روايات مصرية للجيب.. الروايات الأكثر شعبيةً وانتشاراً بين الشباب العربي
2009-05-15
منذ بدء صدورها عام 1984 في مصر، حظيت (روايات مصرية للجيب) بانتشار واسع بين اليافعين والمراهقين على امتداد الساحة العربية كما لم يحدث مع أي إصدار شبابي آخر، وراح الملايين ينتظرونها بمنتهى اللهفة والترقب، حتى بات صدور كتيب جديد من إحدى سلاسلها الشهيرة مثل (رجل المستحيل) أو(ما وراء الطبيعة)، يعتبر حدثاً وخبراً سعيداً يتناقله محبّو هذه السلاسل ذات الشعبية الساحقة..
فما هي (روايات مصرية للجيب) تحديداً؟ وكيف استطاعت غزو عقول ملايين الشباب في عصر الإنترنت والفضائيات والاهتمامات البعيدة عن القراءة والمطالعة؟..
البدايات..
في بداية الثمانينات فكّر حمدي مصطفى صاحب (المؤسسة العربية الحديثة) للنشر التي تصدر أيضاً كتب (سلاح التلميذ) الشهيرة، بإصدار سلاسل روائية للشباب العربي بأحداث محلية وبيئة عربية وأبطال قادرين على منافسة نظرائهم الأجانب مثل جيمس بوند وفلاش جوردان وسواهم، والترويج لقيم هذه المنطقة بلغة وعادات أهلها، ليكونوا بالنسبة لأبناء الجيل الناشئ بمثابة أيقونات يسعون لاتّباعها ومجاراتها في المبادئ والقيم..
أعلن مصطفى عن مسابقة لاختيار الكتّاب الموهوبين القادرين على حمل هذه المسؤولية، فكان نبيل فاروق الطبيب المقيم في عيادة ريفية متواضعة آنذاك آخر المتقدمين بقصة خيال علمي تحمل اسم (الأشعة ضاد)، تتحدث عن مصر في حقبة مستقبلية وتتفاءل بقوتها وتقدّمها، ضمن إطار قصص مشوقة من الخيال العلمي بطلها نور الدين محمود ضابط (المخابرات العلمية المصرية)، الذي يواجه الألغاز العلمية وأعداء الوطن ويتفوق عليهم بعبقريته النادرة وقيمه المثالية.. فتحمّس حمدي مصطفى بشدة وصدرت سلسلة بعنوان (ملف المستقبل) بعد تعديل عنوان القصة الأولى إلى (أشعة الموت).
رجل المستحيل..
لم يلبث نبيل فاروق أن أطلق سلسلة مماثلة عصرية الأحداث بعنوان (رجل المستحيل)، عن رجل مخابرات مصري فريد من نوعه اسمه أدهم صبري، ينجح في مجابهة أعتى أجهزة المخابرات والمنظّمات الإجرامية في العالم تحت علم مصر، وغني عن الذكر أن أدهم رجل مثالي إلى أقصى حد، متدين لا يدخّن ولا يقرب الخمر والنساء، ولا يقصد قتل أعدائه الكثر إلا عند الضرورة القصوى، دون أن يمنعه ذلك من حب زميلته الرقيقة منى توفيق التي تشاركه معظم عملياته الخطيرة.
اعتقد الجميع أن أدهم صبري هو المعادل الموضوعي العربي لشخصية جيمس بوند الشهيرة، خاصةً أن فاروق لم يخف تأثره بالبطل الإنكليزي وإعجابه الشديد بمبتكره ضابط المخابرات البريطانية الشهير (أيان فلمنج)، حتى جاءت المفاجأة الصارخة في الكتيب رقم 25 من سلسلة (كوكتيل 2000) التي يكتبها فاروق أيضاً وتصدرها نفس المؤسسة، عندما أعلن عن علاقته بجهاز المخابرات العامة المصرية التي زودته ببعض ملفاتها، وسمحت له بلقاء أسطورتها (أ. ص) الذي حقق نجاحات باهرة أيام عمله، حتى أنه لم يُهزم في حياته قط.. كل هذه العوامل ضاعفت من شعبية السلسلة حتى تحول أدهم صبري وكوده (ن-1) إلى أسطورة حية، ونبيل فاروق إلى كاتب الشباب الأول في الوطن العربي، مما شجّعه على إصدار مزيد من السلاسل المشابهة مثل (فارس الأندلس) التي تتحدث عن أمير شاب يتصدى للقشتاليين في أواخر أيام العرب في الأندلس، و(فاي) ببطلها ضابط الصاعقة الذي فقد ذاكرته وانضمّ للمخابرات المصرية، و(العقرب) التي تحكي مغامرات محامٍ يتصدّى لقوى الشر في مصر بأساليبه الخاصة عندما يعجز القانون، إضافةً إلى (سيف العدالة) و(سلسلة الأعداد الخاصة) و(زووم) و(بانوراما) التي نشرها بشكل منفصل أو ضمن سلسلة (كوكتيل 2000) أقرب السلاسل وأحبها إلى قلبه، لأنها تمنحه مساحةً حرةً للتواصل المباشر مع "أصدقاء الورق" كما يصف قرّاءه.
التراجع..
وقع نبيل فاروق في الشرك التجاري الذي يطالبه بحجم عمل معين وفق ما يقتضيه الاتفاق مع الشركة الناشرة، فتكررت الأحداث وأصبحت متوقعة ونمطية، ولم يعد العدد التالي مترقباً كالسابق، مما دفع بفاروق إلى الإقلال من معدل الإصدار حتى وصل أحياناً إلى كتيب واحد في العام، وحاول إنهاء سلسلتيه الشهيرتين (رجل المستحيل) و(ملف المستقبل) أكثر من مرة، إلا أنه كان يعود دائماً تحت ضغط القرّاء والمتابعين لحسم بعض الأحداث الرئيسية على الأقل، مثل علاقة أدهم بمنى ومصير ابنه المختفي في (رجل المستحيل)، أو عودة محمود إلى فريقه وأصدقائه من نهر الزمن، وهوية الشخصية الغامضة التي ظهرت باسم أمجد صبحي في (ملف المستقبل).. وهكذا استمرت السلسلتان اللتان تصدران بالتوازي بعد الكتيب 100، ثم بعد 134، ثم بعد 150، إلى أن وصل الرقم إلى 159 (رجل المستحيل) و158 (ملف المستقبل) عند كتابة هذه السطور، في مغامرات أخيرة لا بأس بمستواها، يبدو أنها ستحسم كل الخيوط المنفلتة هذه المرة وستنهي السلسلتين الشهيرتين، حتى أن العدد رقم 160 من (رجل المستحيل) يحمل عنوان (الوداع)..
طبعاً لا يمكن إغفال بعض العوامل الأخرى التي أدّت إلى انخفاض السويّة عند نبيل فاروق، مثل الأزمة الصحية الحادّة التي تعرّض لها وانشغاله بالسينما والتلفزيون، فكتب مسلسل (العميل 1001) الذي قام ببطولته مصطفى شعبان، وفيلم (الرهينة) الذي مثّله أحمد عز مع ياسمين عبد العزيز منذ سنوات قليلة..
عالم الجاسوسية..
يُعتبر نبيل فاروق من الكتّاب القلائل الذين تمكّنوا من الاطّلاع على ملفات المخابرات المصرية العتيقة، وتوثيق العمليات المنتهية التي أفرج عنها الجهاز، كما فعل الراحل صالح مرسي في (رأفت الهجان) و(الحفّار) و(الصعود إلى الهاوية)، وماهر عبد الحميد في (قصص من قلب إسرائيل)، فأصدر سلسلة تعدّ الأولى من نوعها في الوطن العربي بعنوان (حرب الجواسيس)، ضمّت عمليات للمخابرات المصرية وقصصاً من ملفات الجاسوسية العالمية، إضافةً إلى علم الجاسوسية ومصطلحات عالم المخابرات السري وحيثياته المسموح بتداولها.
إذاً: مزيج هو من الروايات "الزاخرة بالأحداث المثيرة" كما تصف نفسها، والغوص في تيمات جاذبة للشباب مثل الجاسوسية والألغاز العلمية غير المفسرة، بأسلوب علمي شيق معتمد على المراجع والموسوعات العالمية الجادة..
طبعاً بالإضافة إلى السلاسل الأخرى الناجحة..
خالد الصفتي..
رسّام وقاصّ أصدر مع (روايات مصرية للجيب) سلسلتي (كوميكس) لاقتا نجاحاً كبيراً هما (فلاش) و(سماش)، اعتمدتا ألعاب الذكاء واللهجة الشعبية في تقديم طرح نقدي بسيط، عبر شخصيات أحبّها القراء مثل ميدو والبحار الغبي ولماضة والدلمجوني وغيرهم، فكان ذلك حافزاً لإصدار أعداد خاصة وكتيبات إضافية لم تكن أقل نجاحاً.. وفقط عندما تصوّر الجميع أنه لم يعد لدى هذه المؤسسة ما تقدّمه، جاء طبيب آخر ليعيد تشكيل الأمور من جديد اسمه أحمد خالد توفيق.
أحمد خالد توفيق..
قدّم أحمد خالد توفيق ثلاث سلاسل روائية ناجحة بدايةً.. (ما وراء الطبيعة) التي تغوص في أغوار الرعب وأجواء الميتافيزيقيا من خلال بطلها العجوز الساخر طبيب أمراض الدم رفعت اسماعيل، الذي يمتلك معرفةً موسوعيةً ولساناً ساخراً جعله ينافس أدهم صبري من (رجل المستحيل) في شعبيته لدى القرّاء، ذلك أن توفيق ابتعد عن الرؤية النمطية للبطل المغوار مفتول العضلات الذي يجابه الأهوال ويقهرها، بل قدّم طبيباً بسيطاً أبعد ما يكون عن الشجاعة والإقدام، يجد نفسه وسط المصاعب رغماً عنه أو بالصدفة البحتة.. (سافاري) تحكي عن طبيب يجاهد للنجاة وسط أفريقيا ما بين الأمراض النادرة وصراع القبائل والمتمردين، و(فانتازيا) التي تقوم بطلتها بمغامرات خيالية في عوالم القصص والروايات.
ما يميّز أسلوب أحمد خالد توفيق ومكّنه من اكتساب شعبية هائلة خلال زمن قياسي، هو تعبه الواضح في جمع حيثيات القصة والتقصي عن عالمها في مختلف المراجع العربية والأجنبية، لإحكامها والوصول بها إلى درجة عالية من الدقة والمحاكاة، حتى أنه يضع لائحة بالمصادر التي عاد إليها في نهاية كل كتيب من سلسلة (فانتازيا) مثلاً.
لاحقاً أطلق توفيق سلسلة رعب أخرى لليافعين بعنوان (رجفة الخوف) تعود بالقارئ إلى قصص الرعب الأصلية، والخوف البدائي الذي يبعث القشعريرة والرجفة دون سبب مادي واضح.
ختاماً..
لاحقاً انضمّ شباب كثر إلى طاقم المؤسسة التي رعتهم بدايةً في سلسلة (سلّة الروايات)، قبل أن يُصار إلى إصدار المميز منها بشكل مستقل، مثلما حدث مع سلسلتي (لوتس) و(مغامرات س) للكاتب الشاب محمد سليمان عبد الملك، وبهذا الذكاء يسعى حمدي مصطفى لضمان استمرارية مؤسسته وتواصلها مع جمهورها الشبابي العريض..
لا نملك هنا رفاهية التحليل العميق الذي تستحقه سلاسل واسعة الانتشار كالتي مررنا عليها بسرعة، ولكن ما يهمّنا حقاً هو واقع ثقافتنا السورية الذي أغفل مثل هذا النوع من الإصدارات، وأهمل توجّهات كفيلة بإعادة كثير من الشباب إلى ممارسة متعة القراءة من جديد.. وبالتالي لا نملك حقاً شرعياً في استغراب اهتمام الشباب السوري بإصدارات آتية من الخارج، تصطبغ بما يروق لأصحابها من أفكار وهموم على حساب أي شأن محلي آخر.
علي وجيه
[email protected]
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |