قصائد مديحة المرهش تضج بالحكمة المريحة قراءة في مجموعة ( أنا المولودة في برج القوس )
خاص ألف
2010-06-01
( لا أعرف حقاً لماذا أكتب .. لم يعد هناك قيمة إلا لشيء في حجم المعجزة الكبرى)
عندما يقول شاعر بحجم ( أنسي الحاج ) أن لا قيمة لشيء في هذا الكون .. مجيباً على سؤال كبير : لماذا نكتب ..؟
تقف حائراً وأنت لاتزال في خطوتك الأولى نحو مجموعة ( أنا المولودة في برج القوس ) للشاعرة مديحة المرهش .
وعندما تعلن الأديبة المصرية المتألقة ( فاطمة ناعوت ) في تصديرها للمجموعة أن مديحة المرهش ( تنحت في عالم جموح غرائبي ) تتأجج الرغبة في نفسك لاكتشاف هذا العالم الذي تنحت فيه شاعرة ( طعم البنفسج الذي كان .. ومني تغار نون النسوة ) .
فتفاجئك الشاعرة في أولى قصائدها وهي تعلن ( أن حواسها عشرون وأن الصباح يدركها ذات مساء .. وأنها سترقص على مخدتها حتى آخر دمعة وتتوضأ بحزن غوايتها ) فيتأكد لك على الفور ذاك العالم البكر الذي تحاول مديحة أن تخلقه على حد تعبير الأديبة فاطمة ناعوت .
ثم تبهرك وهي تعلن عن صخب أريكتها وانبلاج الفجر مابين كرسيه وأريكتها وتأسف وهي ( المكتظة بالخيبة ووجع الإنكسارات ) عبر إعلانها :
خجلون .. خجلون نحن
إذ أننا ما زلنا على حالنا
وتحن للقصة القصيرة فتقدم قصة قصيرة جداً في ( الجراد في المدينة – باكراً - خثرة ) التي تتماهى مع الشعر فنراها صريحة في قصائد الشعراء ونقرأ شعراً في نصوص روادها ، ولعلنا نستطيع أن نتلمس ذلك في بعض نصوصها الأخرى وهذا ليس غريباً على الشاعرة التي بدأت حياتها الأدبية بالقصة القصيرة وحازت على جوائز فيها ، ثم اتجهت إلى الشعر .
في قصيدتها ( زمني ) تعلن أن حياتها ليست على ما يرام معها :
ساعات بيتي تؤازرني
تشبك عقاربها بغضب
مضطربة تقف تتأملني
تأبى أن تمشي خشية أن تدق الخيبة
في ليلي ونهاري
ثم يسقط رأسها من شدة الإحتمال في ( حنق ) وتعلن في ( أسيرة ) :
أسرني الفضاء
خسف القمر فاختبأ عندي
ولحقت به الشمس
مكسوفة من الخجل
ومن كثرة ما ضيقوا علي
خشيت أن يصبح بعداي فقط
أرضاً وسماء
فما عاد عندي
والله غير الشمس والقمر
أصدقاء
وتقدم تساؤلات جميلة في ( هلا ) وأخرى في ( كأنك ) :
(هل يموت من بيده سماء دنياه ؟ )
وثالثة في ( معرفة ) وتعلن له في ( ياسمين ) بوضوح جلي :
( إن لحبك وجهان وجه لم أعرفه وآخر لن أعرفه )
وفي ( على الهامش ) تطلق حكمها :
إن اغلقت نوافذ البشر
تأكد بأي درج
خبأت المفتاح
لأنه أساس الحكاية وبدء النهاية
تأبط نفسك جيداً
من يقهقه على حالنا شامتاً
غير أحلامنا المنكسة
في داخلنا قسراً
ونكتشف ( ملامح واضحة لامرأة أدمنت الموت ولم تفعله فصارت وجعاً ) في قصيدتها ( بيني وبينه ) ، ولأن العنوان يشير إلى الهمس أو لوازمه ، فإن من الطبيعي أن نسمعها تقول ( بمأمن مني أنت حين تكون معي ) أو ( مشدوهة بك دائماً ) .
أو أن تهرب منها الحكمة التي تتالت في معظم قصائدها ، ربما كان ذلك لأنها مولودة في برج القوس :
وأنت تعلم أن كثرتي
ما كانت أبداً إلا بوحدتي
على نار هادئة طبخت حياتي
ونسمة هواء واحدة
خربتني وخربتها
يعاودها الحنين إلى الجمل المختزلة – القصص القصيرة جداً :
أتعبتني مشاريعه التي لا تنتهي
وبقيت أنا على الورق
مشروعاً لم يباشره بعد
رغم انقضاء المدة
ويجتمع صخب الشاعرة وصمتها على غير العادة ، وعلى لسان امرأة من الشرق المحملة بالعبء الجميل ، فتقول لرجلها :
فتنتني ثم شكلتني
وبعدها صنعت مني ذاتي
ثم يقفز التنوع عندها صريحاً ، لتلخص حالاً – وطناً :
جرجر الفجر خطأه نحو العتمة متعثراً
فاختبأت نهاراتنا تحت دثاره واختبأنا
ولخصت حكاية عشق تحاول أن تمسك به ولكنها لا تراه :
كل ليلة أحاول أن أمسك به
لأقاضيه .. وأتخلص من ذاك الإحتلال
ولكنني لا أراه
وكم كانت الدهشة بليغة عندها وهي تتحدى وقاحة الشمس في ( أوصيكَ ) ثم تعلن وصيتها له :
أوصيك ألا تتوهني في جنات عدن
فقط افتح لي كوة في شِعرك
لأمد يدي
ومن أقاصيك أقطف ما لذ لي من الجنان
أوصيك بصمت جنوني
بفيء نهاري .. يجمر ثلجي
بوجع لمسي .. بحفيف همسي
بقسوة إثمي .. ولذة ألمي .
أوصيك بي وبك ،
وبما كان لنا ذات يوم .. يوم كنا
مديحة المرهش الشاعرة التي بدأت حياتها الأدبية بالقصة ، تعبر دروب الشعر بثقة عالية عبرأعمالها الثلاثة ( طعم البنفسج الذي كان – مني تغار نون النسوة – أنا المولودة في برج القوس ) التي حاولت من خلالها أن تجول في تفاصيل الحياة وهمومها لتشكل مناخاً شعرياً واحداً بأغراض متنوعة .
وقد أعلنت غير مرة أنها تريد أن تصالح القارئ ولا تدفعه للسأم أو الملل كما يفعل الكثير من الشعراء ..
لوحات شفافة قدمتها في عملها الأخير ( أنا المولودة في برج القوس ) تحس فيها أنه تدفعك للهرولة عبرها بشغف المستطلع .
وأنا وإن كنت لا أخالف الأديبة ناعوت في أن مديحة نحتت في عالم جموح غرائبي ، إلا أنني أرى أنها وصلت بتجربتها الحياتية الغنية إلى حد فاضت معها سلال من الحكمة .. لذلك عندما سئلت عن رأيي في قصائد المجموعة بعد رحلة اطلاعي الأولى عليها منذ بعض الوقت .. قلت دون أن أتعمد السجع في التعبير ( قصائد مديحة تضج بالحكمة المريحة ) ..
أيار 2010
××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
12-تشرين الثاني-2010 | |
قصائد مديحة المرهش تضج بالحكمة المريحة قراءة في مجموعة ( أنا المولودة في برج القوس ) |
01-حزيران-2010 |
07-شباط-2010 | |
28-كانون الأول-2009 | |
16-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |