في طريقة كتابة الأدب
2009-07-07
الكتابة الأدبية هي الوصول إلى الباطن، والباطن بعيد، فهو الآخر،
هيهو العجوز المتقاعد تحت شمس كسلى.
هي الشيخ الذي فقد السمع والبصر، ومازال فيه مكامن لأعين وآذان هي بصيرة أكثر مما هي حس ولمس.
ماهي الكتابة؟ هل هي الكتابة؟
وكما هو السؤال عن الحب، ماهو الحب؟ هل هو الحب؟
الكلمة تقسى المعنى وتحميه، وبالتالي "الحب" ليس هو "الحب". فالحب لا يمكن احتواءه بكلمة أو بتصور ساكن، إنما يحتوى عن طريق إنزياحات وإلغاء لمفهوم اللغة واللسان ولمفهوم المخاطبة وما نقوله عبر المحادثة communication. الحب هو كائن حي متحول وكل يوم له هيئة وصفة.
يفشل الانسان حين يفكر باللغة، واللغة هي ابنة العقل.
فكيف إذن ستنجح الكتابة في التغلغل إلى الأعماق، إلى قول الأعماق عن طريق استخدام اللغة؟!
في لحظة نردد معا، لماذا نريد الأعماق، ماهو شغلنا معها؟
هي بعيدة ومؤلمة إلا أن فيها، إن ترافقت وجهتنا مع الحقيقة الكلية، نجد الماضي والحاضر ونجد الوجود أيضا. الوجود "الهو" الغائب عنا.
وحدها اللا كتابة، حين تكون بمقام الكتابة، تخرج عن مكان الصور، ومكان القول والإخبار، ذلك حين تكون في سمت الفقد للمألوف والسائد.
فالكتابة هي فقد متنام وضياع مستمر، وهي ليست سوى الصور الأولى عن الحالة الغريبة التي تعيشها النفس.
وإن أقول عن الكتابة فإنني أقول عن قراءتها، فهي ليست القراءة التعليمية "الألف باء" بل قراءة استكشافية تعرفها حين تقبض على شيء لا ينقبض، عندها تعلم أنك في مكمن الحياة ومعملها.
هي حلم اللسان.
حين يصاب بالخدر وبالثقل، فتنتفي مرونته الكاذبة، والانتفاء هنا هو قول الإلغاء،
حين يغيب اللسان.
الكتابة لا تكسب معلومة بل تخسرها، هي دومان البناء حول اللاشكل، وأيضا دومان الهدم حول الإيقونة والمسلمة.
إنها بإختصار الحرية ذلك حين يحركها عمق الشيء وليس سطحه.
حين يمتلك السطح الحرية فسيحولها إلى عهر.
وحين يمتلكها الباطن فسيحولها إلى إيمان.
لست ضد السطح، حيث هو الباب والجدار، بل ضد السطح حين يريد أن يكون باطنا.
ونحن ماذا نقرأ؟
نقرأ السطح!
أكره القراءة في الحافلات والمطاعم وفي اماكن الانتظار، حيث الناس قصص ومسارات وعِبر وتأملات، وهي العادة الأجنبية التي أعتبرها من اسوأ العادات. إنها طريقة لإقامة جدار فاصل مع الآخر. القراءة هنا هي الإنعزالية.
أقرأ إلى طاولة مع قلم وورقة في غرفة مغلقة.
القراءة هي أن تصبح الكتاب والحروف التي تقرأها، وإلا فهي حفظ واستظهار وإعمال العقل ليس إلا.
ومن جانب آخر أفكر بكلمة مشهورة عنا وهي "أن العرب لا تقرأ"
إن كانت القراءة التي يريدها الآخر والذي أطلق هذه الصفة علينا، فنحن لا نقرأ، لا نعرف القراءة لأننا لا نريد أن نبني جدرانا تعزلنا عن الآخر. لكننا مع أعتبار ظروف الحياة وقسوتها، فنحن نقرأ كما يقرأ العالم أجمع. ولانختلف عن الآخر كما يظن الجميع، تعالوا وْضَعوا الآخر في ميزاننا، وأرموه في جدولنا كي تروا ماذا سيفعل. سيغرق بكل تأكيد.
نحن شعب حمل مصائب الحضارة الغربية كلها، ومع هذا فمازلنا ننازل ونصارع ونقاوم، وهذه ليست سوى دلالة على الصحة. لم نرفع أعلام الاستسلام خوفا على ضياع الإرث وخوفا على ضياع الماضي.
الأدب، الكتابة الأدبية المعاصرة ليست ابنة المدرسة إلا حين يمضي عليها عهد وتصبح من ملاك الكلمة.
هناك أدبان، أدب جاهز سريع يؤكل في الباص وقبل النوم –حبة منوم- وهناك أدب حقيقي يريدك أنت أكثر مما تريده. هو الضائع عنا هذه الأيام والنادر.
في أربعينيات القرن الماضي، قال جوستاف يونج عن كتاب شبنجلر "تدهور الحضارة الغربية" إن الكتاب يعث فوق رفوف الجامعات والأكاديميات. وهذه الإشارة برأيي دلالة على عدم قراءة الإنسان الغربي القراءة الصحيحة. فهو الكتاب بامتياز أن يقرأ وأن يستوعب، ففيه جملة العالم كلها، وهو يكتب طاقة ومشاعرا وليس كلمات وجملا.
يختلف "تدهور الحضارة الغربية" عن "الطاقة الروحية" لبرجسون. فالطاقة الروحية هو كتاب دقيق وأكاديمي، وفيه أو قل هو نظرية فسيولوجية عن عقل وروح الإنسان، أما تدهور الحضارة فهو رؤيا.
والكتابة إن لم تكن رؤيا فهي كلام مجرد كلام.
ينقد وينقض شبنجلر بين طيات الكتاب أفكاره، ويقول ويعاود القول، فيؤمن بفكرة ويؤمن بنقيضها، فهي حياتنا الباطنية التي لا يفهمها السطح.
السطح الذي يقول عن الضياء إنه شمس كبرى، وعن الظلام إنه إظلام، الثنائية الساذجة التي يطرب لها العقل: إما هذا أو ذاك. فلا تداخل بين السواد والبياض.
الكتابة هي وأنت تقول عن البياض تكشف في لحظات أنه سواد ايضا.
حيث العالم ليس واحدا، والمرأة في مكان آخر هي رجل، وهي طفل أيضا وشيء أيضا. إنها وجود وليست داخل أسوار الكلمة والتعريف.
08-أيار-2021
04-شباط-2017 | |
07-تموز-2009 | |
22-حزيران-2009 | |
10-حزيران-2009 | |
18-كانون الثاني-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |