خاص ألف

الضباب يلف المدينة بأكملها ..

كلاب تنبح في أطرافها ، قطط تموء .. بل تصرخ .. تصلك أصواتها وكأنها أصوات استغاثة من طفل يختنق أو أنين امرأة تغتصب مكمومة الفم ..

الصباح لا يزال ثقيل الوطء في هذه المدينة التي تقبع في أطراف صحراء لا تعترف بوجودها .. لأن سكانها جاؤوا من قلاع دمرها الغزاة والتهمتها الكوارث ..

نهارها صاخب وليلها ضبابي يعكره النباح والمواء .. وخلف جدرانها وجع مكبوت ليس له حدود ..

ليالي ناسها صارت للأنين وصباحاتهم أثقلها الهم النابض ..

تستقبل نهارك في فراش هجره الدفء منذ دهر .. فترحل في سماء مكفهرة مهددة بالسقوط لتدمر كل شيء ..

يستيقظ معك الوجع الذي لم ينم كي يفيق .. بل هو لم يسترح أصلاً .. فتندفع من فراشك مذعوراً من شيء ما ..

تجول في أنحاء البيت بحثاً عن ذعر آخر يختبئ في الزوايا ، فيصفعك صقيع شتائي تهتز له أوصالك .. فراشك يرفضك والضباب يصدك وصداع يدمر رأسك ..

تحس به يتدحرج على منحدر أمامك بعينين مفتوحتين ولسان يلهث دون أن ينبض بكلام ما .. يتخثر الدم في أوردته فيدفعك مرآه للتقيؤ .. وتكتشف أنك قد تتقيأ من ثقوب أخرى في جسدك .. فالرأس المتدحرج أمامك هو رأسك ..

تركض بلا رأس .. تطير .. جسدك خفيف كالريش .. تتحول ذراعاك إلى أجنحة .. وتطير .. تطير ..

الضباب من حولك يتحول إلى دخان ثقيل خانق .. يعيق قدميك عن الموازنة مع ذراعيك ( جناحيك ) .. تسقط .. تلتقط رأسك ، تعيده إلى مكانه .. يسخر منك ويضحك ، يقهقه على طريقته ويتقيأ دماً متخثراً ..

لم يكن دماً .. تستطيع أن تميز لونه ورائحته ، لعله صديد أو قيح أو بقايا دم فاسد ..

تفتح عينيك .. جفناهما ثقيلان ..

الضباب يتسلل إلى زوايا غرفتك .. والصقيع المعسكر في الزوايا يحاول أن ينال منك ، فترتعد فرائصك وتحاول أن تلتصق بالجدران باحثاً عن الأمان والدفء فيها ، وتعرف في نهاية الأمر أنها لن تفيدك .. فتعاود البحث عن ملاذ آخر ..

فراشك يعافك ووجعك يعاني من سهد لانهاية له ودروبك ملأى برؤوس تتدحرج ودماء تتخثر وقيح وصديد … جدرانك لا تفعل شيئاً هي الأخرى وفضاؤك الرحب يعتقله الضباب .. وسماؤك المكفهرة تسقط والصداع يدمر رأسك ..

لا أحد يستجيب لندائك المكبوت ، تصيح بلا صوت .. تأتيك استجابة ..

يلمع صوتها في المعمعة .. تستجيب لأناملك سريعاً وتنساب كلماتك عبرها كانسياب الماء الرقراق في جدول ..

تهلل .. تفرح لاستجابتها .. تعيرها دفء القلب وحنو الصدر .. تدمع عيناها .. تبكي دموع فرح .. يحاور الدمع كلماتك .. فيخرجان بصوت يبدو وكأنه قادم من زمان آخر غير هذا الزمان ..

يصّاعد رويداً رويداً .. يصل القمم .. فينقشع ضباب المدينة وتهدأ الدروب وتضحك السماء .. تضحك .. وتقرر أن تبعد أكثر كي تمنحك فضاء أوسع لقلمك وقلبك .. وتعيد النقاء إلى صباحات أيامك .. فيزهر العمر من جديد .. وتغني عصافير الدنيا أحلى أغانيها ..

26/2/2009

××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف