زيارة إلى.. نبيل سليمان / زاره
2009-05-13
- الأيديولوجية مفهوم هام، ولم أحسب نفسي يوماً على أي قائمة أو جماعة..
- لم أستبدل الطربوش الماركسي بغيره كما فعل الآخرون..
- هذه أبرز مشاكل الأدباء الشباب..
- متى تلغى الرقابة المسبقة على الكتب..؟!!
- كأن هناك بروداً في الحركة النقدية السورية..
- حالتي كان ميؤوساً منها بنسبة 100%، حتى أن أسرتي أبلغت بالاستعداد لاستقبال الخبر!!
- وليد معماري لنبيل سليمان: أيهما أشق عليك: الكتابة أم.. العشق؟
عند استقباله لك.. يشعرك الروائي نبيل سليمان بألفة محببة تجاهه منذ اللحظة الأولى، كاسراً كل حواجز الرهبة وفوارق السن والتجربة.. يعدّ لك بنفسه فنجاناً من القهوة الطازجة، ويجالسك بابتسامته الطفولية المحبّبة للنفس.. هنا ينساب الحوار تلقائياً..
اسمح لي بأن أبدأ من تكريمك من قبل وزارة الثقافة.. هل يرضي التكريم أنا الأديب أو المبدع؟
إلى حد ما يرضي نوازع أظنّها طبيعية.. فمن الجميل أن يُقال لك شكراً بعد سنين طويلة من النزيف والتعب.. بالنسبة لي، لم يكن الموضوع كله في خاطري أبداً، فإن جاء أهلا وسهلاً مع الشكر لمن بادر، وإن لم يحدث فلا مشكلة.
كان تكريمك عبارة عن ندوة نقدية كاملة على مدى يومين.. ما مدى استفادتك منها؟
مرّت بعض الإضاءات المهمة التي أفادتني بحق، فمثلاً زبيدة القاضي لفتت انتباهي إلى جوانب وأفكار جديدة في (مجاز العشق)، كذلك شهلة العجيلي التي اشتغلت على النسق الثقافي.
بو علي ياسين، هاني الراهب والياس مرقص أولى منك بالتكريم حسب قولك..
أولاً: نظراً للقيمة الكبرى التي يمثّلونها في الإبداع الفكري والروائي.. أعتقد أن بو علي ياسين والياس مرقص من أكبر المفكّرين العرب في العصر الحديث، وللأسف فقد ظُلما أيما ظلم.. هاني الراهب أظنه من أهم الروائيين العرب، وقد ظُلم أيضاً رغم ما نالته بعض أعماله من اهتمام.. وعموماً هناك مبدعون كثر على مستوى اللاذقية وسوريا عموماً أولى مني بالتكريم والاهتمام.
ما تعني بمصطلح النقد المتعاطف؟
هو أن ينطلق النقد -من حيث المبدأ- من محبة وتعاطف حتى لو كان الناقد مختلفاً مع ذائقتي الإبداعية، وهذا لا يعني التربيت على كتف الرديء، وإنما تشريحه والبرهنة على رداءته.. لا أن يأتي النقد من بغض وكره وأستذة وتوتر مسبق، وهو السائد -للأسف- في كثير من أعمالنا النقدية الصحفية والأكاديمية.
أمازلت ماركسياً؟
من الناحية الفكرية فقط، وهنا أحبّ أن أشدد على أني لم أعتبره يوماً عقيدة عمياء، ولم أتنكّر له أو أتنصّل منه أبداً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكواكبه، كما فعل كثيرون ممن بدلوا الطربوش الماركسي بالطربوش الإسلامي أو القومي.
أين أنتم الآن جماعة الأيديولوجية وأين أصبحت مواقفكم؟
لست مع هذا التصنيف، فهناك أيديولوجيات كثيرة منها الإسلامية والماركسية والقومية والليبرالية.. أظن أن البشرية لم تشهد يوماً حمى الأيديولوجية كما هي اليوم.. الضخ الأيديولوجي والصراع الأيديولوجي على أشده مع وجود قائدة العولمة أمريكا ومن يدور في فلكها.. بالتالي كل مَن يقول بموت الأيديولوجيا واهم، وكل من يعتقد أن الأيديولوجيا تفسّر كل شيء مخطئ.. أنا لا أحسب نفسي على أي قائمة أو جماعة، ولكن أؤمن أن الأيديولوجيا مفهوم هام علينا أن ندرسه ونهتم به، سواء في حياتنا السياسية أو الثقافية.
هل أصبحنا ننظّر لمجرد التنظير؟
ليتنا كنا ننظّر، فالتنظير له وزنه أيضاً.. ولكن كأن هناك بروداً في الحركة النقدية السورية على الرغم مما تحفل به جامعاتنا من أكاديميين، وصحافتنا من إصدارات وفيرة.. أظن أن ثمة تراجع في النقد التطبيقي الجامعي، وأن المحصلة النقدية ازدادت تواضعاً عن الفترة التي كان فيها عدد النقاد أقل بكثير، وأرجو ألا يكون هذا نوعاً من التباكي على الماضي، فأنا ضد ذلك في المبدأ.
من لفتك من الأصوات النقدية الجديدة؟
زبيدة القاضي وشهلة العجيلي.
في (مجاز العشق) عام 1998 عرّفت الرواية على أنها: مغامرة، خلق، كيمياء، شهوة، حياة، موت، أبواب مفتوحة.. ماذا يمكن أن تضيف الآن إلى هذه العناصر أو تحذف منها؟
ليس لي ما أضيف أو أحذف، فكل كلمة كنت أقصدها وتمثل جزءاً من روحي.
هل يروق لك نسبك إلى الحداثة وما بعد الحداثة؟
لا تهمني هذه التصنيفات عادةً، ولكن ما أعرفه أنني حريص جداً على تطوير أدواتي، وأتابع بما لدي من طاقة أحدث ما في نظريات النقد وخصوصاً الروائي، وأحاول التعلم والاستفادة من الجميع، كباراً وصغاراً.
إلى أي درجة تستمتع بتحطيم الأسس التقليدية في أعمالك؟
هو سعي واع وحثيث إلى الخروج إلى آفاق جديدة والتشكل الدائم ما دمت قادراً على الكتابة.
ما بقي من نبيل سليمان الطفل والشاب؟
بقي منه الكثير.. أحلام اليقظة، عشق البنات الجميلات، والإيمان بالمثل الكبرى.. ربما تجد ذلك في هذه الرواية أو تلك. الآن وأنا أجيبك أفكر أن التعبير عن هذا العنصر أو ذاك لم يستنفده، بل لكأنه يضاعف من قوة ملامح طفولية أو شبابية معينة لأن الجسد بدأ يتهالك، ولكن الروح أعتقد أنها أكثر فتوة من روح حفيدي ذو الستة أعوام!.
هذا يقودني إلى سؤال وليد معماري.. يسألك: أيهما أشقّ عليك: الكتابة أم.. العشق؟
طيب توسّط لي عنده لنستبدل كلمة أشق بكلمة ألذ!!.. الحقيقة أن كلاً منهما أكبر لذة ومشقة وجمالاً من الآخر.
يحلو للبعض تشبيه شخصيتك الروائية بشخصية صنع الله ابراهيم..
إذا كان المقصود بنقطة التقاطع بين شغله وشغلي هو التفكّر بالحياة اليومية وتمثيل الراهن فنياً، فهذا هم صارخ عند صنع الله وعندي كما الكثير من الكتاب.. ما عدا ذلك لا أعتقد بوجود نقطة تقاطع بيننا.. الطريقة التي يكتب بها صنع الله والمعتمدة على المبالغة في الأرشفة والتوثيق على حساب ما هو جمالي.. أنا أتحاشى هذا النوع من العمل رغم قيام جميع رواياتي على كم هائل من الوثائق، ولكن كان ولا يزال السؤال المعقد بالنسبة لي: كيف يمكن تسريد الوثيقة وتصريف المعلومة فنياً؟.. أظن أن صنع الله لا يتعب نفسه في هذا الأمر.. وأيا يكن، فهو قد اختطّ لنفسه أسلوباً خاصاً به.. وهذا غاية ما يتمناه أي مبدع أو أديب.
رصدت في (مدارات الشرق) تحولات مجتمع بأكمله.. كم استهلك منك العمل شغلاً واستنزافاً روحياً؟
أخذ مني شغلاً حوالي سبع سنوات من التفرغ شبه الكامل، وكنت أعمل يومياً 14 ساعة.. ولم أفكر لحظة بالحجم أو عدد الأجزاء.. كنت أكتب وأتلذذ على الرغم من صعوبة البداية والعودة إلى مئات المراجع والكتب والمجلات التي كان بعضها محتجباً وذاكرة مسنين كثر.. كان مشروع عمر بحق.
ألم تخش بعده من الموت الأدبي؟
مشروع العمر لا يعني عدم وجود مشروعات أخرى، والحياة خصبة دائماً لا تتوقف عند مشروع أو اثنين، ولو كان كذلك لتركت الكتابة أو انتحرت.. والحقيقة أن رواية (أطياف العرش) التي كتبتها بعد (مدارات الشرق) هي التي أنقذتني من موت ما.. موت الكتابة أو موت الجسد.
بعد الأزمة الصحية الأخيرة.. هل تفتقد الطائرة وأنت المشهور بالسفر والترحال؟
تصالحت مع الطائرة ومع أشياء أخرى ليس من بينها الرواية حتى الآن.
لماذا كل هذا الأسفار؟
أعتقد أن هذا جزء من تكويني الروحي كوني نشأت بين أسرة متنقلة وعملت في أمكنة كثيرة، فكل مكان يفعم روحي ويشمني بوشم خاص به.. أذكر أني سافرت إلى مصر لأول مرة عام 1971 ولم أتصل بكاتب على الإطلاق مع أنه كان عندي رواية، وأذكر أني ذهبت إلى مقهى ريش يومها، وصادف وجود نبيل محفوظ هناك مع شلة الخميس، فجلست أتفرج عليهم من بعيد!.. لا أسافر دوماً من أجل مهام أدبية، وإنما أصبح لبعض المدن مكانة خاصة في روحي، فمثلاً البعد عن القاهرة لوقت طويل يشعرني بالألم.. ناهيك عن بعض الصداقات وحب الحياة واستكشاف البلدان بألقها وأوساخها وبناتها الحلوات وما إلى ذلك.. وهذا في رأيي أهم بكثير من جلسة أو ندوة يحضرها عتاة النقاد والمفكرين.
في جوانية نبيل سليمان.. هل نلمس خشية الموت؟
مَن حولي يعرفون أنني لم أفكر بالموت لحظة واحدة منذ بداية الأزمة، مع أن حالتي كان ميؤوساً منها بنسبة 100%، حتى أن أسرتي أبلغت بالاستعداد لاستقبال الخبر.. ولكن الموت لم يخطر في بالي على الإطلاق.
اذكر لي خمسة روائيين يستفزونك إلى درجة الغيرة..
أغار من لغة رجاء عالم.. ماركيز في (الحب في زمن الكوليرا) فقط.. بهاء طاهر وذاك الحنان الفائض في رواياته الذي لست أدري من أين يأتي به، ولو أن رواياتي فيها شيء من حنانه لكانت أجمل.. تحسين يوجل في (الأيام الخمسة الأخيرة لرسول).. هاني الراهب في (وباء).
ما أبرز مشاكل الروائيين الشباب؟
هناك درجة أعلى فأعلى من الاستسهال، وهذا ما اتفقنا عليه صدفةً سعيد يقطين وأنا.. التسرع، اللهاث، واصطناع وهم الخصومة مع الكتاب الكبار عند بعضهم، فهذه واحدة من الكذبات التي تغري الشباب.. كما أن بعضهم يظن أن الكتابة عن القضايا الكبرى فات زمنها، وأن الأهم هو الحديث عن هموم الذات، كأن لا علاقة لها بالحاويات أو المجارير التي تصب في البحر، وعجز الشاب عن دعوة صديقته إلى عشاء أو حفل ما..
من لفتك منهم؟
يحضرني الآن سمر يزبك وروزا حسن وعبير إسبر.
يُعرف أنك من مشاغبي المجتمع المدني.. كيف ترى الآن حرية التعبير والرأي في سوريا؟
الهامش أرحب والوضع أفضل، ولكن نطمح إلى حريات أكثر وأكثر على مستوى الصحافة والكتابة والعروض الفنية..
ما هو المطلوب بالضبط؟
سأعيد الآن ما طلبته قبل أكثر من 10 سنوات في كتاب وقّع عليه وليد إخلاصي وحسين العودات، وقدم إلى مؤتمر لاتحاد الكتاب العرب آنذاك.. أن تلغى الرقابة المسبقة على الكتب، وعدم تحويل القضايا والدعاوى إلا إلى القضاء العادي، إضافةً إلى تعديل قانون المطبوعات الذي لم يرضِ أحداً..
كلمة أخيرة للشباب السوري..
دعوة للفرح ودعوة للثقافة.
زاره: علي وجيه
[email protected]
المصدر: الملحق الثقافي لمجلة (شبابلك).
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |