قصة / مقبرة الاقحوان
2010-05-31
خاص ألفأدركت بأنني في صفحة من قاموس أخضر كل مفرداته متشابهة. فمن كل الجهات يحاصرني الاخضرار الذي نمى على تلك التربة الحجرية. انه المساء , مساء تختبئ نجومه علية جذوع واوراق الصنوبر الكثيف. امد بصري للبعيد فأرى نهاية مظلمة , اقوم منفعلا وامد بصري ثانية ولكن في كل الاتجاهات فلا أرى سوى تلك النهايات المظلمة بعدها ارمي بثقلي جلوسا على الصخرة وانا اتنهد.
قبل ساعات كان الرجل الكبير ” جوزيف المرعي ” يسليني هناك بحديثه عن تاريخ عائلته التي اشتهرت بصناعة أجراس الكنائس. لكنه غاب مع غياب الشمس. لا أدري كيف حدث ذلك وكيف سمحت بحدوثه. ” جوزيف أيها الكهل الطيب لقد خلفت ورائك متاهة خضراء “. أشعل المصباح موزعا اشعاعه بعشوائية علّي أرى كهلا آخر يعطيني حلا للغز. ولكن ماذا اذا كانت القادمة فتاة ريفية محمرة الوجنتين وترتدي قميصا صوفيا وتنورة متواضعة وملفوف على رأسها قطعة قماش وردية ؟ .
يشتعل الخيال السمعي ويرسم على اذني صوتها الانثوي وهو ينادي من البعيد القريب ” خيو .. خيو .. شو تعمل هونيك “. ذبت قليلا شعرت كأن اصبعها اخترق قلبي واحدث وخزا لطيفا. يتبدل الحال من خيال جامح واشرع بالقهقهة وانا انظر لصدري: ” لقد مات حقل الاقحوان منذ زمن ! “. وللحظات أخرى استمر بالقهقهة مغطيا وجهي بكلتا يدي. حينها حررت الدموع المنسابة يداي وتساءلت: ” منذ متى كان الضحك بكاء ؟!”.
” نعم لقد وجدتها : الحزن ضحكة ساخرة !” . يقاطع جرس الكنيسة صمت المكان وينتشر كجنود يحاربون في غابة بين الشجر. كان يزداد قوة شيئا فشئ. ” ايها العجوز جوزيف شكرا لأجراسكم “. يبدو اني سأتتبع الصوت حتى أصل للكنسية واكمل ليلتي بداخلها حتى اشراقة الصباح. لم تكن بعيدة جدا فهي على الجهة الشمالية الشرقية ويلزم الوصول اليها بعض الجهد لكونها على رابية مرتفعة.انها قديمة جدا ويعلوها جسم كالمئذنة في مساجدنا بداخله الجرس.
دخلت من بابها الخشبي الملئ بالغبار , كانت تعتمد في انارتها بالداخل على مصباحين كهربائيين موصولين بطريقة بدائية. وبياض جدرانها ساعد على جعل الانارة جيدة. صرخت بخجل: ” أهلا .. “. كررت مرارا. اذا ما من احد هنا فمن قرع الجرس يبدو انه ذهب. خطر على بالي ما أخبرني به صديقي القبطي الذي درسنا سويا معه ان الاجراس لا تقرع للصلاة أو للقداس فقط بل تقرع احيانا عندما تحل علامة على قرب الرجعة أو نزول المسيح.
على الحائط وجدت تمثالا معلقا للمسيح وهو مصلوب ورأسه الموشى بورق الزيتونلقد مات المسيح وعلى رأسه حقل من الزيتون. لقد وهب ذلك الحقل للناس ليحيوه بالحب والسلام فإذ بذلك الحقل الحقيقي يتحول الى حقل ميت من الجير والكلس. ما هكذا اراد المسيح حقا”. شققت قميصي بلا هوادة وكلي مزيج من التناقضات والمشاعر. قربت انفي من صدري وبدأت في احتساء رائحتي !.
“هل أخبرك شيئا أيها المسيح الكلسي ؟. اتعلم اننا متشابهان حقا ؟. لم لا تجب ؟. قل شيئا “. وانهال عليه بأحد كراسي الصلاة فيسقط ويتحطم دون أن ارى دمائه !. جلست على الارض وانا اعيش مرحلة أخرى من التناقضات ابكي , اقهقه. لكن الراهب الذي دخل مظطربا وغاضبا قال لي : ” لك ابني شو هيدا ابن الناصرة بيحل علينا غضبه “. ويرتمي على التمثال يلمس فتاته بجنون” . قلت له : ” اتعلم اننا متشابهان حقا ؟ ” . لم يجب ولكنه رفع يده وانزلها بتعقل وبدأ بتلاوة الصلاة وعينيه كسماء تومض بالنجوم. أكملت : ” نحن متشابهان لأننا نبكي على الاقدار ونبكي من نحب ” . ” انظر يا هذا لقد وهبت حقل الاقحوان لها ذات يوم ولكنها صلبتني وتحول الحقل الذي اهديته اياها إلى مقبرة. لقد ماتت يا هذا. لقد مات حقل الاقحوان . اتعلم ما اعني ؟
أجاب :” أجل , لقد مات الحب ! ” .
قرعت اجراسي الداخلية ايذانا بموت الحب , انتشلت نفسي وهربت من الباب بهدوء الى الصخرة التي كنت عليها قبل ذهابي للكنيسة. كان نداء الكنسية يقرع ثانية وانا اقول : ” لن اعود .. لن اعود..”.
اخرجت قلما من الحقيبة الصغيرة وكتبت : ” ليلة السبت 21 – مايو – 2010: أيتها الراحلة الاقحوان مات لأنك أنت من قررت ذلك ” .
×××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
31-أيار-2010 | |
01-كانون الثاني-2010 | |
18-أيلول-2009 | |
21-تموز-2009 | |
11-تموز-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |