(إبراهيم الأبيض).. عنف مسجّلي الخطر على حساب قصصهم!!
2009-10-14
للمنتجين والقائمين على سينما سيتي كل الحق في التحذير من عنف بعض مَشاهِد هذا الفيلم، الذي كتبه عباس أبو الحسن في أول سيناريو له بعد ظهوره كممثل في أفلام مثل (حسن ومرقص) 2008 و(عمارة يعقوبيان) 2006 من إخراج مروان حامد صاحب (إبراهيم الأبيض) أيضاً.. فالشريط الذي تناول سيرة مسجّل خطر حقيقي في عشوائيات القاهرة، زاخر بالدماء المتطايرة جرّاء «تشطيب» الأسلحة البيضاء للأجساد البشرية في مشاهِد عنف شارعي استمرّ بعضها لأكثر من 15 دقيقة كاملة! ولعلّ إتقان هذه المشاهِد إحدى النقاط القليلة –لكن المركّزة- التي تصبّ في صالح الفيلم، لتضاف إلى غيرها من إيجابياته للخروج بنتيجة مرضية بعض الشيء..
الأكشن هنا متقن –ربما أكثر من اللازم- ولا يُعامِل المتفرّج بسذاجة أو يهين ذكاءه كالمعتاد في الأفلام العربية، فيمكن رؤية «الشنتيانة» بيد إبراهيم الأبيض (أحمد السقا) وهي تمسح فخذ الخصم وتدميه بتفصيل واقعي فريد، كما ضربات رفيق دربه عشري (عمرو واكد) الموجِعة وهو ينهال بالحجر على وجه أحد رجال عبد الملك زرزور (محمود عبد العزيز)؛ ملك العالم السفلي الذي لا يرحم حتى أولاده، فنقطة ضعفه الوحيدة هي حورية (هند صبري) التي ترتبط بقصة حب متأرجحة مع إبراهيم رغم عمله تحت إمرة زرزور..
هكذا نجح الفيلم إلى درجة معقولة في التصدّي لروح عالم العشوائيات العنيف، مع ديكور أنسي أبو سيف جعل التفريق بين الواقع والتقليد أمراً شبه مستحيل، وجمال الصورة السينمائية التي صنعها سامح سليم من روح البيئة تماماً، وموسيقا هشام نزيه التي رافقت الوجه الإنساني لشخوص الشارع المتطاحنة، واجتهادات المخرج الشاب مروان حامد (ابن السيناريست المعروف وحيد حامد) الذي حاول تقديم طرح جريء وطموح رغم كل شيء..
كل ذلك أتى على حساب احترافية السيناريو وإتقان صنعته، والنص الأول لا يغفر لعباس أبو الحسن الخلل في الإيقاع ومشاكل الترابط عموماً، فظهرت أفعال الشخصيات مبهمة في بعض الأحيان، عرجاء، فاقدة للبوصلة الدرامية الصحيحة.. مشكلة ضبط الإيقاع جعلت الفيلم يبدو كفلاشات متعاقبة لمسجّلي الخطر وقطّاع الطرق وتجّار المخدرات المرتزقة، دون غاية محددة يمكن ملاحظتها أو حمولة فكرية للحديث عنها.. اللهمّ إلا مشكلة إظهار إبراهيم الأبيض كبطل شعبي مغوار أو ضحية بائسة لشريعة الغاب التي كان بإمكانه الخروج عنها عشرات المرات لو أراد، فأنّى للمتفرّج أن يتعاطف مع مسجّل خطر شهير وتاجر مخدرات عريق بل وقاتل شرس عن سبق الإصرار الترصّد..؟!
في فيلم (العرّاب) الغنيّ عن التعريف، قد يجد المتلقي نفسه في حالة تعاطف أو حب لمايكل كورليوني زعيم المافيا، إلا أنّ النص –في الوقت نفسه- يقدّم كل الأسباب الكفيلة بكره مايكل من الناحية الفكرية على الأقل، فهذه الشعرة الفاصلة بين التشويق الدرامي والمسؤولية الأيديولوجية هي الفرق بين طرح وآخر في هذه النوعية من الأفلام، وهي ما كان على صنّاع (إبراهيم الأبيض) الالتفات إليه..
كما أضاف الفهم المشوّه لمصطلح «ملحمة» الكثير لمشاكل الفيلم، الذي ادّعى تقديم ملحمة شعبية من عالم السلاح الأبيض، فالملحمة لا تعني الإنتاج الضخم أو كثرة عدد المجاميع أو المؤثرات المبهرة أو المعارك الضخمة.. بل هي السيرة الكاملة لبطل أو شعب ما على امتداد سنوات من الأحداث والتحوّلات مدعّمةً بكل ما سبق، والرجوع بعض الشيء لطفولة إبراهيم لم يكن كفيلاً بسد ثغرة كبيرة كهذه..
هذا لا يعني أنّ السيناريست لم يقترح بعض المشاهد اللافتة مثل صلاة عبد الملك زرزور على الغائب، إضافةً إلى الحوار الأصيل الحقيقي الخارج من صلب الشارع تماماً.. مثلاً يقول أحد الممثلين: «مات الكلام» بدلاً من «انتهى الكلام»، ويتساءل محمود عبد العزيز بتحدّ غاضب للجميع: «حد له شوق في حاجة؟!»..!!
يمكن لهواة الأفلام تلمّس مسحة هندية واضحة في بعض المَشاهِد والأحداث، خاصّة في المعارك التي تصدّى فيها إبراهيم الأبيض لمنطقة كاملة بمفرده، أو حتى النهاية المتوقعّة التي شاهدناها عشرات المرّات في أفلام بوليوود من قبل.. فبعض المَشاهِد كانت أطول من اللازم مثل المطاردة الأولى لإبراهيم الصغير والشاب، وأخرى احتاجت إلى تركيز أكبر مثل يوم العيد في منزل عبد الملك زرزور، وبعضها ظهر عابراً ممجوجاً خارجاً عن السياق رغم أهميته الدرامية الملحّة وكأنّه صُوّر على عجل مثل محاولة الاعتداء على حورية..
كل ذلك أثّر على أداء بعض الممثلين مثل أحمد السقا (تيمور وشفيقة، الجزيرة) الذي لم يكن بأحسن حالاته بالتأكيد، فبدا تائهاً يبحث عن الشخصية في كثير من المَشاهِد، على عكس (تيتو) عام 2004 لطارق العريان الذي لعب فيه دوراً قريباً بعض الشيء.. كذلك هند صبري (ملك وكتابة، بنات وسط البلد) التي اتّصف نتاجها في الفيلم بأنه ميكانيكي وظيفي دون اشتغال خاص أو إضافات مميزة على الشخصية، التي كانت تحتمل المزيد سواءً على مستوى الكتابة أو الأداء..
بالمقابل، قدّم عمرو واكد (دم الغزال، لي لي) أحد أفضل أدواره على الإطلاق، وظهر ممسكاً بتفاصيل شخصية مسجّل الخطر الذي تجبره الظروف والجهل على فعل ما لا يريد في كثير من الأحيان، فتجلّى تفوّقه على أحمد السقا خاصّةً في المَشاهِد التي جمعتهما معاً..
محمود عبد العزيز (الكيت كات، رأفت الهجّان، أبو كرتونة) حكاية أخرى بالفعل، فقد أثبت أنّه من أهم ممثّلي جيله –إن لم يكن أفضلهم- من خلال عصارة الخبرة التي صبّها في شخصية مركّبة مثل عبد الملك زرزور، حتى أنّ مشاهده كفيلة لوحدها بالتعويض عن أي هفوات أخرى في الفيلم، لما فيها من اشتغال عالٍ على الشخصية وتحكم استثنائي بأدواتها (تسخير ملامح الوجه - أسلوب الإلقاء المميز - استغلال ترهلات الجسد..)، فظهر الرجل الستيني جديداً، حيوياً، مختلفاً عن الأدوار التي اعتادها في سلسلة الأفلام التي يُنصَح بمشاهدتها مثل (خلطبيطة) 1994، (البحر بيضحك ليه) 1995، (القبطان) 1997، (هارمونيكا) 1998، (سوق المتعة) 2000، (الساحر) 2002..
عموماً، يبقى مروان حامد مخرجاً واعداً ما زال في جعبته الكثير بعد (لي لي)، (عمارة يعقوبيان) و(إبراهيم الأبيض)، الذي نجح في إنجاز مقطع عرضي غرافيكي من عالم العشوائيات ومسجّلي الخطر، مورّطاً جرعةً زائدة من مشاهد العنف التي يمكن اعتبارها أفضل ما في الفيلم كلّه!
بطاقة الفيلم:
الاسم: إبراهيم الأبيض.
تأليف: عباس أبو الحسن.
إخراج: مروان حامد.
إنتاج: غود نيوز للإنتاج الفني (ليلة البيبي دول، حليم).
الميزانية: 20 مليون جنيه.
عام الإنتاج: 2009.
تمثيل: أحمد السقا - عمرو واكد - هند صبري - محمود عبد العزيز - حنان ترك - باسم السمرة.
احتلّ الفيلم المركز الخامس في شبّاك التذاكر بـ 14 مليون جنيه، لتحافظ الشركة على عادتها بإنتاج أفلام ضخمة وخاسرة في آن.
النشر الورقي: جريدة (الأسبوع الأدبي).
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |