خاص ألف

أطلَّ من سطح البيت على الخرابة المجاورة ..

قفزت إلى ذاكرته صور الماضي دفعة واحدة ، بحث عن الدفء المفتقد خلف الجدران المتهدمة وبين الأحجار المتناثرة وفي ظلال التينة الهرمة وتلال العوسج الشامخة ..

دنا أكثر ، حاول أن يستعين بروائح المكان ، لكن الزمن تكفل بما تبقى من حاسة الشم لديه ، أغمض عينيه وأعاد فتحهما على اتساع حدقتيهما كي يعوض بمتعة البصر مافاته من متع أخرى صارعتها الأيام وفتكت بها ..

استحضر صورتها أمامه كالسحرة ومصباح علاء الدين .. ولكن الإقامة لم تطب لها كثيراً هنا وبعد عناء السنين ، فآثرت العودة إلى الماضي ، وهكذا بإرادتها تعاود الإختباء خلف الجدران وبين الأحجار وتلال العوسج ..

كانا يختاران باتفاق العيون الشبقة وقت الظهيرة ، يطل على منزلها ، يشوح بيده .. وإذا منعه بعض الحضور من ذلك ، تفهم لغة ظهوره ، وتقرأ مافي العيون ..

يسبقها ، فلا يطول أمد وصولها ... يختاران الزاوية الآمنة من العيون وأشواك العوسج ، تجلس على حجر أملس ، تقول وهي تلتقط أنفاسها :

- كنت خائفة .. لقد رأتك أمي .. قلت ربما لاحظت شيئاً

- لاتخافي هي لن تهتدي إلى مكاننا هذا ..

يعود إليها هدوؤها وابتسامتها ، يقترب منها أكثر ، تنكمش لتترك له مساحة تسمح بجلوسه ...

يمد يده ، يلامس شعرها الناعم ، يتردد ، تنزلق يده إلى صفحة خديها ثم شفتيها ، تحمر خدودها ، يهمس بشغف :

- هناك في قمة هذا الجبل سنبني بيتاً جميلاً ..

- سنزرع حوله أشجار التين والرمان وأزهاراً من كل الأنواع والأجناس ..

تنزلق أصابع يديه إلى عنقها ، يظهر الهلع في عينيها ، هلع يخفي شبقاً غير مرئي ..

- بسمة .. هل تنامين على ركبتي ..؟

- المكان لايسمح بذلك ..

- سأهيء لي ولك من الأغصان مفرشاً ..

توافق عيناها ، تحاول التمدد ، تنكمش ساقاها ، تتطاول يديه إلى صدرها ثم تنحدران نحو وسطها فتقول في سرها :

- رباه .. كم أنا سعيدة ..

تشتعل الرغبة في كيانها ، تكاد تتجرأ وتطلب منه أن يتابع .. ثم فجأة تمر هرة ، تجفل من وجودهما ، فتفر مخلفة ضجيجاً يدفعهما للوقوف والهلع ثم التواعد من جديد بلغة العيون على لقاء دافئ آخر ...

محمد عزوز

×××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف