العقلية الرهبانية حين تهرطق الاختلاف*
2009-08-16
العقلية الرهبانية ليس مرتبطة بنمط عيش الرهبنة الذي نحترم خيار من ينتهجه ، إلا أنها متأثرة بتكوينها بمفاعيل هذا النمط ، فهي تنفصل عن المنطق و البراهين و التحليل المنطقي و غالبا ما تحتكم إلى اصطفاءات
تبعا لعقيدتها التنزيهية و إسقاطها على الآخرين مانحة إياهم بطاقة عبور إلى الجحيم أوالى الجنة .*
و سياق الاصطفاء الذي تنتهجه يجعلها تضيق في فهمها لعلاقة الإنسان بالله ، و يصبح كل من يخرج عن أسلبتها لهذه العلاقة خاطئ و مهرطق .
حالة العجز الذهني التي تصاب بها هذه العقلية ، تصبح منهجا لقراءة أي نص سواء كان أدبيا أم فكريا أو حتى دينيا ، فالمفتاح الأول عندها للدخول إلى متن النص هو شخصي بحت ، هل الكاتب مؤمن ؟ كيف هي ممارساته الحياتية ؟ هل علاقته بالله مؤطرة بما يناسب نظرتها الدينية ؟
فالمحاكمة تبدأ إذا بذات الكاتب و التفتيش في أعماقه ، و وفقا للنتائج تحكم على النص ، فإذا وجدت فكرة خارج تنميطها اليقيني ، تهرطق الكاتب و تجد في حياته سيرة غير حسنة .
وهذا الربط الغوغائي بين الكاتب و نصه يعفي العقلية الرهبانية من المحاكمة المنطقية لما تقرأ و تحولها إلى شرطي يشتبه بكل فكرة لا تأتي على هواه ، بحيث إنها تقرأ النص للتحقيق معه لا للذة الفهم و المعرفة و النقد .
أما جدوى النص بالنسبة لهذه العقلية تكون في دفع القارئ نحو الله ، لا بالنص ذاته و هذا ما يذكرنا بأدلجة الفكر و الفن و الأدب في مراحل معينة من تاريخنا . و طبعا يحق للعقلية الرهبانية أن تنتج نصها الخاص وفق للرؤية الوظيفية التي تؤمن بها ، لكن لا يحق لها الحكم على نصوص الآخرين تبعا لهذا المقياس و هرطقة أصحابها ،
و المعادل الإسلامي هنا لفكرة الهرطقة هو تحديدا التكفير و لو انه لا يصل إلى التصفية الجسدية ، مثلما فعلت المؤسسة الكنسية في حقب تاريخية معينة .
و من الملاحظ أن الحفر في العقلية الرهبانية في أزاميل تنتمي إلى أدبياتها ، تجعلها أكثر عريا أمام تناقضاتها ،
فمن حيث تصنيف حياة و سلوك أي كاتب سلبا أو إيجابا ، يبقى أمراً يخص الله وحده حتى لو امتُلكت معايير أرضية نسبية ، و توصيفها وفق للعقلية الرهبانية هو الإدانة .
و لو عدنا و دققنا في المنهجية التكفيرية لهذه العقلية ، لوجدنا خطورة تأثيراتها على جيل الشباب و الذي تعرف كيف تجذبه و تجعل علاقته بالله مرتبطة بالشعور الدائم بالذنب و التكفير عن الآثام و الخطايا ، فشحن عقول الناشئة و الشبيبة بأفكار اصطفائية إفرازية هو تخريب لنقاء هذه العقول ، و منع أي إمكانية لخلق مساحات إبداعية تتقبل الاختلاف لا تهرطقه .
و على المستوى الفكري فان رفض العقلية الرهبانية لأي فكر يتنافى مع رؤيتها الضيقة ، حتى لو انتمى هذا الفكر إلى ذات المنظومة الدينية التي تنتمي إليها ، يخلق مناخا سكونيا يمنع إنتاج مقترحات تجديدية داخل الفكر الديني
تحاول أن تفهم العصر و تستوعب تحولاته .
و يبقى أن اشد الاستعصاءات التي تعيشها العقلية الرهبانية ، هي عدم قدرتها على قراءة الدين كتجربة روحية شخصية بل تعمد إلى تعميمه على مناحي الحياة و سلوكيات الأفراد و أفكارهم و خياراتهم و قناعاتهم ، لا بالمعنى القيمي الإنساني بل العقائدي المتشدد ،مما يجعل إطلاق الإحكام المتعسفة عندها أمرٌ بديهي .
*بالتأكيد لاتختلف تلك العقلية عن عقلية أي شيخ سلفي انغلق ذهنه منذ 14 قرنا ـ ألف
ايلي عبدو
08-أيار-2021
18-تموز-2020 | |
سيسيولوجيا التجمعات الدينية في أن إحياء الأعياد يصنع الرثاثة |
30-آذار-2010 |
22-شباط-2010 | |
أيهم خيربك في "أسطر مالت وانزلق ما أقول" اقتراف المعنى العبثي |
17-شباط-2010 |
03-شباط-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |