ، فأطلق الأخير لبوقه العنان ، مهددا بإيقاظ من في الغرفة لولا تداركي للأمر في اللحظة الأخيرة .
حركة في الشارع أثارتني ، فنظرت عبر النافذة وإذ بحمار يفتش عن رزقه في الحاويات المتناثرة على جانبي الطريق ، وكلاب الجيران تمنعه من ذلك .
تململت في فراشها ، فحاولت أن اندس في فراشي قبل أن تضبطني متلبسا بالأرق ، لكنها فاجأـني بالسؤال : أما زلت يقظا ؟. ,فآثرت الصمت .
نظرت إلى ساعتها وألقت الغطاء جانبا قاصدة المطبخ ، حيث تبدأ محطتها الأولى من هناك .
خلية نحل انتشرت، هذا يبحث عن حذائه وذاك يفتش عن حقيبته وتلك تطالب بتسريح شعرها والأم تستحثهم على الإسراع ، بينما الشقراء تدور بعينيها في الغرفة ، فتجد ابتسامتي في انتظارها ، تنسل من فراشها وتندس بجواري ، يتبعها الذي يكبرها بتردد ، تصده عني ، فيوشك أن يحتدم الصراع بينهما ، لولا تدخلي الذي أثمر هدنة قصيرة .
يصل إلى الأذان صوت بائعة التوت من طرف الشارع ، يحمله نسيم الصبح ، فتشير الصغيرة بإصبعها نحو الشارع وكأنها تنبهني لما هو آت ، تغاضيت عنها بتعمد، فقالت بصريح العبارة : أبا توت .
خرجت لملاقاة العجوز وبيدي طبق وبعض النقود ، إلا أني صدمت حين رفضت النقود وطالبت بالخبز – طبق برغيف – ، لم أصدق ما أسمع لكنها أعادت قولها مرة أخرى –طبق برغيف - .
وضعت الطبق أمام الطفلين ، فاستقبلاه بفرح باد وصعدت السلالم إلى السطح أطارد نسيم الصبح لعله ينعشني ، فهالني ما رأيت ، فركت عيني ، لكن الأمر لم يختلف ، ذهبت البيوت الجميلة وحلت محلها بيوت طينية موزعة على مسافات متباعدة , على أسطحها أكوام الحطب و تتقافز فوقها الطيور، بينما تعج ساحاتها بالماعز والحمير التي يحجبها الدخان المنبعث من أفران
الطابون ،حاملا معه رائحة الخبز الزكية ومن بعيد شيخ يمسك بمحراث يجره بغل .
دوار لفني .. عرق أجهدني وقشعريرة غزت أطرافي ، فقررت العودة إلى حيث كنت ، قابلتني على السلالم بقهوة الصباح وابتسامة مرسومة على محياها الجميل ، إلا أنها اختفت حين لاحظت ما اعتراني ، فسألتني عن السبب ، آثرت عدم الرد لكي ترى بنفسها ما رأيت ، غير أنها عاتبتني بلطفها المعهود وقالت : أنت بحاجة إلى النوم .
08-أيار-2021
12-أيار-2009 | |
23-كانون الأول-2008 | |
09-تموز-2008 | |
15-حزيران-2008 | |
07-حزيران-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |