المواقع الإلكترونية المسرحية.. هل هي أفضل حالاً من المسرح نفسه؟!!
2009-08-17
اللوحة Aubrey Beardsley
«عندما كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة، حلمت كثيراً بجمع النصوص المسرحية الساكنة تحت غبار السنين، وكنت أدرك أنّ فيها الكثير من الإبداع، وربّما هي أغنى وأكثر نضجاً من الأعمال المنشورة التي وافق عليها الرقيب.
عندما كنا في العراق، كنا نسمع، ونحن تحت الحصار، عـمّا يـــحدث خارج الحدود، ومن أنّ هنالك بعض الإنجازات التي قدّمها فلان في المنفى، وكانت تأتينا هذه الأخبار منقولة عبر أشخاص مليئين بالخوف. وما أن وصلت المنفى أنا أيضاً حتى شعرت بمسؤوليتي في إيصال ما يمكن إيـصاله إلى أخوتي وأصدقائي وأحبّتي في العراق أولاً، وإلى جميع مَن يحبّ التواصل والمعرفة في وطننا العربي والعالم ثانياً.. ولهذا جاء مسرحيون».
هكذا يشرح الكاتب المسرحي العراقي قاسم مطرود دوافعه لتأسيس موقع (مسرحيون) الإلكتروني لجريدة اليوم السعودية، وهو يعلم تماماً أن انتشار موقعه الذي يكاد يكون الأشهر بين أقرانه، لا يعني بالضرورة أنّه متجاوز لحزمة المشاكل العديدة التي تحيط بالمواقع الإلكترونية الثقافية عموماً والمسرحية في حالتنا هذه..
في سبيل الحوار..
أصحاب المواقع الإلكترونية المسرحية يصرّون على أهمية الحوار بين المسرحيين المحليين والعرب، والحاجة الماسّة لذلك في ظل تراجع الواقع المسرحي عموماً.. ومن هنا يمكن التفكير جديّاً بمصطلح «الحوار» المنشود هنا؛ هل المسرحيون العرب قادرون على الخروج من دوائر نتاجاتهم ونصوصهم التي لا يبدو أن علاقتها بالتحريض على الحوار والإعمال الفكري في أفضل حالاتها، وتجاوز خلافاتهم الشخصية الضيقة والانخراط في ديالوغ صحي موضوعي..؟! بمعنى آخر.. إذا كان لكل مبدع نوعين من الأنا: شخصية وإبداعية، فإلى أيّ درجة الأنا الشخصية هنا قادرة على تجاهل حيّز الأنانية عندها وغضّ النظر عن الحساسيات الشخصية التي يفرضها المناخ العام، مع قلة الفرص المتاحة وعروض الإنتاج والتهافت عليها من قبل الجميع عند توفّرها..؟! وهل تمكّنت الأنا الإبداعية من الحث فعلياً على الحوار والتباحث مع الذات والآخر من خلال نتاجه الإبداعي..؟!
الإجابات لا تبدو مبشّرةً لدى الغالبية بطبيعة الحال، وليفسّر لنا المتفائلون عدد المعارك الشخصية الطاحنة على صفحات المنتديات والمواقع المسرحية، والتي نذكر منها محلياً الحملات الشهيرة بين أهم مسرحيي اللاذقية على منتدى (مسرحيون) القديم منذ بضعة سنوات.. ولننظر إلى أقسام النقاش والقضايا شبه الفارغة في مواقع مثل (بيت المسرح) لنورا الطويل و(المهرجانات في سورية) لكنعان البني رغم الجهود المخلصة خلف الموقعَين..
آخر الأخبار.. والتحديثات
بالعودة لحديث قاسم مطرود نجد أن الأخبار والمتابعات هي أنجح ما تقترحه هذه المواقع، على اعتبار أنّها لا تتطلب الكثير من الجهد الفكري أو التقني لإضافة تحديث ما على الموقع، ويُعدّ موقع (المهرجانات في سورية) وقسم المسرح في منتديات ستار تايمز وموقع الـ Facebook المحجوب في سورية من أشهر المواقع التي تقدّم خدمة الأخبار والمتابعات أولاً بأول..
مثلاً، واكب موقع (المهرجانات في سورية) مهرجان المونودراما الخامس الذي أقيم في اللاذقية (كذلك الكوميديا الثالث) بالتفصيل، وكان صاحب الموقع كنعان البني يقوم بأرشفة الأخبار والصور يوماً بيوم، إضافةً إلى حوارات وكواليس وحتى تحليلات نقدية من داخل المهرجان..
وعلى ذكر التحديث، غالبية المواقع تحدّث محتواها بين فترة وأخرى وكيفما اتفق دون منهج واضح أو تواتر محدد، كما هو حال معظم المواقع الثقافية القائمة على الجهد التطوّعي لصاحب الموقع وأصدقائه والمخدّمة ببرمجيات متخلّفة على سيرفرات أو مزوّدات مجانية ذات أخطاء تقنية معروفة.. وبالتالي فإنّ عشوائية المحتوى والانهيارات التقنية المباغتة سمات مألوفة في مثل هذه المواقع.. نقرأ في التبويب المعرّف بموقع (المهرجانات في سورية): «موقع المهرجانات في سورية هو موقع خاص لا يتبع لأية جهة رسمية، والعاملون به يعملون بشكل تطوّعي».
تبويبات حية سريرياً..
ترهق معظم المواقع المسرحية نفسها بأعباء فوق طاقتها، وتضع أقساماً كثيرة ضمن خريطة الموقع تبقى خاملة وشبه فارغة لصالح أقسام أخرى ذات نشاط طبيعي، ويستمرّ الحال هكذا لسنوات أحياناً دون أن يفكّر صنّاع الموقع بتحديد طيف نشاطهم على مبدأ عدم تكليف النفس إلا وسعها، فهم يرون أنّ الموقع يجب أن يؤسّس وفق فكر مؤسساتي طموح للتحوّل من مجرّد موقع ثقافي أو مجلة إلكترونية إلى مؤسسة منتجة على الأرض ذات تأثير عملي وحراك حقيقي..
موقع (مسرحيون) الذي أجرى تغييراً شاملاً في برمجته ومحتواه منذ فترة، قام عندها بتبديل وصفه من «مجلة فكرية ثقافية تعنى بالفنون المسرحية» إلى «مؤسسة ثقافية فكرية تعنى بالفنون المسرحية».. وبالتالي تظلّ تلك الأقسام حية سريرياً وقائمةً على تنفس صناعي وأحلام أصحابها فقط!!
مقاطعة الفرد والمؤسسة..
لا شكّ أن التمويل هو الحل السحري لكل المشاكل التي تلقي بثقلها على الفعالية العملية لهذا المجال الإلكتروني غير المستغل فعلياً، ولكن من البديهي أن مثل هذه المواقع لا تشكّل أي إغراء للمعلن العادي، فيبقى الأمل بمؤسسات التمويل الثقافي والمراكز الثقافية الأجنبية التي لم تتخذ قراراً إيجابياً بهذا الخصوص حتى الآن، ربما لأنّها لم تجد بنيةً تحتيةً إلكترونية مشجّعة أو اهتماماً خاصاً بمثل هذا التوجّه..
في هذا المجال، هناك التحرّك النشط الذي تقوم به السفارة الأمريكية حالياً لدعم المواقع الإلكترونية عن طريق جلب الخبراء، ولكن يبدو أن الأمور تتجّه نحو الصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية العامة..
يضاف لحيّز المقاطعة كذلك نجوم المسرح ووجوهه المعروفة، فباستثناء بعض المجموعات على موقع الـ Facebook المحجوب أساساً مثل (فرقة باب للفنون المسرحية) و(فرقة مسرح الخريف) لنوار بلبل ورامز الأسود، لا نلمح أي نشاط للوجوه المسرحية المعروفة أو تواصلاً من أي نوع، وبالتالي فإن هذا يعمّق حالة الغربة التي يستشعرها المتصفح/القارئ لدى مروره على صفحات زاخرة بالمصطلحات النقدية الثقيلة والأسماء الغريبة على ذاكرته..
تتحدّث نورا الطويل عن (بيت المسرح): «جاء أضيق من الدار الواسعة التي أردتها، والسبب الوحيد على ما أعتقد هو عدم تفاعل الأعضاء مع ما يُطرح داخل المنتدى من تساؤلات، واستنكارات، وقضايا مسرحية، والسبب يعود على ما أعتقد إلى افتقار التفاعل لكون إدارة المنتدى لا تتضمّن اسماً مسرحياً معروفاً، مما يفتر حماس المسرحيين للنقاش، ويحوّل المنتدى إلى صفحة مسرحية إخبارية مع مناوشات مسرحية قليلة من حين لآخر..».
نقاط مكثفة..
· تراجع النشاط النقدي في البلاد عموماً وعدم التفطّن لأهميته يلعب دوراً أيضاً، مع غياب المقالات العلمية الصحيحة والمبسّطة التي تشكّل وقوداً رئيسياً لأقسام هذه المواقع وتمنحها ثقلاً تحليلياً هاماً..
· بعض هذه المواقع، مثل موقع (مسرحيون)، يوفّر مكتبةً مثيرة للاهتمام من النصوص التي تُنشر للمرة الأولى، وبالتالي يمكن العمل على طباعتها لتشجيع الكتابة المسرحية (المسرح دوت كوم نشر خلال 3 سنوات حوالي 800 مقال و نص مسرحي ودراسة)..
· بعضها يوفّر قاعدة بيانات ضخمة مثل موقع elcinema.com (يُعنى بالمسرح رغم توجّهه السينمائي المشابه لموقع IMDB العالمي الشهير)، إلا أنّه لا يمكن التيقن من صحة المعلومات والأرقام تماماً كونها مضافة من قبل المستخدمين أنفسهم..
· لا بد من تقدير جهد أصحابها المؤمنين بالمسرح رغم كل الظروف والصعوبات، فالسيد كنعان البني (موقع المهرجانات في سورية) يحضر هذه المهرجانات بنفسه لتغطيتها دون أيّ مقابل..
· بعض المهرجانات الدولية باتت تُنظّم بالاستعانة بمواقع كهذه ومجموعات بريدية مثل مهرجان الدار البيضاء بالمغرب ومهرجان أيام الشباب بالكويت..
· بعضها تابع لمزاج القائمين عليه، فتهتمّ بما ليس من صلب توجّهها كالقصة القصيرة أو أخبار الأدب..
· بعضها مرتع لتصفية الخلافات الشخصية كمجلات التابلويد والصحف الصفراء، والسجالات والمهاترات التي نشهدها بين فترة وأخرى خير دليل على ذلك..
· لم تستفد من إمكانيات الإنترنت الهائلة في الملتميديا والفيديو، وحتى الصور المعروضة منخفضة الدقة، ناهيك عن عدم استخدام روابط الفيديو كما في المواقع العالمية، مثل الموقع المسرحي لمؤسسة zdf الإعلامية الألمانية وغيره..
· لم تسوّق نفسها إلكترونياً بشكل سليم، وهو تسويق مجاني يتطلب بعض الجهد الإضافي فقط..
· لم تتنطّح لمهام الأرشفة الإلكترونية فيما يتعلق بالمواد النادرة أو ذات القيمة المعنوية العالية..
وأخيراً..
ما دام المسرح نفسه في حالة يُرثى لها فنياً وجماهيرياً، لا يُتوقع أن تكون المواقع المهتمّة به في حالة مثالية بالتأكيد مع تحية أصحابها على مجهودهم الكبير، فالأمر عائد لمبدأ علمي بديهي بالنسبة لطلاب المرحلة الابتدائية.. فاقد الشيء لا يعطيه!!
النشر الورقي: جريدة (شرفات الشام).
النشر الألكتروني موقع ألف
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |