بين اللاذقية وأفنيون كيف تتحوّل «سيدة المهرجانات المسرحية» إلى عاصمة مسرحية للبلاد؟!!
2009-06-14
سجيع قرقماز
مهرجان المونودراما المسرحي الخامس.. مهرجان الكوميديا المسرحي الثالث.. النشاط المسرحي في مهرجان ملامح أوغاريتية العاشر.. المهرجان المسرحي الجامعي الفرعي الثاني.. مهرجان نقابة الفنانين الثاني.. مهرجان الشبيبة المسرحي الفرعي السنوي.. النشاط المسرحي في مهرجان المحبة السنوي.. عروض المسرح القومي والمركز الثقافي والمسرح الجامعي الدائرة على مدار الموسم.. هذه عناوين المهرجانات المسرحية التي استوعبتها (أو ستستوعبها) اللاذقية هذا العام رغم صغر المدينة وتواضع إمكاناتها وقلة عدد المسارح فيها..
تاريخياً..
بالعودة للوثائق نجد أن للمهرجانات والتجمعات المسرحية في اللاذقية حكاية عتيقة يعود إلى أصولها سجيع قرقماز، الذي قام بتجميع توثيقي مع عدنان السيد استخدم لاحقاً في كتاب نفّذه الأخير مع سهير بنشي.. فجاء في مقال لقرقماز بعنوان (الفرق والأندية المسرحية في اللاذقية) نُشر في مجلة (كومّيضة) التي صدرت عن مهرجان الكوميديا المسرحي الثالث: «في الثلاثينات تكوّنت النواة الأولى لبعض الأندية الفنية والثقافية في اللاذقية. ونشطت هذه الأندية في سيبل خلق نهضة فنية لم تكن موجودة من قبل، خاصة وأن هذه الأندية تأسست بتأثير الفرق الزائرة من ثقافة فنية، موسيقية ومسرحية، مما دفع سكان اللاذقية إلى الاهتمام بالمواهب الموجودة، وجمعها في فرق وأندية قدمت خدمة فكرية وثقافية كبيرة إلى اللاذقية. في عام 1934 تأسس النادي القومي.. عام 1944 تم تأسيس نادي التمثيل السوري.. تأسست الفرقة السورية للمسرح والسينما عام 1952.. في عام 1955 تأسس نادي الفنون الجميلة.. نادي النجمة 1945 - 1946.. في عام 1952 شُكّل نادي نجوم الساحل السوري.. نادي العمل الثقافي تأسس عام 1965.. تأسس نادي توجيه الناشئة عام 1959.. نادي هواة المسرح عام 1959 قدّم حفلاً فنياً في مصح القدموس وشارك في فيلم كفر قاسم والحدود.. جمعية النهضة السورية تأسست عام 1956.. تأسست بالمركز الثقافي العربي باللاذقية فرقة مسرحية تحت اسم فرقة المسرح القومي للهواة بمسابقة رسمية.. في عام 1969 شكلت فرقة الأصدقاء للمركز الثقافي.. في نهاية عام 1979 تأسست فرقة المسرح الجامعي.. في عام 1986 صدر قرار بإحداث فرع لنقابة الفنانين باللاذقية.. فبادرت إلى تشكيل تجمعات فنية مسرحية باسم: تجمع الساحل للفنون - تجمع فرقة مسرح الكاريكاتور - تجمع فرقة أوغاريت للفنون..».
رغم أهمية تلك التجمّعات من الناحية التأسيسية والتاريخية، إلا أنها لم تخرج عن إطار المحاولات والتجريب غير الممهنج بدليل توقف معظمها بعد فترات محدودة، كما أن موضوعاتها بقيت في الإطار القومي الموجّه والمتأثّر بحيثيات المرحلة وتقلباتها السياسية (الموت لليهود - أقوى من القدر - لن يمروا..)، أو الشعبي الخفيف (الحقني يا دكتور - أبو صطيف..) مع بعض التنويعات العالمية.. فلم يفلح حراك تلك الحقبة في الولوج فعلياً إلى آليات ترسيخية سليمة.
فكرة المهرجانات المسرحية بدأت عام 1983 من خلال مهرجان الشبيبة الفرعي في اللاذقية، في حين لم يقلع مهرجان اللاذقية المسرحي الأول حتى 8 نيسان 1997 تلاه الثاني في 15 نيسان 1998، ثم غاب المهرجان لأسباب مجهولة حتى 10 نيسان 2002، ليتوقف تماماً حتى الآن دون أية مسوغات مقنعة..
ثورة المهرجانات المتخصصة..
اندلعت هذه الثورة عام 2005 مع مهرجان المونودراما الأول للبيت العربي للرسم والموسيقا بإدارة ياسر دريباتي، وتمكّن المهرجان من الاستمرار والتطور نسبياً حتى دورته الخامسة التي انطلقت في 25 من الشهر الفائت، تلاه بعد عامين مهرجان الكوميديا الأول لتجمّع القباني بإدارة لؤي شانا، الذي استقى الفكرة من مهرجان أصفهان في إيران بعد مشاركته فيه بعرض (موت موظف)، فجلب معه خمس جوائز ذهبية وفكرة المهرجان الأول من نوعه في الوطن العربي.. وهنا لا بد من لحظ سمعة المهرجان الآخذة بالاتساع عربياً ودولياً بدليل مشاركة فرق من تركيا والأردن ومصر وغيرها، وأهمية الكوميديا كنوع قادر على إعادة العائلة والشباب إلى كراسي المسرح مجدداً، مما يفرض مسؤولية مضاعفة على شانا ورفاقه.. وهكذا توالدت بقية المهرجانات التي أشرنا إليها في البداية باستثناء العريقة منها طبعاً..
أسباب هذا الحراك عديدة من وجهة نظر القائمين على المسرح اللاذقاني، الذين يرون أن اللاذقية باتت بالفعل عاصمة مسرحية حقيقية مع مراعاة اختلاف الأسباب ونوايا المسؤولين عن ذلك.. يقول هاشم غزال مدير المسرح الجامعي في جامعة تشرين عن هذه النقطة: «هذا صحيح.. اللاذقية باتت عاصمة مسرحية، والأسباب عديدة: عدد المسرحيين الكبير في المحافظة التي تتسع للجميع، فدمشق أصبحت عاصمة تلفزيون الذي يتجّه إليه الجميع من أجل الكسب المادي، لأنهم يعلمون أن المسرح «ما بيطعمي خبز».. المجموعات الرائدة التي أسّست لمسرح حقيقي في اللاذقية تكاثرت ونتج عنها مجموعات تكاثرت بدورها وهكذا..».
مديرية المسارح والموسيقا «تدّعي» توفير دعم مالي للمهرجانات إضافةً للبروشورات والمكان وتسهيل الأمور الإدارية، إلا أن البعض يشكّك ببند الدعم المالي تحديداً وينفيه تماماً، وهذا ما حدث في مهرجان الكوميديا الأخير عندما أكّد لنا د. عجاج سليم مدير المسارح في حوار خاص أنه «بصفتنا مديرية المسارح والموسيقا الممثلة لوزارة الثقافة، نتكفل كل عام بالمكان والمطبوعات والأمور التنظيمية والإدارية ودعم مالي لمساعدة المهرجان الذي نتمنّى له التطور والاستمرارية».. لكن ما حصلنا عليه من كواليس المهرجان يبيّن أن المديرية لم ترسل دعماً مالياً لهذه الدورة إطلاقاً..
يقول د. عجاج سليم عن طرح العاصمة المسرحية: «هذا حقيقي ولافت حقاً، وأعتقد أنه عائد لعدة أسباب موضوعية كرّست هذه الحالة المسرحية الجميلة في اللاذقية التي نعتبرها مدينة كل السوريين.. أولاً الأثر التراكمي الناتج عن وجود مهرجان المحبة العريق، والمناخ الكرنفالي الاستثنائي الذي يولده كل عام.. ثانياً حماس عدد كبير من الموهوبين في الكتابة والتمثيل والإخراج والآن في التنظيم والإدارة.. وثالثاً الجو الاجتماعي المنفتح وطبيعة الناس التي تحب الثقافة والاحتفال.. اللاذقية مدينة مهيئة للسهر والحياة فعلاً».
مطالبنا..
إذا كان هناك إمكانية مبدئية لتصير اللاذقية أفنيون أخرى (مدينة فرنسية صغيرة تتحوّل بالكامل إلى كرنفال ثقافي - فني سنوياً في شهر تموز)، فإن تكرار المطالب العديدة -لكن القابلة للتنفيذ- يصبح طقساً ضرورياً مع كل مناسبة:
· العمل على ترسيخ مفهوم العاصمة المسرحية وتسويقه محلياً وخارجياً.
· إحياء مهرجان اللاذقية المسرحي وإعادته إلى الواجهة مجدداً.
· إنشاء مجمّع ثقافي متكامل ومستقل في المدينة الرياضية، يكون حاضناً متطوراً وحضارياً للتظاهرات المختلفة، خاصةً مع النشاط الثقافي المتنامي في اللاذقية والحاجة الماسّة إلى مثل هذه الفسح والمساحات.
· الالتزام الفعلي بإنهاء ترميم المسرح القومي خلال الفترة المحددة.
· عمل دورات متخصصة ومتطورة بالتنظيم والإدارة للعاملين في هذا المجال، نظراً لـ «الكوارث» التنظيمية التي تقع في كل حدث.
· الاستعانة بشريك إعلامي قوي قادر على تسويق المهرجانات عربياً ودولياً، كما حصل في مهرجان القلعة والوادي الذي رعته شبكة روتانا إعلامياً.
· التيقن تماماً من سوية العروض الخارجية قبل استقدامها، نظراً للمستوى الهابط الذي أبدته معظمها.
أخيراً..
هذا الجمهور المتابع يستحق، والمدينة قابلة لأن تكون مؤهلة كفاية.. فلمَ لا؟!!
المصدر: الملحق الثقافي لمجلة (شبابلك).
مرسلة من الكاتب
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |