«واحد - صفر».. فاز المنتخب وهُزِم الوطن!
2010-03-14
لا يمكن إخراج فيلم مثل «واحد - صفر» عن السياق السياسي والاجتماعي الذي يمرّ به المجتمع المصري عموماً، فمع شعور المواطن بالعجز عن تحقيق طموحاته ومواكبة ضغوط الحياة ومتطلباتها، وفي ظل انعدام حرية التعبير وعدم القدرة على ممارسة أي فعل تغييري على أرض الواقع، يتم اللجوء إلى وسائل «نظرية» بديلة تنحصر فاعليتها في الأثر التطهيري الشعبي، وليس أكثر من ذلك. فبإمكان حركة 6 أبريل أن تصنع ما تشاء على موقع الفايس بوك، ولكن الاحتجاج العملي في الشوارع أمر آخر. لا مانع من انتقاد الوضع العام وتردي القيم. بل السب والشتم إذا اقتضى الأمر، طالما أن كل شيء مضبوط ومحصور في إطار «الكلام» لا أكثر.
هذا النوع من الإستراتيجية «التنفيسية» ينتقل إلى السينما كأحد الأسلحة التعبيرية المعتبرة، فيتم تمرير بعض الأفلام بين فترة وأخرى، لعرض مَشاهِد يمكن أن تروّح عن مشاعر الناس وتخفّف من غضبها المكبوت، ما يعود بنا إلى وظيفة الشحن/التفريغ التي رافقت السينما منذ بداياتها (أمريكا بعد الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات وبعد حرب فيتنام، مصر بعد هزيمة 1967...)، وإن كانت تتخذ هنا منحى أكثر تطوراً من النواحي التقنية والفنية، وأعلى ذكاءً من جهة الفكر الذي بات يتعلق بالشأن اليومي ومعاناة المواطن الاعتيادية، ولا يكتفي بالصدمات الكبيرة أو النوعية التي تبقى في الذاكرة. هكذا نجد في أفلام الألفية الجديدة قسوة العشوائيات، والبلد الذي يُعامل كدكان للتجارة، وانقراض الطبقة المتوسطة، والفروق الهائلة بين الأغنياء جداً والمعدمين المطحونين، وصورة مرشّح الرئاسة عند أتلال القمامة في المناطق المنسية، وغيرها من الصور التي ظهرت اعتراضاً على الواقع وتمّ السماح بعرضها لأسباب مختلفة، منها التطهير والتنفيس بطبيعة الحال.
ذكاء فيلم «واحد - صفر» أنّه يقوم على إستراتيجية التطهير هذه، بل ويسخر منها أيضاً، في تلميح ذكي لمنظومة مجتمع بأكمله وحالة بلد عريق بحجم مصر (وإن كان التعميم العربي ليس مستغرباً أيضاً)، عبر مجموعة من الشخصيات المهزومة التي تواجه في يوم واحد (المباراة النهائية في كأس الأمم الأفريقية 2008 بين مصر والكاميرون) ما يزيدها انهزاماً وسقوطاً، فمن المسيحية المطلقة (إلهام شاهين) التي تواجه رفض الكنيسة منحها تصريح زواج من حبيبها، إلى هذا الأخير (خالد أبو النجا) الذي يتخبّط بين شهرته كمذيع وإدمانه على الكحول والمخدرات وبين علاقته العاطفية التي تزداد تعقيداً، مروراً بالممرضة المتدينة (نيللي كريم) الباحثة عن البساطة والحب في عالم قاس غريب عنها، وشقيقتها المغنية (زينة) التي تبيع جسدها مقابل المال والحياة المختلفة، ضاربةً بعرض الحائط علاقتها مع الكوافير الطموح (أحمد الفيشاوي) الذي يسعى لتغيير حياته بأي طريقة، وأمّه الأرملة (انتصار) «الحفّافة» التي تزوّق النساء لرجالهن وهي المكبوتة المستعدة للتغاضي عن تحرّشات شاب مختل في باص النقل الداخلي. بالإضافة إلى المنتج الجشع (حسين الإمام) والعجوز الفقير (لطفي لبيب) وحفيده الصغير الذي يفعل أي شيء من أجل المال.
مع أنّ الغضب وعدم الرضا صفات مشتركة لهذه الشخصيات، إلا أنها لا تتحرك للتغيير فعلياً رغم وجود النية لذلك. النية المضمرة مشلولة، عاجزة عن الخروج من السجن الافتراضي والمخططات النظرية، في إشارة إلى الإستراتيجية إياها والمناخ العام الذي أحبط المواطن وجعله مهزوماً سلفاً دون مقاومة تُذكَر، وبالتالي من الطبيعي أن تبقى النهاية مفتوحة على مصائر مجهولة ومعلقة لأبطال الفيلم، الذين يجدون في هدف أبو تريكة انتصاراً مؤقتاً لمبارياتهم الشخصية وصحوة محدودة للكرامة والأمل.
اقتصار الأحداث على يوم واحد بات مألوفاً في السينما المصرية بعد أفلام مثل «كباريه» و«الفرح» و«هليوبوليس»، وإن كان النص مكتوب قبل ذلك كما تؤكد الكاتبة الشابة مريم ناعوم، التي يشهد لها عملها الأول بالحرفية والحساسية في التقاط النماذج الواقعية والاشتغال عليها، فهي بارعة في خلق الخيط الدرامي الرفيع الذي يربط بين شخصيات الفيلم، حتى لو تطلّب الأمر ابتكار خط العجوز وحفيده بمعزل عن البقية، ليقوم هذا الأخير بجمع الكل في مكان واحد عند اللحظة المطلوبة.
المخرجة كاملة أبو ذكري، بعد أربعة أفلام قصيرة تراوحت بين الروائي والتسجيلي (شيء ما حدث، قطر الساعة ستة، فلسطين في مصر، نظرة للسماء)، وثلاثة روائية طويلة لم تأتِ بالجديد على مستوى التكنيك الإخراجي (سنة أولى نصب، ملك وكتابة، عن العشق والهوى)، تحاول في «واحد - صفر» إيجاد أسلوب خاص من خلال اعتماد الكاميرا المحمولة في التصوير، كما في السينما الواقعية الأوروبية وأفلام عربية مهمة مثل «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين، ولكن الفرق هنا أن الصوت سجّل في الموقع مباشرةً ولم يتم اللجوء إلى الدوبلاج كالمعتاد، فاقترب الفيلم بذلك أكثر من الواقع، عبر التفاصيل الدقيقة التي نقلتها الصورة مع الصوت، والحركة المدروسة التي أضفت نوعاً من الحميمية على الجو عموماً. ذكري استفادت كذلك من تجربتها التسجيلية الوحيدة (فلسطين في مصر)، وقامت بمزج المشاهد الحقيقية لاحتفالات الشعب المصري في الشوارع بالنهاية الدرامية للفيلم، فاستمتعنا برؤية الممثلين يفرحون وسط المجاميع الحقيقية، في مونتاج لافت لمنى ربيع وصورة موفقة لمحمود تيمور ونانسي عبد الفتاح، وأداء تمثيلي مميز خصوصاً لنيللي كريم وحسين الإمام.
صحيح أن المنتخب ربح المباراة بهدف وحيد، لكن الوطن خسر كل المباريات.. ودون أن يسجّل هدف الشرف!
علي وجيه
[email protected]
النشر الورقي جريدة «شرفات الشام».
النشر الألكتروني خاص ألف
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |