تعددت التحليلات في تفسير ظاهرة الإقبال الكثيف على مشاهدة المسلسلات التركية المدبجة إلى اللهجة السورية ، و من أبرزها أن هذه المسلسلات تقدّم المجتمع التركي بوصفه نموذجياً ، يعيش أفراده في قصور فاخرة ، و يركبون أحدث السيارات ، و يتجولون في شوارع عصرية التصميم ، إضافة إلى الجمال الذي يتمتع به الأفراد سواء كانوا نساء أم رجال ، خاصة و هم يرتدون ثياب أنيقة فيظهرون بأبهى حلة .

في وقت تسعى الدراما السورية عبر العديد من الأعمال إلى تشريح المجتمع السوري بصرياً . و تحويل الكاميرا إلى شاهد تتقصى مناطق مهملة ، فتتجول في العشوائيات الفقيرة بشوارعها المليئة بالحفر ، و داخل البيوت الصفيحية المهددة بالانهيار ، لرصد حيوات سكانها ، بمعالجة درامية محبوكة التفاصيل ، تركز على الشخصيات ، سلوكياتها انفعالاتها طموحاتها هواجسها رغباتها ، تفاصيل تتناول التركيبة النفسية للأشخاص بكل أبعادها و تعقيداتها . فيما تعتمد الدراما التركية على مواضيع مستهلكة كالحب و الجنس و الخيانة و الغيرة و المال ، كأطر مفبركة لتعويم جمال الممثلين و التنقل بالكاميرا بين الأماكن الخلابة و الشوارع النظيفة و المطاعم الساحرة ، في مناخ درامي يقدم الشخصيات بسطحية تصنع الحدث تلو الحدث دون أي بعد عميق بالتعامل معه .

من المحتمل أن يكون هدف صنّاع الدراما التركية سياحياً ، يعرّف المشاهد العربي على الجوانب الايجابية في بلدهم ، ليكسبوه سائحاً . فلا يهتمون ببناء شخصيات معقدة تقنع المشاهد بقدر اهتمامهم بجماليات الأمكنة و قدرتها على إبهاره .

إلا أن الدراما كأي فن آخر غايتها عرض تعقيدات المجتمعات بقالب فني يتجنب المباشرة، و لا يعمد إلى خداع المشاهد بتقديم مناظر جميلة و ساحرة للتغطية على المشكلات المستعصية.

فإذا كان يوجد في المجتمع السوري بعض المهندات الذين يقودون أفخر السيارات و يسكنون في أرقى الأحياء و تتوفر لهم جميع شروط الرفاهية . ففي المقابل يوجد أيضاً ملايين الغليسات ( نسبة إلى غليس أحد شخصيات مسلسل الانتظار ) يحتسون كل يوم ، دواء السعال لينسوا همومهم و الآمهم .

فأي دراما هي الأجدى ، المهندات أم الغليسات .

×××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف