(نساء بأقفال) لهيفاء بيطار/ العنوسة من الداخل
2009-08-28
تتمتع الكاتبة هيفاء بيطار بقدرة مميزة على وصف الأحاسيس المتباينة و رصد الصور المتعددة
لعيش المرأة في المجتمع العربي 0 و تأتي روايتها (نساء بأقفال ) كتتمة لمشروعها الروائي الساعي لفضح معاناة المرأة في المجتمع الشرقي و مكابداتها 0
و هذه المرة تضع هيفاء بيطار تحت مجهرها الروائي قضية العنوسة ، فتنطلق بحركة السرد من شخصية ناديا المرأة التي تجاوزت الخمسين فأصبحت في نظر المجتمع عانسة لابد أن تكرس حياتها للحفاظ على على سمعتها ، و العناية بأبن أخيها و التظلل بتعليمات العائلة 0
إلا أن لحظة ما تجعل الثورة تنفجر في عقلها متخذة قرار بممارسة الجنس مع رجال مروا بحياتها بدء من طبيب الأشعة الذي يتعامل معها كسلعة رخيصة ،حتى مصفف الشعر الذي تمر علاقتها معه بآلية و فتور 0
ناديا التي تقع ضحية مشاعر ملتبسة بين الإحساس بالذنب و التمتع بلذة اكتشاف جسد الرجل ،
تجمع صديقاتها العوانس لتعلن أمامهن أنها أقدمت على أول تجاربها الجنسية ، مما يحول الجلسة إلى مباراة في البوح فتناوبنا على سرد تجاربهن الجنسية الأول بحرقة ولّدتها سنوات الحرمان
و الزيف الذي حاول مجتمعهم أن يزرعه في عقولهم كمبادىء و قيم ، في نهاية الجلسة يتذكرون
دعاء صديقتهم العانسة التي التجئت إلى الدين فأصيبت بالهوس مستأصلت إحساسها بالحياة سعي
إلى تنقية روحها 0
ولا بد من الإشارة هنا أن الكاتبة برعت في تشريح شخصية دعاء و تجسيدها بانفعالاتها و أفكارها و هذياناتها ، و خلقها لعالم افتراضي يعوضها عن عالم تراه زائل و فاني 0 فبينت الكاتبة
كيف يتحول الدين إلى مضاد للحياة ، يرزلها و يمقت مادياتها 0
وبعد هذا العرض الجواني لألم شخصياتها العانسات ومعاناتهم والذي تراوح سرده بين التذكر والبوح الحميمي . تنتقل الكاتبة إلى المنحى الأكثر واقعية لموضوعها عبر شخصية هنادي دكتورة علم النفس التي قدمت دراسة معمقة عن ( العنوسة في العلم العربي كظاهرة نفسية خطيرة ) , معلية الجانب الوجداني الإنساني على المعطيات والأرقام العلمية مما دفع أستاذها الدكتور ناصر إلى رفض الأطروحة لحجة أنها لاتحمل خصائص البحث العلمي . يتملك اليأس هنادي وتشعر بالخيبة حيال نساء عانسات وضعن ثقتهن بها كاشفين أعماقهن والخراب الذي أحدثه المجتمع بهم فتتوالى إلى ذهنها صور هالة المخلصة الجمركية التي يجبرها الحرمان على مضاجعة شاب يعمل لديها واستهلاكه كسلعة تشبع الغريزة , وأمل التي تنهي جحيم حياتها بقرار الانتحار , وجولي المتحررة من أعباء مجتمعها التائهة بحريتها دون أن تجد الحب بعد نبذ المجتمع لها . تتسلم الدكتورة هنادي دعوة لحضور مؤتمر عن العنوسة وبعد أن سكنتها أرواح نسائها المقفلات، ةتوحد معهم و تقرر المشاركة في المؤتمر مقدمة محاضرة صافعة بها جميع الحاضرين معلنة حقيقة الألم الذي تعانيه نساء فاتهن قطار الزواج فحكم عليهم المجتمع بالموت البطيء .
تنتهي الرواية بتلقي الدكتورة هنادي رسالة مجهولة المصدر نتبين فيما بعد أنه من أحدى النساء اللواتي درستهم في أطروحتها فتكشف لها أنها انحرفت بمشاعرها نحو صديقتها بعد أن جففها حرمانها من الرجل من شهوة الحياة فغدت مثلية تعوض الرجل بالمرأة التي تشبهها بألمها ومعاناتها، فتأتي النهاية كنتيجة للكبت والحرمان وما يحدثه من أثار من خراب وخلل في العلاقات البشرية . غالبا ما تستفيد هيفاء بيطار من علم النفس في أفراغ ما اختزنته شخصياتها في مجتمعاتهم من كبت وحرمان ويأس وألم , فتستنطقهم في صفحات طويلة بمخزون ثري من المفردات والعبارات والصور مسخرة كل قدرتها الكتابية على تصوير أشكال الكره واليأس والازدراء وتباينها .
وفي هذه الرواية تستعين بعلم الاجتماع كذريعة روائية عبر شخصية الدكتورة هنادي وبحثها الإنساني في ظاهرة العنوسة ساردة شخصياتها العانسات بأصواتهن دون أن تقع بالتقريرية الفجة . وهذه الاستعانة بالعلوم الإنسانية لفهم الشخصيات وتقديمها بصدق , تبين أن هيفاء بيطار تهتم ببناء الشخصية وتناقضاتها , لدرجة أن مصائر الشخصيات وتجاربهم هي التي تحدد الأطر والتقنيات الروائية لا العكس ولعل هذا ما جعل الكاتبة تمحور روايتها حول موضوع العنوسة وتحللها من دو اخل شخصياتها اللواتي يعانين من تأثيراتها.
النص عند بيطار يرشح بالأفكار يعالج ويحلل ويفضح الزيف والأخلاق الكاذبة , ويضع القارئ أمام نساء محطمات يواجهن بعبثية أقدارهن المرهونة بمجتمع متخلف .
هو نص يستفز القارىء ويأخذه بالأفكار لجهات متعددة والكاتبة لا تتورع عن فضح الكم الهائل من الكذب الذي يهندس حياتنا .
في هذه الرواية بناء محكم وتحليل , خلق شخصيات وبث رؤى , جرأة متناهية فبيطار لا تلمح بل تصرح وتفضح تشخص وتحلل ولا تسقط في الخطابة المباشرة . كما تبرز قدرة واضحة على وصف المشاعر المتناقضة والتمكن الجسور من الغوص في أعماق النفس الإنسانية بآمالها وخيباتها وإخفاقاتها , إضافة إلى لمسات فلسفية تهب الأثر الفني بعد فكريا يرفع مرتبته في عيون قرائه .
ايلي عبدو
08-أيار-2021
18-تموز-2020 | |
سيسيولوجيا التجمعات الدينية في أن إحياء الأعياد يصنع الرثاثة |
30-آذار-2010 |
22-شباط-2010 | |
أيهم خيربك في "أسطر مالت وانزلق ما أقول" اقتراف المعنى العبثي |
17-شباط-2010 |
03-شباط-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |