قصة / حكايات ليست للتلاوة !
2009-09-18
خاص ألف
في جلسة مسائية مع أطفاله كان ممسكا بكتاب يحكي تاريخ الأنبياء. لم يكن بحاجة لفتح الكتاب ليختلس قصة يحكيها لهم فهو يحفظ الكثير من القصص. انه يؤمن بها وبشدة وبل يستمتع في سردها للآخرين. بالنسبة له هذه الجلسة مع صغاره ستكون مشروع حياة وتربية. إنه يدري حتى كيف تنقش تلكم الحكايات في عقول أطفاله النهج الاخلاقي وحب الله.
يشرع في قصة الخلق بذكر آدم النبي وحواء التي خلقت من ضلع أعوج منه. يحكي كأنما احرف اسفار موسى تتقاطر على لسانه فتخرج متناثرة ليسمعها الآخرون. حتى وصل للخطيئة التي أوقعت آدم من جنة الخلد إلى الأرض. يشعر الآن بشئ من الاظطراب وكأنما ينتظر سؤالا يوشك على ان يحط الرحال امامه. لقد حدث ما كان يتوقع فقد لهج الابن ذو التسع اعوام بالكفر!
انهم لا يخطئون فكيف اذنب سيدنا آدم وهو نبي ؟. هكذا قال. لم يجد الأب لهذا السؤال واخوانه ممن يشبهونه أي تبرير منذ اعتناقه للمصداق الالهي وترددت آية بداخله رسمها الهيروغليف النمطي الذي يعلق على استجاباته البطيئة لأسئلة الكفر "لقد أخطأ آدم. وما كان من المذنبين" ! . في لحظة واحدة ينفتح الكتاب الذي معه على مقربة من عينيه. يبحث عن اجابات لا وجود لها وعينيه يزينها الق حزين باعث على الشفقة.
المشاكس الصغير يتطلع الآن أن يخرج أبيه من بوتقة البحث عن الاجابة المفقودة , فينظر إليه بمرح طفولي ويقول : أكمل يا ابي. مع كل قصة كانت تتراءى له الاسئلة كقطع من الغاتو المسمم الذي يجعل عيني المرء تحاول ان تتقيأ في الهواء نظراتها الحائرة كما حدث مع ابيه تماما. لقد كبرت الأسئلة واصبحت كعكة كبيرة مفخخة , لكن لا مجال الآن لقتل سعادة الأب الغامرة وهو ينجز مشروعه التربوي.
لعنة النقش على الادمغة الصغيرة يمارسها الأب بكل عفوية كل ليلة تارة يحاول ان يرسخ وشم نوح القبطان على صفحة الايمان والقرابة وتارة اخرى يحفر وشوما اخرى تتعلق بالعزة الدينية والحرب المقدسة وفي احيان يحكي كيف يخرق الانبياء القاعدة بالمعجزات , لم يدخر وسعا في كل هذا. انه يستخدم اداة مزورة. انه يحفر شيئا وهي تحفر شيئا آخر. يحفر زادا اخلاقيا ويرسخ متانة دينية وهي ترسم اسئلة لا حدود لها.
في لحظة ما أقنع الأب نفسه وهو على السرير ذات ليلة بالاجابة على اسئلة الكفر. انها اسئلته قبل ان تكون اسئلة طفل ذكي. لكن ثمة شبح يتراءى له في صورة الشيخ الذي منعه ذات مرة وهو صغير من الاقتراب من حرم الشيطان. لقد ردعه من التفكير في السؤال لكي لا يفتح أقفال المحظور. فتلك الدفاتر القديمة قد تنثر غبارا الحاديا ما ان يتم فتحها. اللعنة , ومن يطلق الآن رصاصة الرحمة على اسئلة ابني الغبية ؟
يقف على شرفة المنزل تتنزل عليه آية أخرى " وما كان الجواب ابا احد من رجالنا ولكن قول وآية للمكذبين ". اذا كان الله حقيقة فلما الخوف من البحث اجابات لتساؤلات مشروعه , واذا كان الانبياء صفوة الاله ومبلغي آياته فلماذا البحث عن اجابات يعد هرطقة. مضرج بالحيرة ومسكين هذا الأب يقض جانبه طيف لشيخ وقور يعض على اصابعه كلما أقبل على سؤال نفسه.
لعل عزاءه يعقوب النبي الذي خُيل ليوسف انه يعض اصابعه على سقف الغرفة حينما أوشك على فعل المعصية مع زليخا. الأمر شبيه تماما , يلعن الشيطان , ويذهب للنوم , ويقول في سره: الحكايات مختبئة بين الصفحات فلما انثرها بالهواء , انها نائمة لعن الله من ايقظها !!
08-أيار-2021
31-أيار-2010 | |
01-كانون الثاني-2010 | |
18-أيلول-2009 | |
21-تموز-2009 | |
11-تموز-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |