كيف تقوم الدراما السورية بـ «تنبلة» المُشاهِد.. أحياناً؟!!
2009-09-13
يظهر سامر المصري في إعلان مسلسل (الشام العدية) لإياد نحاس متجهّماً مع حفنة من المرافقين أشبه بـ «الشبّيحة»، ويقدّم نفسه على أنّه «أبو حجاز.. سيد مَن ضرب شنتيانة بالشام كلّا»، مطالباً الجمهور بعرض «مراجله» على روتانا خليجية!! ولمَن لا يعلم، فإنّ «الشنتيانة» التي يلوّح بها المصري في الإعلان الأثير هي سلاح أبيض يستخدمه «الزعران» و«البلطجية» عادةً في الشوارع، ممّا يتنافى مع شخصية أبو حجاز الوطني الذي يبذل دمه في سبيل البلاد دون تردد..
المهم، يبدأ المسلسل بمشهد يمكن وصفه بالسريالي، عندما يتهادى أبو حجاز بحصانه أمام كتيبة كاملة من الجيش الفرنسي، غير عابئ بوابل الرصاص الذي ينهال عليه كالمطر دون أن يصيبه، على الرغم من الأمتار «المضحكة» بينه وبين الكتيبة المدرّبة التي يستميت قائدها ليصيب أبو حجاز بخدش واحد دون جدوى..!!
هكذا ينجح «سيد الشنتيانة» في تخليص الثوّار من موت محقق بطريقة استعراضية تتجاوز استهتار جيمس بوند بمراحل، قبل أن ينتفض الثوار بوجه الفرنسيين محققين نصراً مبيناً بسلاحهم الأبيض! مع ملاحظة أنّ المسلسل لا ينتمي لكوميديا «الفارْس» وليس موجّهاً للأطفال دون سن العاشرة، بل هو تتمّة «شبه مفبركة» لمسلسل (بيت جدي) الذي لاقى جماهيريةً كبيرةً العام الفائت، دفعت القائمين عليه إلى إنجاز جزءٍ ثانٍ بأيّ ثمن.. فها هو بسام كوسا حيّ يُرزق بقدرة قادر، وسامر المصري ينضمّ للعمل بدور مفصّل على عجل وكيفما اتفق، ليحقق خطوة انتقامية من بسام الملا مخرج (باب الحارة) على حدّ زعم بعض المتابعين، خصوصاً مع التكرار المخيف للممثلين بين العملَين المتنافسَين..
الحال ليس أفضل في بقية الأعمال التي تصرّ فيها الممثلات السوريات على الظهور بماكياج كامل دون الاكتراث لبديهيات مثل طبيعة الدور وظروف المشهد وبيئة الشخصية، فبنت البيئة العشوائية المعدمة في (قاع المدينة) لسمير حسين تجد مالاً كافياً لشراء ماركات الماكياج الباهظة وماسكات الوجه الصارخة، بل وتصرّ على النوم والاستيقاظ بكامل زينتها! كذلك الأمر بالنسبة للطبيب الميسور في (قلبي معكم) إخراج سامر برقاوي، حيث يستيقظ بطلنا من النوم بشعر مصفّف بعناية تناسب حفلاً رفيعاً أو مناسبة استثنائية!! أما في (صبايا) لناجي طعمي فحدّث ولا حرج؛ البنات يطبخنَ وينظّفنَ المنزل كعارضات أزياء في ذروة الديفيليه، بل ويتغير ماكياجهنّ بين ثانية وأخرى بفعل ساحر!!
أما على الصعيد الدرامي والفكري، فلا يمكن التفكير بمثال أفضل من مسلسل (رجال الحسم) لنجدت أنزور؛ الممثلون جاهزون لإتقان جمل عبرية وألمانية مهما بلغت صعوبتها، في حين لا يمكن لأهل الجولان «السوري» التكلّم بلهجتهم الأصلية من مبدأ «جحا أولى بلحم ثوره»، والتي كان يمكن أن تُوظّف درامياً مع مشاهد العادات والتقاليد الجولانية في الحلقات الأولى، للتأكيد على أصالة المنطقة وانتمائها الوطني..
الأمر يتجاوز حدود المنطق والعقلانية لاحقاً مع مشاهد «الفلاش باك» الكثيرة في المسلسل، فيتذكر فارس (باسل خياط) حديثه مع ميراج (مايا نصري) في المشهد التالي مباشرةً (أي أنّ الحديث يُكرّر مرتَين في مشهدَين متعاقبَين)، وهو أسلوب مستفزّ قد يليق بطفل ساذج دون السادسة مع تكرّره أكثر من مرة، لا بمتفرّج واعٍ مهتمّ بمتابعة طرح يمسّ قضية بلده الأولى!!
في (باب الحارة) لبسام الملا ملحمة كاريكاتيرية عبثية أخرى! فأهل الحارة يجيدون التنكّر ويتقنون تكنيكات القتال المتطوّرة التي تردع جيشاً نظامياً متقدّماً كالجيش الفرنسي، بل ويفلحون دائماً في إظهار غباء الضابط الذي أدركنا أنّه فرنسي الجنسية من لفظه «الراء» «غاء»! ليصل الأمر بمعتز (وائل شرف) إلى الوقوف بمفرده خلف باب الحارة الموصد، ومخاطبة «الفرنساوية» بلهجة «القبضاي» الذي لا يهاب شيئاً!!
الأمثلة السابقة ليست من باب التنظير الفارغ أو التفذلك المتأتّي من محاولة متحذلقة لتصيّد الأخطاء والهفوات، بل تأتي في سياق الإشارة إلى ذهنية بعض صنّاع الدراما، الذين لا يدركون أنّ إهانة ذكاء المتلقّي بهذا الشكل المزعج قد يسبّب أثراً رجعياً غير مستحب، فكم من مُشاهِد عزف عن متابعة (الشام العدية) بعد ذلك المشهد الملحمي! وكم من متذمّر انتقد المستوى الذي بلغه (باب الحارة) في جزئه الجديد رغم الوعود الكثيرة بشأنه!!
«الحياتية»، شكلاً ومضموناً، هي إحدى الصفات الأساسية التي ميّزت الدراما السورية عن سواها ومكّنتها من التفوّق والريادة، بعد أن أحسّ المواطن العربي بقرب شخصياتها من واقعه وتبنّيها لهمومه وقضاياه، فهي ليست من كوكب آخر ولا تبدي تصرفات غريبة عن الطبيعة البشرية والسيرورة التاريخية للعمل، وبالنتيجة باتت تعنيه فعلاً وتذكّره بقريب أو صديق.. إذاً: مَشاهِد كالتي ذكرناها كفيلة بإحداث ضرر دائم بمكانة الدراما السورية في عقل المتلقّي، وبالتالي لا بدّ من معاملتها كعدو أو جسم غريب يجب لفظه والتعامل معه بقسوة متعمّدة، تنبع من ذات المطبخ الدرامي أولاً وداخل المحرق النقدي ثانياً..
لننظر إلى مظهر سلافة معمار وثناء دبسي وبسام كوسا في (زمن العار) لرشا شربتجي، ولنستمع إلى حوار (عن الخوف والعزلة) لسيف الدين سبيعي، إضافةً إلى العديد من الأمثلة الصارخة.. علّنا نستفيد من ذهنية حياتية جادّة تستمدّ قوتها من صلب الواقع، ولا تقوم على مبدأ «تنبلة» المُشاهِد العربي وعزله عن ذخيرته الفكرية، كما لو كان كاراكتراً ناجحاً في إحدى كاريكاتيرات علي فرزات الساخرة.. للغاية!!
النشر الورقي: ملحق (تشرين دراما).
النشر الألكتروني موقع ألف
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |