تضع معظم الطوائف إن لم نقل جميعها مسألة تبشير الآخر في سلم اولوياتها. و إقناعه بعقائدها و مبادئها و تصوراتها للحياة و الآخرة . كما وترى في هذا العمل فضيلة و ثواب يحتسب للمؤمن يوم الدين 0
الوسائل و الأساليب التي تتبعها هذه الطوائف لا توفر حيلة أو ذريعة أو خبث للوصول إلى مآربها. فمهما تدنى المستوى الأخلاقي للوسيلة فهي مبررة بفعل قدسية الهدف وسموه 0
فقد يعمد مبشر ما بالتسلل عاطفيا إلى عقول الأطفال و المراهقين و حشوها بالمعتقدات و الأفكار الدينية التي تخص طائفته. و ذلك دون أي نظرة نقدية تحليلية تفحص هذه الأفكار و تناقشها
.وآخر يستغل تدني المستوى المادي عند عائلة ما و يدفع لأفرادها المال مقابل انضمامهم إلى ملته. تماما كما يفعل السياسيون في مواسم الانتخابات حيث يوزعون المال السياسي في كل مكان كذلك هؤلاء يوزعون المال إنما الديني0
.و مبشر ثالث يمالىء و يكذب و يبدل أفكاره بأسلوب حربائي ليتلاءم مع أي فكر يطرح فيتسلل إليه بحيث يضخ فيه عقيدته0
انه هجوم متعدد الإطراف يستخدم كل أنواع الأسلحة الفكرية و العاطفية و المادية. من أجل بلوغ النصر في احتلال عقل الآخر و بسط عقيدة ما في أرجائه. إمبريالية دينية تبتغي التوسع و رفع راية انتصارها في كل عقل و كل ثقافة 0
ما يساعد هذه الطوائف على التمدد و حتى التنافس فيما بينها على حصد العقول .هو غياب العقلانية في مجتمعاتنا كأسلوب تفكير أي تفكيك كل فكرة و تحليلها عميقا قبل الاقتناع بها حيث أن الغالبية المجتمعية العظمى تفكر غرائزيا و عاطفيا فلا تخضع المفاهيم للفحص و النقد بل تقدسها كمسلمات متوارثة أمتزج فيها الديني بالاجتماعي .
بعض هذه الطوائف يرفع فعل التبشير كواجب و مقدس . فالمبشر يرى انه يمتلك العقيدة الصواب و لابد أن يقنع الآخر المضل بهذه العقيدة و أحكامها0 و الخطورة هنا بالنظر إلى الآخر على انه مضل و بمجرد اقتناعه بعقيدة المبشر يعود عن ضلاله. مما يحول التبشير تكفيرا للآخر و نفي أي جزء من الحقيقة عنه و في حال فشل عملية التبشير بالوسائل الترغيبية يصبح العمل بالترهيب و العنف مشروعا ومبررا. فتصير العقيدة سيف يجز الرؤوس طالما إن هذه الرؤوس لم تقتنع بها0
لابد أن تعي جميع الطوائف إن عصر التبشير قد ولى و دخلنا زمن الحوار أي ليس إقناع الآخر بما أعتقد و أومن بل التوصل معه إلى ارض مشتركة تربتها قيم و مبادىء إنسانية نبني عليها عالما حر عادل يتعايش أبناءه بسلام 0
ايلي عبدو