في مجموعتها ( مني تغار نون النسوة ) مديحة المرهش شاعرة وقاصة
2008-03-15
لا أدري لماذا اعتبر الناشر ( دار كنعان ) في كلمته على غلاف مجموعة الشاعرة مديحة المرهش ( مني تغار نون النسوة ) أن رغبة ما تجتاحك للتوقف عن القراءة ـ قراءة هذه المجموعة ، لكن القصيدة تسلمك إلى أخرى ، فتشعر بالخدعة الجميلة الممتعة. فأنا لم أحس أنني خدعت ، ولم تنتابني أي رغبة بالتوقف ، لأنني أولاً لم أكن أعرف عن هذا الإسم شيئاً إلا ماقدمته زوجة أحد أصدقائي عند إطلاعي على المجموعة ، وثانياً لأنني أحسست أنها ستقول شيئاً مهماً في صفحاتها المتتالية خاصة أنني من المولعين بالبساطة والولوج إلى أعماق الإنسان لأكتشف داخله أكثر .
ومديحة التي كان قد صدر لها عمل سابق بعنوان ( طعم البنفسج الذي كان ) امتلكت بطاقة عبورمهمة من خلال عنوان مجموعتها الجديدة ( مني تغار نون النسوة ) وربما بجرس العنوان الذي يؤكد شاعريتها . فأنا من المولعين أيضاً بالموسيقا في الشعر ظاهرها وباطنها ، وهي وإن كانت قد اختارت الباطن ، فقد أكدت عبوراً آخر امتلك الخصوصية والتفرد .
غلاف لفنان يمتلك الناصية ، حشد فيه وجوهاً وأصابع وألواناً فاقعة وظلالاً سوداء .. جسد وشفاه و ربما أراد ( سعد يكن ) أن يختصر عالم المجموعة بلوحته ، هاجس الشاعرة الذي تستطيع أن تلاحقه عبر قصائدها المتتالية ..
الإهداء تركته مفتوحاً .. نقاط .. فراغات .. ربما أرادته للناس كل الناس .. لكل العشاق .. أو لنون النسوة التي تغار منها وهي تعلن بدءاً من قصيدتها الأولى في اختزال جميل ( شعري لحظة ثائرة من غفلتي بك ) ثم تخاطب العاشق بإحساس جميل مطرز بدفء غير مسبوق ( ونسيم عينيك يدخلني دافئاً كطفل وليد ) ولعل هذا الدفء يطبعها بطابع عبارتها في المجموعة .
وينفذ صبرها منذ قصائدها الأولى ، لأنها ملت وضع إشارات الإستفهام والتعجب في آخر القصائد .. لكن نفاذ الصبر لايتعداها إلينا ، فقد ازدادت رغبتي في أن أعرف عن عالم قصائدها المزيد ، عالم المبني للمجهول لديها :
أشرح الأدوات الدالة على النكرة
وأمحوها على عجل ، وأركز على المعرفة ،
ولكني أبقي قصائدي مبنية للمجهول
وتدخل عالم الجسد في تساؤل غريب ، أو لعلها تحكي قصة حياة امرأة
( مهزومة من القهر ، مزينة بألف طعنة وألف لعنة ) .
والشاعرة على مايبدو مولعة بالقص ، أو لنقل الإختزال في القص ، أي مايسمى الآن
بالقصة القصيرة جداً ، دون أن تخلو قصصها هذه من شاعرية مفضوحة أكدتها في
رسومات – قبلة – امرأة – هواجس – سرقة – بعد وبعد – لم أعد أراك
وهي عندما تلخص حكاية عشقها تعلن :
من ذا الذي يشبهك
وأنت قمر تهاوى من السماء
واستقر هلالين على صفحة الحلم ؟
وتعتبره في موضع آخر شكلاً من أشكال الجنون :
لست أوسم الرجال
أنا لست أجمل النساء
ولكننا حين نلتقي يكون لحبنا رائحة الصنوبر
ولعشقنا طعم الجنون
وتؤكد أن العشيق جعلها ملكة تغار منها بنات جنسها :
أصير ملكة النحل … لا أشبهني
حين يفيض بي عسلك يكللني
مني تغار النسوة
لما اقترفته بحقي
وجعلي ملكة ،
وعشيرتي من فيض عسلك .. لاتعرفني
ولكنها تعود لتسمي ذلك اقترافاً ، والإقتراف لايكون إلاللذنب ، والعشيرة التي هي من فيض عسله لاتعرفها أيضاً ، إنها إشكالية تطرحها الشاعرة في قصيدة أعطت عنوانها للمجموعة ، إذ كيف تغار النسوة من امرأة ، الملكة كانت ذنباً والعشيرة تتجاهلها ..؟في ( ضمير الغائب ) تألقت وتكاثفت اللقطة الشاعرة لديها ، لتؤكد الموهبة التي
بددتها في بعض المواضع ، إلا أنها هنا كانت دالة مهمة :
قصصت جفون الليل
مّرغت عينيه بالوحل
كيلا يشهد ضدي
فقد رآني أسقطك عمداً
بضمير الغائب المنسي
ولعلها كذلك في ( لم أعد أراك ) إذ أنها تألقت وهي تعلن في قص شاعري مختزل
أيضاً :
لأنني لم أعد أراك في الحلم
لونت أحلامي بكل الألوان
وغطيت روحي بالشفاف منها
وربما فعلت الشيء نفسه في ( دفعة واحدة ) :
سقط الأصدقاء من جيبي
دفعة واحدة
مااستغربت
ونستطيع أن نتلمس لقطة الحكمة الشاعرة عند العشيقة السمراء داكنة البشرة ( إن غزير المطر لا يهطل إلا من داكن السحب ) كما نتلمسها أيضاً في ( علمونا ألا ننحني لعاتي الريح ولكننا بتنا لأية نسمة هواء ننحني ( .
وتحت يافطة عناوينها المتلاحقة التي تدل على ضيق نفس الشاعرة ، نستطيع أن نظفر بذاك الذي سطع عندها ولم يكمل سطوعه ، تكثيف شعري جميل ، جمل شعرية نقية صافية ( يتشظى بك الوقت – أفعمت بالأفق – أتدثر بغطاء حلمي – مزدانة بغطاء قنديلي … )
وللألم عند الشاعرة مواضع ، يبين فيها دون مواربة :
أنا وعزلتي توأمان متطابقان
ومساحة ضيقة لمعبد لايعج إلا بنا
وفي تساؤلها ( عبء ) شكل من أشكال الخلاص من العبء – عبء الجسد :
أتراه جسدي الذي رافقني طوال عمري
صار عبئاً علي
أم أنا التي صرت عبئاً على جسدي
أما في ( عروس بحر ) فهي تؤكد وهي ( متدثرة بغطاء حلمها ) أن ذاك الذي (سيغزو شطآن غربتها قمراً ومارداً ) ولكن الأهم من كل هذا أنه سيأتيه
( محرراً من جرار الأسر ) .
ولكن هل يبقى الحلم حلماً ..؟ وهل كانت الغيرة – غيرة النساء في غير موضعها ..؟وقد كانت الشاعرة – القاصة ( مديحة المرهش ) مختلفة فعلاً وإن أيقنت في نهاية الأمر أنها صارت مثل كل النساء ، عندما
أعلنت :
حين أحببتني صرت مختلفة
وحين نفذ منك الحب بت مختلفة
وحين ذات مساء قدمت لي باقة ورد
وعقداً من ألماس
أيقنت وقتها أنني صرت مثل كل النساء
وكان نداؤها وطلبها مميزاً عندما طلبت منه :
خبئ دموعك
ولاتسرف مشاعرك الدفينة ببذخ
فكل شيء في بلادنا صالح للحزن
ويمكن اعتبار ( الغناء في البعد ) و ( الأصفر الفاقع )
و ( أهربك ) قصائد عشق مختمرة لديها . كما يعتبر طلبها في
( وميض ) أيضاً تميزاً شاعرياً ذا نكهة خاصة .
ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل في النهاية هل قدمت مديحة المرهش عملاً شعرياً
ناضجاً متكاملاً في ( مني تغار نون النسوة ) ..؟
سؤال لانملك إجابة مباشرة صريحة عليه ، بل نملك شتات أجوبة ولكي نحكم على تجربة
الشاعرة ، كان علينا الإطلاع على مجموعتها الأولى ( طعم البنفسج الذي كان فلربما كان للبنفسج طعم آخر مختلف )
ولعلنا ونحن نقدم رأياً انطباعياً غير مختص في مجموعتها هذه ، نستطيع أن نجزم أن ذاكرتنا ستحتفظ بأشياء قدمتها الشاعرة وتميزت بها ، وستلفظ أشياء أخرى لم ترق فيها إلى مستوى اللقطة الشعرية التي أرادتها منهجاً.
أنا أقر أن انسياب العبارة وبساطتها ، كانا عاملين مهمين في الإستجابة لنداءات عديدة في مقاطعها المتلاحقة ، سيما أنني نفرت في البداية من هروب واضح من الشعر ، ولكن متابعتي دفعتني للتوقف ثم الوقوف عند مقاطع مهمة .
شيء آخر أشرت إليه وأحب أن أؤكده وأسحبه إلى عنوان هذه الإنطباعات ، وهو أن القص شكل عاملاً إيجابياً في نصوصها . فلو عنونت مديحة الكثير من المقاطع تحت اسم قصة قصيرة جداً ( ق ق ج ) لصفق لها مهتمون ، خاصة أن هذا الجنس الأدبي لم ترسُ قواعده على بر حتى الآن ، ولم ينل من الدراسة والإهتمام مايستحق ، وربما أطلق المصطلح على نصوص أخرى لاتنتمي إليه .
مديحة المرهش .. امتلكتِ الموهبة والأداة .. لم تتكامل الشاعرية في كل مقاطعكِ ، وكانت مقاطعكِ الأخرى ذات وقع أستطيع أن أجزم بالتميز فيه ، ولعلها بداية طريق يعرش الورد في
جنباته ، ويصل بكِ إلى مواقع للحب والخير والجمال والتألق الدائم …
08-أيار-2021
12-تشرين الثاني-2010 | |
قصائد مديحة المرهش تضج بالحكمة المريحة قراءة في مجموعة ( أنا المولودة في برج القوس ) |
01-حزيران-2010 |
07-شباط-2010 | |
28-كانون الأول-2009 | |
16-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |