جُمانة تقرر أن تتغير
2009-07-21
خاص ألف
جُمانة طالبة تدرس الطب البشري والآن في السنة الثالثة. انها تعاني الوحدة بسبب طبيعة المادة العلمية المكثفة حيث لا وقت للذهاب إلى مطعم الكلية ليلا مع زميلاتها أو حتى لزيارة أقاربها في القرية. كل خطواتها غدت آلية تنتظم على نفس الخط , فمن الكلية إلى المكتبة ومن المكتبة إلى السكن الداخلي.
رغم ان رناد تتشاركها الغرفة , تظل ملامح الانقسام واضحة على كلاهما. جُمانة منهمكة بقراءة الأسطر وتتبع الخرائط البشرية المرسومة على تلكم الكتب الضخمة , بينما رناد ما تلبث لنصف ساعة في الاستذكار حتى تقوم بالتمرد على أجواء الغرفة بالخروج إلى الحديقة المجاورة بملابس النوم. وكثيرا ما كانت تذهب لصنع كوب من القهوة.
" انها باردة " , هكذا تتهكم جُمانة برناد حال ممارستها لطقوسها الاعتيادية بعد أخذ حصة خفيفة من الاستذكار. ان أي كلمة تخرج من جُمانة ليست بالضرورة أن تكون مزاحا أو سخرية، فقد تقتضي أحيانا كل معاني الحسد القروي.
في اليوم التالي وبعد محاضرة مادة علم الدم , بادرها شعور غريب بأهمية أن يكون الانسان باردا في بعض الأحيان. أخذ صوت العقل لديها يرسم مجددا ابتسامة المحاضر. تتساءل عدة مرات وهي تمشي على الخط المعتاد إلى المكتبة عمّا اذا كان المحاضر حسن المعروف ببروده وخفة دمه قد درس الطب بأسلوب مختلف. تحاول شوشرة الصورة وتردد بصوت خافت متهكم " إنه بارد .. ".
لقد ترسخت لدى جُمانة بفعل ثلاث سنوات من الدراسة المتواصلة صفة الجدية. الكل يشكو من فضاضتها. هي ترجئ ذلك بداخلها إلى انعدام الراحة وكثافة الدراسة. تستمر بالمشي رافعة ملفا كي يحجبها من أشعة الشمس. فيما هي قد تجاوزت فتاتين تتضاحكان على نغمة هاتف لصوت طفل معدل صناعيا.
تقول : "لو تعلم هاتان الباردتان كم مضى على هاتفي وهو أبكم". شئ ما يدفعها للتبسم لا أراديا وهي على مدخل باب المكتبة. أهي تلك النغمة التي تشبه بكاء طفل روبوتي , أم هو تبسم موظف الاستقبال لدى قراءته الجريدة , أم لأن الفضاضة أخيرا قد قررت أن تحل في روح أخرى. " الأرواح هنا كثيرة ومتقاربة , يا إلهي , هل أنا أتغير ؟ ".
انها تعلم جيدا ان التغير يعني ان تتنازل عن المذهب الجدي في النظر للأشياء وهذا يعني بطريقة أو بأخرى بأن تتقرب من المجتمع الانساني. انها أي جُمانة لم تكن لأجل الطب فقط. انها انسان مهما كبت رغباته وتصنع اللامبالاة فقد ينفجر يوما ويتغير.
تعود للوراء قليلا عندما أخذت مقرر أخلاقيات الطب قبل سنتان مع الدكتور حسن المتهم بالبرود. لقد كان يردد ان الطبيب قريب من الطب لأجل أن يكون قريبا من الناس. ويتابع , انك قد تقف عاجزا أمام قلب قد قرر أن يتوقف إلى الأبد لكن لن تعجز عن التبسم لمريض قدره معلق بين الحقن الكيماوية التي يتعاطاها وبين شبح الموت الذي ينشر بذور السرطان في جسده.
لو كان الدكتور حسن محقا في هذه , فقد يكون محقا في بروده وظرافته. هذا آخر ما وقفت عنده جُمانة. أدركت إنها بحاجة بأن تتقبل وتستمر في الابتسام لكل شئ بما فيها نغمات الهاتف التي تحاكي بكاء الاطفال.
في المساء كانت بالسكن إلى جانب شريكتها بالغرفة. شئ ما يدعو للغرابة ويدفع رناد لاستراق النظرات إلى الكائن الجديد .. إلى جُمانة. لهذا اليوم لم تمسك تلك الجافة أي كتاب حتى الأقلام ظلت متسمرة في ذلك الكوب الخالي من التعابير ! . إنها ملقاة على السرير كمن لم يذق النوم أبدا. يا لها من مسكينة.
غير ان رناد سمعت صوت قهقهة خجلة من السرير , وقفت جُمانة بعنفوان التغيير على السرير وقالت هيا يا جُمانة , أريد أن استخدم كوب الاقلام هذا لعمل القهوة , هل ستشاركيني. كمن أصابه البكم تهز رناد رأسها وتساير فارسة التغيير إلى مطبخ القسم الداخلي !
08-أيار-2021
31-أيار-2010 | |
01-كانون الثاني-2010 | |
18-أيلول-2009 | |
21-تموز-2009 | |
11-تموز-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |