هل يستمر نجاح الدراما السورية / أسمهان نموذجا
2008-12-17
أن نتتبع الحياة السياسية أو الفنية والاجتماعية من خلال عمل ٍ درامي ٍ فهذا شي ء جميل ، وأن نستمتع بالعمل الدرامي فهذه هي الغاية الأساسية ، وتأتي برأيي قبل الفائدة ، بما يحقق الغاية من الفن ، ويبدو أننا بدأنا نفتقد الفن في الكثير من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي استسهلت الفن كثيرا ً واتجهت إلى أمور ٍ لا علاقة لها به ، مثل الوعظ الاجتماعي ، أو الديني ، بمباشرة وبساطة ، وسطحية في معالجة بعض الأعمال ، و طرح الأفكار الجاهزة ، لمجتمع ٍ بدائي ٍ آن الأوان أن نلقي به خلفنا ، ونسير في درب التطور الحقيقي . والأخطر ملامسة الفكر الغيبي السطحي لفئة ٍ تحقق فائدة ً من ذلك . وإلا ما معنى أن يقول جهبذٌ في لقاء مع فضائية "الحرة " الأمريكية : مسلسل باب الحارة أعاد للمرأة أنوثيتها .. هكذا وردت أنوثيتها ، فإذا كان المسلسل أو القائمين عليه ينوون فعلا ً إعادتنا إلى ذاك العصر فهو أمر ٌ خطير ٌ فعلا ً ..
لكن بعيدا ً عن ذلك أليس هناك أعمال ٌ مهمة ؟ وأعمال ٌ ذات سوية فنية ٍ عالية ؟ بالطبع تنوعت الأعمال ،وحققت نجاحات ٍ متفاوتة كما يراها البعض ، أو كل ٌ من زاوية رؤياه . من هنا أرى أن مسلسل (أسمهان ) كان من الأعمال الناجحة والمتميزة :
فهو ، ومن الحلقة الأولى ،يضعنا أمام المعادلة الحقيقية للتوأمة بين الفكرة والصورة ، وبالتالي بين الناحية الفكرية الموضوعية ، والناحية الجمالية بكل عناصرها ، مما يؤدي إلى تقديم عمل ٍ فني ٍ يستحق المشاهدة .
مسلسل أسمهان ، وبعيدا ً عن الضجة التي أثيرت حوله ، وستثار أيضا ً ، مسلسل ٌ يطمح لأن يكون نموذجا ً جديدا ً للعمل الفني في المرحلة التالية للدراما السورية ، المرحلة التي سيكون من مهامها الخروج من عنق الزجاجة التي وضعت فيها ولكن لأسباب إيجابية ، وهي النجاحات المتراكمة من(نهاية رجل شجاع ) و ( أخوة التراب ) وحتى الآن ، إن كان موضوعيا ً ، وننوه هنا بالدور الريادي الذي قام به حسن م . يوسف ككاتب ٍ وسيناريست في هذا المجال ، أو فنيا ً ، وهنا يجب التركيز على الدور الكبير للفنان نجدت إسماعيل أنزور الذي - ورغم اعتراض البعض - ومحاولة بروزهم من خلال تقليده أو محاكاته ، يعتبر الأول والأفضل فنيا ً بمجمل ما قدمه ، لكن ، وكما الدراما السورية بشكل ٍ عام يجب التوقف قليلا ً والبحث عن سبل ٍ جديدة ٍ ،إذا كنا نريد استمرار النجاح السوري في الدراما .
وقبل المتابعة في نجاحات الدراما السورية واستمرار ذلك ، دعونا نحاول معرفة أسباب نجاح بعض الأعمال الفنية :
· الدراما التركية : المدبلجة شاميا ً ، والتي يعتقد الكثيرون أنها نوع ٌ يحقق نجاحا جيدا ً ، لكني أعتقد أنها طفرة سبب نجاحها غياب البديل الاجتماعي العربي ، الذي اتجه إلى المحظور ، وقابل فيه نجاحات ٍ كثيرة كالأعمال التي ترصد (الحارة ، الجهات الأمنية ، التوجهات الدينية ) لكن التابو الوحيد الذي لم تجرؤ إلى التوجه إليه يبقى ( الجنس ) الما يزال محرما ً في أعمالنا ، ويبدو حتى كذكر .
من هنا اعتقد البعض بنجاح الدراما التركية ، والتي نرى مصيرها بكل وضوح لا يتعدى ما لاقته المسلسلات المكسيكية المدبلجة (المرحومة ) .
· الأعمال السورية لموسم (رمضان ) الحالي ، ومن المهم قبل الحديث عنها الحديث عن أخطر ظاهرة للعمل الفني والثقافي والفكري ، وهي ارتباطه بالحدث الديني الاجتماعي ، مما يحمله مسؤوليات التقوقع في أطر ٍ لا يجرؤ على الخروج منها .
من هنا فإن الأعمال السورية لموسم (رمضان ) الحالي ارتبطت بنجاحات ٍ سابقة كما يعتقد البعض ، لكنني أعتقد أن هذه النجاحات هي تكرار ٌ يؤدي إلى مأزق أخشى أن نصل إليه .وقل الجديد المميز فيها رغم ملاحظات هامة : أولها : عدم تمكني من متابعتها بالتأكيد وثانيها : الكثير من المديح الذي كيل لها . وثالثها :وهو الأخطر التأثير على الذوق العام للمشاهد ، وهذه النقطة سنعود إليها .
· خارج هذين الإطارين ، سؤال ملح : أين الأعمال الدرامية السورية ؟ ومن الدراما إلى الشق الآخر المهم فنيا ً : أين السينما السورية ، والسؤال مطروح ٌ هنا لاعتقادي بتوازي الشقين عند الحديث عن نجاح ٍ فني ٍ عام ،أو تطور ٍ في الذوق الفني .
هذا التطور نلاحظه واضحا ً في المسرح السوري اليوم ،رغم ما يعتقده البعض بعكس ذلك .
· وهنا نأتي إلى السؤال الرئيسي في موضوعنا :
هل يندرج مسلسل أسمهان ضمن ما ذكرناه ، أو يتجاوز الأعمال الأخرى ؟ ربما لا يبتعد العمل فنيا ً بشكل ٍ كبير ٍ عن بعض الأعمال ، لكنه يتجاوزها بمخرج ٍ متمكن ٍ من أداته الفنية جعلنا نتمتع بصورة ٍ جميلة ، وكادر ٍ مدروس ، ولون متميز يناسب تلك المنطقة أو ذاك المكان ، إضافة ً على أهم عنصر - برأيي - وهو الرشاقة في العمل ككل ، وتقديمه وجبة ً خفيفة ً خالية ً من الدسم ، والأهم خالية ً من المحسنات غير اللازمة ، وأعتقد أن السبب الرئيسي خلف رشاقة العمل الحس الفني لمخرج ٍ مخضرم كنبيل المالح ،في صياغته للسيناريو .
شوقي الماجري قدم عملا ً ناجحا ً في كل المقاييس ، وقد أعجبتني كلمة لزميلنا نبيل الملحم حين قال عنه : إنه يحمل كاميرا إلهية .. فعلا ً يظهر من معظم المشاهد أن عين المخرج كانت تلتقط سحرا ً أسعدنا .
عمل ٌ عن السيرة الذاتية ، أبدع في تصوير شخصية ٍ من لحم ٍ ودم ، تفرح وتحزن ، تخطيء وتصيب ، لها أيجابيات وكذلك سلبيات . وقد نجحت سلاف فواخرجي بتجسيد هذه الشخصية المركبة ، وكذلك فعل فراس ابراهيم ، أما أحمد شاكر فقد كان ظريفا ً جدا ً ، أما الدور المهم في العمل فقد لعبه باقتدار عابد فهد في دور الأمير حسن ، وكان استمرارا ً لنجاحاته المميزة في أكثر من شخصية ٍ تاريخية ٍ مؤخرا ً .
عمل ٌ ناجح ٌ بكل المواصفات ، يتطلب الحديث عنه إشادة ً بالكادر الفني كله دون استثناء ، وخاصة ً من هم خلف الكاميرا .
· إذا ً النجاحات الفنية دون المطلوب - كما أرى- والتأثير على الذوق العام للمشاهد صار واضحا ً ، وهذا يذكرني بنجاحات بعض المسرحيات المعدة للأطفال والتي يعتقد القائمون عليها أن مجرد دهشة الطفل بالعمل المقدم هو معيار ٌ نقدي ! وهنا فإن مجرد - مطمطة حنك - بعض أطفال اللاذقية يعتبر نجاحا ً لمسلسل ٍ ما ، وتمسك بعض أولاد حارات دمشق بالطربوش - مثلاً – أو لقب أبو صياح ، مع احترامنا الكبير لفنان الشعب رفيق سبيعي ، يعتبر فتحا ً لمسلسل ٍ آخر .
المطلوب أكبر من ذلك بكثير ، إنه إعادة النظر في ما يقدم من أعمال ٍ فنية ٍ طيلة العام ، ومحاولة إيجاد بديل ٍ فني ٍ موضوعي ٍ يخرج عن ملامسة الأحاسيس الرخيصة ، وأيضا الخروج من البرمجة الرمضانية لفن الدراما في سورية وإلا سيكون مقتلها .
سجيع قرقماز
08-أيار-2021
31-أيار-2011 | |
25-أيار-2011 | |
26-شباط-2011 | |
02-كانون الثاني-2011 | |
13-أيلول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |