في أعمال التشكيلية سارة شما / مدخل لبناء لوحة جديدة
2007-12-26
لم يكن فضولي للتعرف على أعمال سارة شما عن قرب مصادفة، فهي تنبئ عن بحث جدي في تأسيس سمات تشكيلية خاصة والأمر الذي زاد من اهتمامي هو إحساسي المضمر بأن وراء لوحاتها ليست سارة شما وحدها حيث هناك عزيمة حقيقية في شغلها التشكيلي لأنها اختطت لها مصيرا تشكيليا مختلفا بنسبة كبيرة، رغم اعتقادي بعدم استقلالية أي عمل فني عن الموروث التشكيلي السابق عليه ، ومرد ذلك عند سارة هو ثقتها بما تفعل وثقتها برؤيتها البصرية وهي ابنه للزمن الحديث في الرؤية التشكيلية ، إن ما يشوب تجربتها ربما هو ترددها نحو السريالية رغم أنها تركت سلفادور دالي وراءها الذي تأثرت به في البداية ، إن ذلك التردد يخشى علية من إعادة إنتاج السريالية الأوربية وقد يكون ذلك انزلاقا لا تعرف منتهاه لأن الدخول في المبهم يكون مبهما على المتلقي والفنان بآن معا ، وفي الحقيقة ربما دون أن تدري تعمل على حالة لاشعورية في أغلب أعمالها وأي نظرة على لوحاتها تشعر بثمة قلق ميتافيزيقي ووجودي ليس مجانيا لديها ويبدو أيضا في بعض أعمالها وكأنها خرجت من فيلم أمريكي خيالي ، والخيال الأمريكي في السينما يعكس أحيانا القلق الوجودي وإشكالية الموت ، إن سارة تسعي في بعض أعمالها لعمل نوع من البلبلة الداخلية و عندما تدخل عوالمها كأنك تدخل في عوالم أخرى تعوم فيها لتستيقظ بعد لحظات و تدرك انك في الواقع ، مشروع سارة شما مشروع جدي وهو يبني نقلة جديدة رغم الثراء والتنوع التشكيلي السوري حيث الأمكنة قليلة لموطئ قدم وذلك ليس في التشكيل فقط .
اللغة التشكيلية
تتوضح رؤى سارة شما البصرية منذ بداياتها في ممارسة العمل الفني في نهاية التسعينات ، حيث ثمة نزوع نحو التبسيط المشوب بالغرابة والقلق ، وتعمل على أكثر من بنية تشكيلية ، شكلت لها مجالا للبحث والتجريب الذي قادها إلى شخصيتها الفنية ، فاشتغلت الطبيعة الصامتة والزهور ، والأشكال الإنسانية بتكوينات لونية وخطية مختلفة كما عملت أحيانا على تبسيط الشكل وتحديده بخطوط تذكرك بلؤي كيالي ، وفي أحايين أخرى أكدت على الحالة التعبيرية للشخوص من خلال التنوع في اللون والتأكيد على ضربة الفرشاة التي تنقل نبض الفنانة ،إلا أن هذه المرحلة تتغير بعد عام 2000 نحو رؤى بصرية تعمل من خلالها على نقل أجوائها الداخلية وأحاسيسها إلى سطح اللوحة ،في محاولتي للتواصل مع عوالمها كنت قد أجريت نوعا من الاستبيان من خلال قرائتي لأكثر من أربعين عملا اعتمدت فيه على عدة وسائل تشكيلية في عملها على اللوحة ، فأجرت نوعا من الاهتزاز الناتج عن تحريك الشكل ، نحو اتجاه ما ، وكان ذلك في بعض أعمال الوجوه ، وأعمال المولوية ، في أكثر من عشر لوحات واستخدمت أشكالا هندسية في أكثر من ثمانية أعمال مغيرة من اللون داخل الشكل الهندسي دون التغير في موضوع اللوحة الرئيسي ، وفي لايقل عن أربعة أعمال استخدمت كتلا منظوريه معمارية ، وإحدى سمات أعمالها تكرار الشكل في اللوحة ، أما من ناحية الرموز في اللوحة استخدمت الكرسي ،والدائرة الحلزونية ،في أكثر من عمل ،
إن تحريك الشكل داخل اللوحة يمنح العمل بعدا حركيا وتعبيريا يفقد معناه دون ذلك فأخرج العالم الداخلي إلى سطح اللوحة وإلى الشكل ، فالوجه يبدو مصلوبا ،ومعجونا بالرمادي ومحاذيا للأزرق الغامق ،على خلفية تقترب من ردهات الأحمر ، ذلك ما يمنح العمل مأساوية ما ، وتتعمق الحالة التعبيرية في شغلها المزدوج على الواقعية والتجريد بآن معا ، وذلك في تصوير البور تريه ،وبالوقت الذي تعمل بحرفية عالية في الواقعية تعمل أيضا على إجراء ضربات انفعالية تخريبية للحالة الواقعية ،بمعنى آخر نكون أمام حالة شديدة التناقض بين الواقعية والتجريد وبعض الأحيان تمشي باللون نحو إذابة الوجه ويبدو ذلك في أعمال البورتريه حيث يزحف اللون بهدوء مانحا الكتلة المظللة باللون حضورها الذي يتسم بالسكون والتأمل وعمل واضح على النظرة التي تنفذ من خلالها إلى جوا نية الإنسان إنك أمام حالة بنيوية تعمل لديك نوعا من الارتباك 0
في مجموعة أخرى من اللوحات اشتغلت على الجسد والفراغ ، باستخدام كتل منظوريه منها ما هو غائر ومنها ما هو نافر ، وتلك العلاقة ما بين الفراغ والكتلة ، تخلق حالا ميتا فيزيقية تكثيفا لرهبة ما ، وخاصة في عملها / رجل مستلق / ويزداد الغموض السريالي تكثيفا في أعمال تعمدت فيها تكرار الكتلة ، أو باستخدام ستارة تقف خلفها الشخوص مؤكدة على حالة حلميه في تصويرها المرأة المكفنة بالقماش ، تاركة الكراسي تتباعد في عمق اللوحة ، حيث ثمة سؤال مغلف بصمت المرأة المقلق ، إذ تبدو في حالة انتظار مرير وكرسي يجلس خلفها وحيدا0
والكرسي في أعمالها يشكل حالة رمزية نراها في العديد من اللوحات ، ليس لها دلالة ثابتة والفنانة شما لم تقرر مسبقا في معنى محدد لها إنما يأتي أحيانا كحل تشكيلي لفراغ اللوحة لكنه يمنح اللوحة غموضا مثله مثل الدائرة الحلزونية التي دون نهاية إذ تشعرك بحالة لغزية في عمل يأتي الخط الحلزوني فيها بمقدمة اللوحة الذي ترسمه امرأة وترحل ، رجال خلف الدائرة معلقون على أعمدة رفيعة في فراغ ميتا فيزيقي 0
إن الشكل الحلزوني يشكل عند سارة شما حالة خاصة يعكس قلقها وتأملها فهي موشومة بذلك على زندها في إحدى اللوحات ولم تستغن عنه حتى في بطاقتها التي تحمل عنوانها
08-أيار-2021
22-أيلول-2015 | |
12-تشرين الثاني-2010 | |
02-تشرين الأول-2010 | |
12-أيار-2009 | |
21-كانون الثاني-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |