جريمة في المسرح القومي..؟!! (ليست رواية لأجاثا كريستي)!!
2009-05-10
لم يكن ما حدث في المسرح القومي باللاذقية ضرباً من العبث أو المزاح البوليسي الغليظ، ولم يكن مونولوجاً تهكمياً عابراً للساهرين في شانسونييه لاذقاني أطلق بغتةً على هامش مهرجان الكوميديا المسرحي الثالث، أو حتى فلاشاً ساخراً في مجلة (كومّيضة) الصادرة عن المهرجان.. نعم، العنوان خبري بحت بلا فذلكات صحفية أو معان مجازية حاذقة؛ لقد عثر العمال على أجزاء من هيكل عظمي بشري أثناء عمليات ترميم المسرح القومي في اللاذقية عند باب النجاة!! وسواءً كان الرجل المقطّع إرباً ممثلاً عتيقاً أو باحثاً معمراً في دار الكتب الوطنية سابقاً أو حتى متشرداً سكيراً ساقه سوء الحظ إلى زاوية منعزلة بعد منتصف ليل شتوي قارس، فاغتيل خلسةً وأهيل عليه التراب في مقبرة وضّبت بعناية بعد عكس اتجاه الصرف الصحي، فإن مجرد الفكرة الأقرب إلى الملهاة لتشحذ الخيال بشدة متأتية من واقع مسرحي لا يبدو أقل تشرذماً وأحسن حالاً، في تعشيق فكري وبنيوي متين مع حالة متقدمة من الموت السريري المتستر خلف أجهزة التنفس الاصطناعي الباردة..
ذاك الممثل الغيور من نجومية زميله الصاعد لم يحتمل فظاعة الفكرة ورعب الكوابيس المتوالية، فآثر دعوة صديقه الساهر على بروفات ما بعد منتصف الليل إلى التدرب على تكنيك الطعن المباغت.. في الظهر!! أو على بقر البطن في أسلوب الانتحار الياباني (هاراكيري) لغسل العار!! فتشرّبت الخشبة بشراهة دماءً حية هذه المرة كما حدث منذ مدة قصيرة على خشبة مسرح (بيرغثيتر) في فيينا، عندما قام الممثل النمساوي الشاب دانيال هويفيلز أثناء مسرحية ماري ستيوارت للكاتب الألماني فريدريك شيللر بجزّ عنقه بسكين حقيقية وضعتها يد خفية مكان السكين المزيفة، لكن الأقدار كانت إلى جانب هويفيلز الذي نجا بأعجوبة بعكس بطلنا/الضحية في المسرح القومي باللاذقية..
يبدو أن الممثل الذي يعمل في مديرية الخدمات الفنية صباحاً و«بارمان» يجيد الاستماع بعد منتصف الليل، مطالب أيضاً بصنع المستحيلات المسرحية المتناسجة مع سينوغرافيا مبهرة ونص أصيل خلّاق، والتحول إلى قربان مسرحي أو أضحية بشرية بكل معنى الكلمة!! مخلّفاً وراءه حالة صحية تتطلب العناية المركزة في المنزل، وكمّاً هائلاً من مسودات المشاريع الكبرى التي لن ترى النور يوماً.. هو مضطر لشطب بعض العبارات المغضوب عليها من النص الأصلي لإرضاء لجنة قراءة النصوص، ثم دعوة لجنة المشاهدة إلى عشاء مع مشروب مفتوح لتفكر بتقييم العرض بصدر رحب وخيال جامح! ناهيك عن قائمة الأسماء النضالية التي عليه أن يرسل لمدراء مكاتب أصحابها كروت دعوة لعرض الافتتاح رغم إدراكه المسبق لحالة الملل الأيديولوجي المتبادل.. عليه أن يركّز في نقطة وهم بعمق الصالة ليتفادى مشاكسات طفل كاره للميكروكروم على الركبة الغضّة في الصف الأول والوحيد، مصيخاً السمع -في الوقت نفسه- لتوجيهات مخرج نزق الطباع يهمس من الكواليس لزيادة استهلاك الأدرينالين والغلوكوز داخل الجسد نصف العاري.. هو ليس بيتر بروك أو تيسير إدريس لينهر أحد الحاضرين ثم يستأنف العرض أو يعيده كأن شيئاً لم يكن!.. ربما يسلّم قناعه وملابسه (عهدة) بعد ختام الربورتوار، ويغادر إلى عمله دون أمل في معجب ما يتوسل صورة معه أو حتى خربشات توقيعه على ورقة ما..
بارع هو في تضليل المطالبين بالديون، وفي مماطلة مالك غرفته الضيقة في حي السجن أو أزقة الصليبة، على أمل قبض مكافأته المحرزة من المديرية آخر العام لتسديد ديونه المتراكمة والسهر مع فتاته الصبورة في محل ذي واجهة زجاجية على الشارع الرئيسي..
فهل علينا أن نستغرب وقوع جريمة كاملة ستبقى بلا دليل أو قرينة سوى أحاديث الجيران عن شاب مصاب بانفصام الشخصية كان يهوى التمثيل وقراءة (دكتور جيكل ومستر هايد)..؟!!
على العموم، تقرير المعمل الجنائي لم يصل من دمشق حتى لحظة كتابة هذه السطور، إلا أن الرواية غير الرسمية تقدر عمر الجثة بعشرين عاماً تقريباً منذ أيام فرقة المركز الثقافي العربي القديم وفرق الشبيبة والعمال التقليدية...
لكن لماذا وجدت الجثة عند باب.. النجاة؟!!
علي وجيه
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |