«روبن هود» يتحدّى أفلام «البوب كورن» وأبطالها الخارقين
2010-06-14
أكثر من رؤية وأكثر من سيناريو رافق هذا المشروع منذ كتب الشريكان إيثان رايف وسايروس فوريس فيلماً بعنوان «نوتنغهام»، ركّز على جوانب إيجابية في شخصية شريف المدينة الإنكليزية (عدو روبن هود اللدود حسب الروايات التاريخية)، وأظهر البطل الشعبي ذائع الصيت أقرب إلى المجرم الخارج عن القانون. عندما وصل النص إلى المخرج الإنكليزي الشهير ريدلي سكوت اختلفت الأمور، لأنّ صاحب «مملكة السماء» 2005 و«كيان الأكاذيب» 2008 لم يعجب بتلك الرؤية، واستدعى السيناريست الأمريكي الشهير برايان هيلغيلاند (نهر داخلي 2003، المنطقة الخضراء 2010) ليقوم بكتابة سيناريو مختلف وفق الرؤية التي اتفق عليها سكوت مع شريكه الرئيسي وبطل الفيلم راسل كرو.
عندما التقى ريدلي سكوت بالممثل نيوزلندي الأصل أسترالي النشأة لأول مرة في فيلم «المصارع» 2000، كان نجم كرو بدأ يلمع في هوليوود بعد فيلمَي L.A. Confidential مع كيفين سبايسي وكيم باسنغر و«العميل» مع آل باتشينو، وذلك بعد أعوام من الشهرة في أستراليا التسعينيات. عندها أدرك سكوت أهمية الموهبة التي يتعامل معها، فالممثل الأشقر المحب للغناء أيضاً، يستخدم أدواته التعبيرية بكل بساطة وتلقائية، بعيداً عن مدارس التمثيل ومتاهاتها. يجعل الشغل السينمائي المعقد سهلاً للغاية، وهو يستمتع به من خلال تجاهل الكاميرا والاقتراب من عوالم الشخصية وتركيبها. قاد كرو في «المصارع» ثورة العبيد في العصر الروماني، من خلال «ماكسيموس» الذي يسعى للانتقام من الإمبراطور الذي قتل عائلته، لينال أوسكار أفضل ممثل عن الفيلم آنذاك.
بعد ستة أعوام، عاد سكوت وكرو مجدداً في «سنة جيدة» الذي انتقد انغماس الإنسان بالتفاصيل المادية على حساب الروح والتفاصيل الجميلة في الحياة. أدّى كرو شخصية «ماكس سكينر» الذي يفعل أي شيء لجني الأرباح من الصفقات التجارية ويلقّب موظّفيه بـ «فئران المخابر»، فيبدأ رحلة اكتشاف روحه في كروم عمّه المتوفّى في الريف الفرنسي. في عام 2007، قدّم الاثنان «رجل العصابات الأمريكي»، حيث شكّل كرو مع دينزل واشنطن ثنائياً تمثيلياً ناجحاً للحديث عن تجارة المخدرات الرائجة أيام حرب فيتنام. وفي عام 2008، لعب كرو دور رجل المخابرات الأمريكي «هوفمان» المستعد لعمل أي شيء لتحقيق أهدافه ضمن ما يُسمّى الحرب على الإرهاب في «كيان الأكاذيب»، وشاركه بطولة الفيلم ليوناردو دي كابريو.
إذاً، هي نفس الحالة الثنائية «مخرج هام - ممثله المفضّل» التي ألفناها لدى المعلّم سكورسيزي مع دي نيرو ثم دي كابريو من بعده. نجدها هنا بين ريدلي سكوت وراسل كرو في خمسة أفلام حتى الآن. يقول كرو في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط: «كلانا يعرف الثاني مهنياً معرفة وطيدة.. لقد تطورت علاقتنا بالطبع عبر سنوات. ريدلي سكوت من أبرز الفنانين البصريين في هذه المهنة، وأنا أحترم عطاءه وقدراته ورؤيته وقراراته».
ابتعد «روبن هود» الجديد عن الصورة النمطية التي رأيناها في عشرات الأعمال السابقة المستندة إلى المغامرات التي كتبها السير والتر سكوت بأسلوب هزلي بعيد عن التوثيق وملامسة التاريخ. هو ليس المغامر الشقي والبطل الشعبي الذي يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء كما أظهره دوغلاس فايربانكس في فيلم آلان دوان عام 1922، أو إيرول فلين في «مغامرات روبن هود» 1938 لمايكل كورتيز وويليام كايلي، أو ريتشارد تود في «قصة روبن هود ورجاله المبتهجين» 1952 لكين آناكين، أو حتى شين كونري في «روبن وماريان» 1976 لريتشارد ليستير. ماريون (كايت بلانشيت) كذلك لم تعد شخصية سلبية للاستخدام الرومانسي فقط كما أوليفيا دي هافيلاند وأودري هيبورن وجوان رايس في الأفلام المذكورة، بل هي أرملة عنيدة ومحاربة، تأخذ علاقتها مع روبن طابعاً ندياً متحدياً في البداية، قبل أن تتحول إلى قصة حب ملتهبة. ربط تطوّر العلاقة وتحوّلها بالتلميحات الجنسية لم يكن في محلّه دائماً، ولكن يبدو أنّها الشمّاعة التي أراد الفيلم تعليق بعض اللمحات الكوميدية عليها لتلطيف الأحداث بين حين وآخر. «الرجال المبتهجون» Merry Men غير موجودين أيضاً، واستعيض عنهم برفاق روبن الثلاثة في الجيش وكاهن الكنيسة البدين الذي يهوى تربية النحل. وبالمحصلة، هي رؤية جديدة ومختلفة للتاريخ كما عوّدنا ريدلي سكوت في أفلامه (مملكة السماء نموذجاً)، تبحث في الأسباب والظروف التي أدّت لتحوّل «روبن لونغسترايد» إلى «روبن هود» الذي يعيش مع مجموعته في غابة شيرود كما هو معروف.
هنا يرتدي روبن هود الزي العسكري لجيش «ريشارد قلب الأسد» العائد من الحملة الصليبية الثالثة. فهو إذاً جندي في خدمة المملكة، ويبقى كذلك بعد مقتل ريتشارد وجلوس أخيه جون على العرش. بالطبع، لا يفوّت سكوت فرصةُ كهذه لتجديد وتشديد انتقاده للحروب الصليبية وجدواها كما فعل في «مملكة السماء»، وهي إشارة واضحة للحروب الإمبراطورية الأمريكية اليوم، حيث يتحدّث روبن هود في حوار لافت مع ريتشارد قلب الأسد عن «مجزرة عكّا» التي حوّلت الجنود الإنكليز إلى «ملحدين»، وبالتالي فهو غير مؤمن بكل هذه الحملات.
الفرنسيون يريدون احتلال بريطانيا، ودليلهم لذلك داخل البلاط هو صديق الملك «غودفري» الذي أدّى دوره الممثل اللافت مارك سترونغ، مدير المخابرات الأردنية في «كيان الأكاذيب» واللورد بلاكوود في «شيرلوك هولمز»، فيقومون بعملية إنزال بحري مشابهة لما حدث في نورماندي أواخر الحرب العالمية الثانية، ولكن هنا تحلّ السيوف والسهام محل الدبابات والمدافع. يبرز روبن هود كبطل دولة وقائد لصدّ الغزو الفرنسي تحت قيادة الملك جون، لتنضج بعدها الظروف المفضية لبداية الحكاية الشعبية المعروفة. الملك الجديد استمرّ في سياسة الاستبداد والقمع وفرض الضرائب الباهظة على الشعب، فتأتي الجملة المعبّرة في نهاية الفيلم: «وهكذا تبدأ الأسطورة..».
لا يهم إذا كانت كل الأحداث التاريخية المذكورة وقعت حقيقةً مثل الإنزال الفرنسي أو حتى وجود روبن هود نفسه، فافتراض بعضها جاء لخدمة الإسقاطات المعاصرة التي أراد الفيلم أن يشير إليها. منها المقارنة المثيرة بين وضع الملك جون والرئيس الأمريكي باراك أوباما. كلاهما ورث تركة حكم مثقلة بالأخطاء والحروب التي أفلست الخزينة، وهو ما تضافر مع سياسة حكم خاطئة ونظام إدارة غير عادل، لتبرز أزمة اقتصادية عامّة كالتي يعيشها العالم حالياً. هي نظرة متشائمة نوعاً ما لعالم مضطرب عموماً، وهي من السمات العامة لأفلام مهرجان كان هذا العام الذي افتتح بهذا الفيلم تزامناً مع عرضه في الصالات العالمية.
من الأمور اللافتة في الفيلم كذلك هي توفيقه بين «توابل» شبّاك التذاكر من جهة، والعمق السينمائي غير التجاري من جهة ثانية، وهي أيضاً من عادات ريدلي سكوت الحميدة. الأكشن موجود والمعارك منفّذة على أعلى مستوى. لا بدّ من التشويق لجذب الجمهور. التكنولوجيا مستخدمة ضمن حدود معينة دون استعراض. ريدلي سكوت كالعادة يقدّم صورة مميزة زاخرة بالتفاصيل والإشارات، وبصمته المشهدية باتت معروفة بالألوان والحركة الرشيقة للكاميرا وتوظيف انفعالات الممثل المتفاعل مع الحدث الدائر على الشاشة لتعزيز انسجام المتفرّج مع الأحداث. صحيح أنّ «روبن هود» يظهر كبطل أوحد، ولكنّه بطل واقعي مليء بالتفاصيل الإنسانية والمشاعر والانفعالات. راسل كرو يمثّل بوجهه وعضلاته معاً، يصمت بحساب ويتكلّم في الوقت المناسب بهدوء أو انفعال. هو ليس بطلاً خارقاً في فيلم تجاري عابر، وقد باتت كثيرةً هذه الأيام، فمفهوم البطولة مختلف هنا. أداء الممثلين مدروس ومناسب للسياق. كايت بلانشيت ظهرت متآلفة مع بقية المجموعة بشكل لطيف، رغم أنّها عادةً ما تفرق عن زملائها بمستوى عال من الاندماج في الشخصية. يمكن الإشادة أيضاً بأداء ماكس فون سيدو لشخصية السير والتر لوكسلي رغم مساحته المحدودة، ونذكر أيضاً دوره الصغير والمميز بشخصية د. نارينغ ألماني الأصل في «جزيرة شاتر» لمارتن سكورسيزي.
يقول راسل كرو في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط: «فيلمنا يحمل قيمة ترفيهية كبيرة. لا، لم نتناول موضوع أفلام البوب كورن هذه، لأن غايتنا كانت إيجاد العنصر الإنساني في كل هذه الحكاية، والتركيز عليه، وحالما تفعل ذلك فإن شخصية البطل ومفهوم البطولة يتغير تلقائياً أو هو مختلف في الأساس. طبعاً كان لا بد من استخدام المؤثرات في عدد من المشاهد. لكن لا شيء من ذلك كان بغرض التدخل في القصة، وتحويل الفيلم إلى استعراض تكنولوجي. ريدلي استخدم المؤثرات بالطريقة ذاتها التي استخدمها سابقا في المصارع، أي من دون طغيانها على الفيلم نفسه. وبين الفيلمين نحو عشر سنوات تطورت فيها هذه التقنيات إلى حد بعيد. ربما كان لدى مخرج آخر استعداد أكبر لذلك، وربما في هذه الحالة لم أكن سأوافق على تمثيل الفيلم».
بطاقة الفيلم:
سيناريو: برايان هيلغيلاند.
إخراج: ريدلي سكوت.
موسيقى: مارك سترايتنفيلد.
التصوير السينمائي: جون ماتيسون.
المدّة: 140 دقيقة.
الميزانية: 200 مليون دولار.
عام الإنتاج: 2010
تمثيل: راسل كرو – كايت بلانشيت – ويليام هيرت - ماثيو ماكفادين – مارك سترونغ – داني هيوستن – كيفين دوران – مارك آدي - ماكس فون سيدو.
المصدر: جريدة «شرفات الشام».
علي وجيه
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |