قصة / نصف امرأة
2009-06-22
أجلس معها عند المساء. صمت وهسيس أفكار مطفأة، رماد أفكار..
سكون وسهوة..
لا أدري ماحدث بيننا، كنت أريد أن يستمر حبنا.
إما أن يستمر وإما أن أهجرها، أفكر، لكن في كل مرة اقرر الهجر كانت تخطط كي تقوضه.
دقت الساعة ورنت في أذني مثل رنين الضبع، فجعلتني صورة الضبع اخاف قليلا حتى انتهي إلى أن أنتبه وأن الخوف هو توهم ولا وجود للضبع. لكن لم يكن الرنين "أنتبه أن الخوف هو خوف توهم" لقد كان من جراء وجود منبه في التلفون. لم يكن الساعة بل كان التلفون حتى أنني أكره التلفون
لأن لا مكالمة منه لي
لأن لا نفس لي على رفع سماعته من دون رضاها
لأن هناك تحرزا من وجع الرأس وأنها تراقبني وتمنع عني المكالمات.
تقف فوق رأسي عاقدة ذراعيها الجميلتين. مرة قلت لها أحب ذراعيك الجميلتين، تعقدهما بشهوة كي تسألني مع من كنت هل هناك ثمة امرأة في الموضوع؟ بالطبع لا اقدر أن أقحم امرأة في الموضوع فهي بغيرتها سوف تكدر معيشتي.
ياحبيبتي لا أحد لي في هذا العالم سواك. هذه الجملة أكررها حتى أضجر ولا أدري كيف أفكر في جملة أخرى متجانسة وتفي الموضوع حقه.
رن جرس التلفون، فقالت لي حين رأتني أقفز من غفلتي: ارفع السماعة وشوف من هو.
فرفعت السماعة وأنا أنظر إليها وهي تنظر إلي: كان الصوت مألوفا..صوتا أجش له تركيبة موسيقية منتظمة.
من تريد؟
لم أقل من تريد فأنا أعرف من يريد، لقد قلت له بصوت خفيض: أيوا!
فقال، نعم هل هي موجودة، قل لها أن تحمل أغراضها وتأتي.
فقلت لها "دمدمة": مرة أخرى يريدك. عليك أن- تذهبي- تتقطعي وتذهبي- امرأة مقطعة- تتركي هنا وتذهبي هناك فهو يريدك وعلي أن أصبر كعادتي. فرفعت صوتها تسأل باشمئزاز: تصبر؟! ماذا تعني بكلمة تصبر؟ لقد هزتني فدمدمت بكلمة غير مفهومة تحمل اعتذارا يطوي الأمر كله.
قالت بعد أن رأت علامات الحزن في وجهي، ياعيني تحمّل ثم قالت بغنج شوف أريدك أن تطبخ طبخة ممتازة هذه المرة، فأنا جائعة لطبق لذيذ من تحت يديك. وجعلني مرحها وحبها لطبخي انتعش.
متى تعودين؟
لا أدري..أنت اطبخ وخلاص.
حاضر، هل ستتأخرين؟
أنت تقريبا غبي، كم مرة تسأل السؤال نفسه، قلت لك لا أدري.
سوف أفتقدك، لقد مر أسبوع كما تعلمين من دون..
فلم تسمع ما قلته، حملت أغراضها وفتحت باب الشقة ونزلت الدرج – ثلاث درجات ثم على الأرض ثم فتحت باب السيارة ثم على الأرض. سمعتُ صوت المحرك على الأرض يجأر بفرح أو بلهفة كي يصل وهي أيضا في قلبها انتظار وشعلة وشعر وقصص مئوية. قالت قبل أن تمضي – اطبخ ثم قالت ايضا وهي تبحث عن مفاتيح السيارة تحت أوراق مكدسة على طاولتها فهي تحب أن تكدس الأوراق وتبني منها فوضى، دوما تعجبني فوضاها وكلما أرى الفوضى على اوجها، فوضى تصرخ وتجري في كل أنحاء البيت اسألها، هل أنهيت كتابة القصة؟
قالت لي وهي تهز المفاتيح بيد وتشير بالأخرى الى رزمة أوراق على الطاولة: شوف، لو أنك تنقل الذي كتبته على الكومبيوتر.. ذلك حين أعود سيكون كل شيء جاهزا.
سمعت السيارة. وخلـّف ركضها وهي تنزل الدرج انطباعا بالرحيل والفقد، كالاظلال التي تترك حائطها تذيبها الشمس المتوهجة، ثم صوت السيارة، ثم للعجلات أيضا لوعة وهي تقبض على أسفلت الطريق وتفلت منه بإعجوبة تدور. العجلة تدور فتتحرك العربة بأربع عجلات وهمية متصدعة.
الهدف منها أن يسير الحصان!!
فبقيت وحدي في البيت. سكون وهجوع، وصوت الوحدة قاتل لكنه يبعث في قلوب الحكماء التأمل.
فكرت بالطبخ الذي سوف يسعدها. ووضعت جدول أعمال، الطبخ ويتخلله طبع القصة على الكومبيوتر.
حين تعود ستشرق الدنيا وتملأ البيت مرحا وحياة.
إلا أن قلبي مليء بحلكة انسكبت سوادا وعتمة ولا تستطيع الشمس الظاهرة في كبد السماء أن ترفع كلف الليل عني. لأنني على علم يقين أن هذه المرأة قد ضاعت من يدي ولم يعد لي امرأة. هي لذلك الرجل الذي يهاتف كل مرة: لترفع اغراضها وتأتي.
لم يعد الأمر يزعجني كما كان أيام زمان، لقد تأقلمت. ومع أنني أحاول أن أرضيها لا لشي بل لأكف قليلا من غضبها فرأسي لم يعد قادرا على تحمل الانزعاج والزعيق. انفذ رغباتها من أجل راحتي وليس من أجلها. حيث الحب الذي انهار بيننا لم يكن بسبب ضعفي، كنت أيام زمان أقترب منها وأرفع ساعدي مثل ابطال رفع الأثقال لكنها حين تراني تدفعني بقرف.
وتلعب معي لعبة شد الحبل فحين تجدني حزينا وأفكر بهجرها كانت تغير طريقة تعاملها حتى أهدأ.... والقصة بيننا طويلة.
الآن علي الاهتمام بالأمر العملي وهو الطبخ ثم الطبع فأنا مشغول.
حضرت دجاجا ورزا. لكن لم يكن هناك ماء في الصنبور لم يكن هناك ماء في البيت فرفعت السماعة كي اهاتفها وأسألها أين وضعت سطل الماء؟
هاتفتها، ومرة أخرى جاء صوته – رفع السماعة وقبل أن يجبيبني سمعته يسألها.... فقاطعته قائلا: أريد أن اكلمها عن سطل الماء.
كان سطل الماء أمامي لكنني لم أره، فقالت لي هل أنت أعمى؟
كيف لم أره، هل أنا أعمى؟
ثم بدأت بالعمل، سوف أحضر لها طبخة دجاج لذيذة تجعلها تندم على حبها الأكثر له وحبها الأقل لي.
جاء الليل ولم تحضر، انتهى الليل وذهبتُ في نومة طويلة تخللتها كوابيس وأصوات وطقطقة.
سمعت صوت طائرة ثم صوت دبابة.
بالطبع كان الحلم ثقيلا وكوابيس الكراهية في صدري والدونية والانحطاط المعنوي يرسمني خيالا على الدرج النازل.
طبعا، مرة حلما ومرة ليس حلما.
لا أدري فالعالم تغير وراح يدور. لكن الصوت كأنه من خلف النافذة كأنه في السماء.
نمت قليلا ثم استيقظت. سمعت صوت طيور الصباح. والشروق الواضح المنعش والماء البارد حين غسلت وجهي ورفعت إليه منشفتي الثقيلة البيضاء التي حين غسلتها الاسبوع الماضي وضعت فيها عطر زهر الكرز. ثم شعرت بالفرح وبانتهاء الانحطاط الذي هبط يوم امس. يجب أن أذهب الى العمل وأحاول أن أعود مبكرا قبل أن تأتي كي انهي ما طلبته مني.
لكن لم أذهب إلى العمل. كان هناك ضجيج في الخارج.
ثم جاءت- فتحت الباب ودخل نصفها. دخل نصفها. نصف وجه ونصف بطن ..نصفها.
أين نصفك الآخر؟ هكذا سألتها وعيني لا تصدق ما ترى.
لم تجب كعادتها، دخلت الى غرفتها وهي تنتحب. فركضت نحوها كي أرى ما الذي جرى.
هل تحرش بك أحد في الطريق؟ هل اغتصبك مجرم وأنت عائدة؟ هناك اسئلة كثيرة في رأسي، فقط اسئلة.
لكن الضجيج تصاعد وصار يقترب. ففتحت الباب كي أرى ما الذي يجري في الخارج.
رأيت بوضوح دبابة واقفة في وسط الشارع، فعدت اسألها، هناك دبابة.. لمن هي.. إنها تتوسط الطريق؟
فأجابت وهي تتنهد، لا أدري، فقط تقطع الطريق وتمنع الناس من المرور، إذهب وقل لهم أن يتركونا بحالنا.
ففتحت فمي على وسعه: أنا؟
نعم، انت، ألست رجلا، ألست رجل البيت.
قلت في نفسي وقد تجاهلت كلمة رجل ورجل بيت، ما الذي يجعلني اذهب اليهم؟ لن اسألهم حرفا واحدا.
قالت لي اذهب، دافع. فتذكرت السينما التي غذتني بأفلامها منذ أيام طفولتي.
مرة حضرت فيلما قديما لا أدري ما أسمه، كان الفيلم يحكي عن المرأة التي هجرت، وحدث يومها أن وقعت حرب ثقيلة في أرضنا فماذا أفعل – قلت لها، لمن أرفع سلاحي، حين لا تكون لدي امرأة، فمن أجل مَنْ أقاتل.
عدت الى تحضير طبخة الدجاج بالرز، بالتأكيد ستعجبها حالما تدخل البيت وتتذوقها، فطعمها لذيذ ساخن يذوب في الفم.
08-أيار-2021
04-شباط-2017 | |
07-تموز-2009 | |
22-حزيران-2009 | |
10-حزيران-2009 | |
18-كانون الثاني-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |