ورشة عمل مسرحية في المدينة الجامعية باللاذقية بإشراف أمل عمران
2009-07-27
ربما المسرح ليس ذاك المكان المقدّس..!!
أمل عمران: «أريد لطلابي أن يتجاوزوني كما فعلتُ مع أساتذتي من قبل»..
أحضّر لمشروع (سهرة مع سعد الله ونّوس) على غرار (سهرة مع أبو خليل القبّاني)..
متى تأخذ الجهات الرسمية معاهد التمثيل الخاصة وورش العمل على محمل الجد..؟!!
موفق مسعود: «لا نتوقع من الجهات الرسمية الاعتراف بجهد غير فاعل على الأرض، وهذا ما نعمل على تحقيقه حالياً».
نضال سيجري: «على المعاهد الخاصة أن تقدّم طلباتها للجهات المسؤولة وتصرّ عليها بصوت عال.. وعيار المسألة فلقة»!!
د. عجاج سليم: «حتى الآن لم يتقدّم أي معهد بطلب لتسجيل شهاداته ونيل الاعتراف بها حتى نقوم بالإجراءات».
الوحدة السابعة في المدينة الجامعية باللاذقية - مقر المسرح الجامعي - العاشرة ليلاً:
أمل عمران تراقب اقتراحات الممثلين الهواة في ورشة العمل المسرحية مرة أخرى.. لم تملِ عليهم موضوعات بعينها أو تطلب منهم اجتراح المعجزات، هي لا تريد ذلك أصلاً.. لقد شرحت لهم عن العمود الفقري وبيّنت لهم أهمية تنظيم التنفس والاسترخاء، قبل أن تفلتهم على حبّ المسرح واللعب معه.. تقول بطلة (تقاسيم على العنبر) 1994 لجواد الأسدي: «لنتفق أولاً على أن المسرح ليس مقدّساً، الأهم هو الرغبة في صنع شيء للناس يتلقّونه كما يريدون، إيصال شيء ما من تجربتك، معاناتك عبر نص.. لم نكن معنيين بالتفكير السلطوي على كل المستويات، لأننا إذا حوّلنا المسرح إلى جلّاد لنا فلن نستفيد منه شيئاً..».
أقيمت ورشة إعداد الممثل هذه بالتعاون مع المسرح الجامعي على هامش مهرجان المونودراما الخامس الذي ينظّمه سنوياً البيت العربي للرسم والموسيقا في اللاذقية بإدارة الفنان ياسر دريباتي، بمشاركة الطلاب التالية أسماؤهم (حسبما ذُكر في البروشور ووصلنا منهم شخصياً): عمر عنتر، علاء جورية، هبة شاهين، علاء خضور، نبال شريقة، ريهام التزه، عقيل نور الدين، لما علي، نيرمين علي، ديمة حوا، كاتيا تفاحة، مجد عريبان، محمد حسين، عبد الحميد قانوع، سراب غانم، علاء حور، أحمد عاشور، حسام عفارة، مصطفى جانودي، سموءل سخية، سوار داوود، مصطفى القار، رنا حيدر، أحمد شعبان، حسين الهبرا، أحمد الشعار، نائل محمد..
استمرّت الورشة لعشرة أيام، أفرغ فيها الطلاب اقتراحاتهم ورغباتهم وابتكروا مشاهدهم المونودرامية التي اشتغل عليها الكاتب موفق مسعود دراماتورجياً، ونتج عنها مشهدية «تجميعية» لتلك المونودرامات بعنوان (الاحتفال بيوم تافه) لم تكن موفقة من حيث الربط بين المَشاهِد المتباينة، ربما لضيق الوقت كما ترى أمل عمران: «نحن نسعى لعمل هذه الورشة منذ ثلاث سنوات، وطالبنا الجهات الرسمية مراراً بتفعيلنا كخريجي معهد من ذوي الخبرة.. عملنا مع الطلاب وتركنا لهم حرية اختيار الموضوعات حتى وصلنا إلى مجموعة من المونودرامات المتفرقة التي عمل على رفع سوية لغتها الكاتب موفق مسعود.. كنّا بحاجة إلى ربط مناسب، فلجأنا إلى إشارات التفاهة مثل نظرة الناس للمسرح والعاملين فيه، وسألت أحد الشباب: لو كان سعد الله حياً ما كان ليفعل الآن؟ فقال: لدخّن الأركيلة وتفرّج على الناس!! هنا قررنا استحضار سعد الله ورؤيته التي تنبّأت بهمومنا المسرحية المعاصرة.. لم يكن الوقت كافياً لكننا بذلنا ما نستطيع».
في أيام المهرجان عُرضت تلك المونودرامات في عدد من المقاهي الثقافية باللاذقية: فسحة أمل، نزل السرور، منتدى ليال بالاس، جدل بيزنطي والحور العتيق..
هذا الطالب الهاوي يفضّل الاستيقاظ باكراً للحاق بالبروفات الأولى في مقر الفرقة، وهو الذي اعتاد التكاسل عن حضور المحاضرات الصباحية في الكلية.. ربما يكون مخرجاً ومؤلفاً شاباً، فيصل به الأمر إلى التخلّف عن الخدمة العسكرية فقط ليقدّم عرضه في مهرجان ما! يُجري بروفاته سراً ولا يكترث للعواقب بعد العرض.. عاشق هو حتى النخاع وكثيراً ما نام في المسرح ليحسّ بالأمان!!.. حول خصوصية التعامل مع «كائن» حسّاس كهذا في بداياته المتهيّبة وحماية كيانه الغض تقول أمل: «لا أحاول الإعلاء من شأن المسرح أمام طلابي أو ترهيبهم منه، وحمايتهم تتم بالتمارين والاسترخاء.. أقول لهم: تعالوا نتنفس بشكل صحيح، تعالوا نحب هذا الجسد ونتعرف عليه فعلياً، تعالوا نستكشف مجاهلنا وندخل غرفنا الداخلية ونرى كمّ الفوضى فيها لنرتبها، تعالوا نضيء المساحات الجميلة ونستمتع بها.. لنخرج الجنّي من القمقم ونبدأ الحركة واللعب بحرية.. ما يهمّني فعلاً هو النبش في الذات ومواجهة المفاهيم البائدة، فمن يريد التغيير ليبدأ من نفسه أولاً بدل التنظير على الآخرين.. هذا ما حاولت عمله مع الطلاب، لأنني بصراحة لم أكن مهتمة أن يعرضوا أو يظهروا على خشبة المسرح أساساً!!».
هي أمل المتمردة، القطة البرية غير المستعدة لمجاملة الآخرين.. «نعم، أنا ثائرة.. أنا متمرّدة، طبعاً»، تقولها وهي تؤكّد للجنة الفحص في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1985 أنها ستعلّمهم التمثيل رغم عدم إلمام الصبية الآتية من كلية الحقوق بتاريخ المسرح وشكسبير آنذاك.. تقولها وهي تحاور طلاب معهد تياترو والمحافظات البعيدة حتى يغزلوا شخصياتهم المستقلة بأنفسهم.. صحيح أنها تعترف بمحاولات تعزيز «مَلَكة» التمرد عندهم، إلا أنها ترفض أن يصيروا مثلها أو مقلّدين لها.. «أنا لا أعلّم بل أنقل تجربة لعشّاق أريدهم أن يلغوني ويتجاوزوني كما فعلت أنا مع أساتذتي من قبل، أنا أمنحهم المفاتيح فقط وأحرّضهم من بعيد.. أوجّههم باستخدام الأقنعة لحمايتهم من الإملاء والتنظير الفارغ.. وهنا أقول لأساتذة الفن: عيب عليكم بعد الآن أن تصرخوا وترفعوا أصواتكم على طلابكم، عيب عليكم أن تقفوا في وجه الآخر وألّا تعترفوا بأهميته!»..
بين عرض وآخر تتمنّى الذهاب لأبعد قرية أو ناحية سورية للعمل مع هواة التمثيل هناك، تستوقف مدير المسارح د. عجاج سليم وتخبره أنها تريد إدلب ودرعا ودير الزور وكل المحافظات بعد اللاذقية، فيطلب منها الرجل زيارته في المكتب لوضع صيغة إدارية مناسبة للأمر.. حول تجربتها مع معاهد التمثيل الخاصة في (معهد تياترو لفنون الأداء) توضّح: «تياترو مشروع ضخم غير ربحي، عملنا فيه دون ثرثرة وتبجّح ومزاودات مع مي اسكاف التي تبذل جهداً حقيقياً لتطوير هؤلاء الهواة وتدريبهم وتأمين فرص العمل لهم.. تياترو لم يتوقف كما قيل بعد الأزمة الأخيرة، أخذنا مقراً جديداً وأجرينا عدة دورات حتى الآن وأقمنا عروضاً بحضور جمهور من المعهد العالي وغيره.. تياترو مستمر ومي اسكاف ما زالت على رأس المشروع».
(الخادمات) عام 1996 عن نص لجان جينيه وإخراج نادر قاسم، ودور الملكة مارغريت في مسرحية (ريتشارد الثالث) للمخرج الكويتي سليمان البسام المتواصلة منذ أكثر من سنتين، والتي جالت مسارح العالم في سترادفورد وأثينا والكويت ودمشق وباريس وواشنطن.. بعد هذا كلّه تكشف لنا أمل عمران تفاصيل مشروعها القادم: «أحضّر لعرض مع موفق مسعود وطلاب تياترو بعنوان (سهرة مع سعد الله ونّوس) على غرار (سهرة مع أبو خليل القبّاني)، سنتناول الجانب التاريخي الشخصي والمعوقات التي عاشها، وسنقدّم الموت وما بعده مركّزين على فترة الصمت.. نحن حالياً في مرحلة اللعب والقراءة جزء منها إلى أن يحسن الطلاب التعامل مع الورق كإنسان.. المشروع ضخم وهو بحاجة إلى حوالي 6 أشهر ليكتمل».
معاهد التمثيل الخاصة وورشات العمل..
هذه الجلسة مع أمل عمران لم تكن حواراً بالمعنى المفهوم، إلا أنها دفعتنا لمتابعة البحث والاستقصاء عن نقطة شديدة الأهمية: متى تأخذ الجهات الرسمية معاهد التمثيل الخاصة وورش العمل على محمل الجد؟ ومتى تقرر الاعتراف بعشرات الشهادات الممنوحة لطلاب هذه المعاهد والورشات؟.. أسئلة محددة توجّهنا بها إلى بعض الأسماء المعنية بهذا الجانب المهمَل من الحياة المسرحية السورية..
تقول أمل عمران: «نادينا كثيراً بذلك للطلاب، وطلبنا من نقيب الفنانين أسعد عيد منحهم فرصةً لتعديل شهاداتهم على الأقل، ومن جانبنا نقوم بتوفير فرص عمل لهم اعتماداً على علاقاتنا الجيدة مع المخرجين في المسرح والتلفزيون والسينما..».
الكاتب موفق مسعود صاحب الباع الطويل في ورشات السيناريو (ورشة النافذة) مع الشباب يبيّن أن «الجهات الرسمية لديها سقف للاعتراف بالجهد الفني المستقل، هذا السقف غير معلن لكنه موجود بالممارسة، فالنشاط الفني المستقل يمكن أن يُكافئ من تحت الطاولة.. ورشات العمل محاولة حقيقية وجادّة لدعم المواهب الشابة والارتقاء بالسويّة الثقافية العامة في البلاد، وهي تهدف إلى تعزيز روح العمل الجماعي بين الشباب سواءً في الكتابة أو التمثيل.. لا نتوقع من الجهات الرسمية الاعتراف بجهد غير فاعل على الأرض، وهذا ما نعمل على تحقيقه حالياً».
كذلك يرى الفنان نضال سيجري الذي أشرف على دورة إعداد الممثل الأولى في جامعة تشرين، ونتج عنها مشهدية بعنوان (استروا ما شفتوا مننا)، كان أبطالها نواة للمهرجان المسرحي الفرعي في جامعة تشرين.. يقول: «على المعاهد الخاصة أن تقدّم طلباتها للجهات المسؤولة وتصرّ عليها بصوت عال، ولا بد من تعاون الصحافة الرسمية تحديداً في هذا الشأن لإحداث التأثير المطلوب مع احترامنا للصحافة الخاصة.. أنا أؤمن بالشارع وتأثيره، ويبدو أنّ علينا أن نلحّ في كل شيء.. وعيار المسألة فلقة!!».
نقلنا ما لدينا إلى مدير المسارح والموسيقا د. عجاج سليم الذي أكّد أن «ورشات العمل هامةً جداً لرفد الحركة المسرحية وتنشيطها خاصّةً في المحافظات، فالمعهد العالي للفنون المسرحية له قدرة استيعاب محدودة، لذلك نقوم الآن بتجهيز مركز ضخم للتدريب المسرحي في حمص، سيُفتتح مع المسرح القومي هناك، أعتقد أنه سيكون رافداً هاماً جداً للمسرح السوري نظراً للمساحات والفرص التي سيوفّرها للفرق المسرحية في مختلف المحافظات.. نحن الآن نضع الهيكلية التنظيمية وآلية عمل المركز الذي سيرى النور العام القادم.
بالنسبة للاعتراف بشهادات معاهد التمثيل الخاصة، فلا أعتقد أنه هناك مشكلة لدى وزارة الثقافة، ولكن هناك آليات لا بد من اتباعها متعلقة أيضاً بوزارة التعليم العالي وجهات أخرى.. حتى الآن لم يتقدم أي معهد بطلب لتسجيل شهاداته ونيل الاعتراف بها حتى نقوم بالإجراءات، وأنا هنا أقول باسم السيد وزير الثقافة: لا توجد أي مشكلة من حيث المبدأ، ونحن جاهزون لدعم أي جهد يسعى لخدمة المسرح السوري وتطويره».
الوحدة السابعة في المدينة الجامعية باللاذقية - مقر المسرح الجامعي - الثالثة فجراً:
ما زالت البروفات متواصلة دون انقطاع، وستستمر حتى الظهيرة.. وموعد العرض: لا/لم/لن يُحدد بعد!!
النشر الورقي جريدة (الأسبوع الأدبي).
النشر الألكتروني خاص ألف
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |