عندما يعلو الصوت سينمائياً.. غواية الحضارة وسلاحها الفتّاك!!
2009-10-30
«لو كان كل شيء على ما يُرام في الجانب المظلم من القمر.. اعزفوا النغمات الخمس»
كتب المخرج الأمريكي الشهير ستيفن سبيلبرغ هذه العبارة في قصته الشهيرة (لقاءات من النوع الثالث) التي تنمّ عن موهبته الأدبية أيضاً، قبل أن يخرجها بنفسه للسينما عام 1977 في فيلم استثنائي حمل العنوان نفسه، وشكّل علامةً حقيقيةً في تاريخ السينما من ناحية الإخراج والمؤثرات الخاصة البصرية والصوتية (موسيقا جون وليامز ومؤثرات خاصة دوغلاس ترومبل)..
النغمات الخمس الغامضة؛ «الموتيف» الصناعي الغريب الذي سخّره سبيلبرغ لأداء أكثر المهام إثارةً للاهتمام في تاريخ الحضارة البشرية على الإطلاق، أي التواصل مع حضارة عاقلة من كوكب آخر، ليتمّ بنجاح تاريخي أول لقاء من النوع الثالث* بناءً على موعد مسبق، مع عرض كوني بالصوت والضوء لم تشهد له السينما مثيلاً من قبل..!!
هنا يبرز مفهوم الصوت في السينما من عدّة نواحي: الوظيفة الدرامية المؤثرة، المعنى المجازي والتطور العلمي الصارخ.. فالصوت هنا تنطّح لدور الشخصية الحاسمة التي تظهر في ثلث الفيلم الأخير لتقود أحداثه نحو الحل؛ روي نيري (ريتشارد درايفوس) وزوجته روني (تيري غار) وسكان المنطقة حائرون في سبب الظواهر الغريبة التي طرأت على حياتهم.. ها هو الفونوغراف يعمل تلقائياً مصدراً اللحن المميز لحلقات برنامج (شارع السمسم) في توريط صوتي آخر ضمن الأحداث/الظواهر، ناهيك عن الأضواء الغامضة وحروق الوجه ورؤية الجبل الغامض باستمرار وغير ذلك.. بالنسبة للأمريكيين، مَن قد يكون خلف ذلك سوى كائنات الفضاء أو (الأجسام الطائرة غير محددة الهوية) UFOs..؟!
هنا يأتي دور النغمات الخمس لإجراء الاتصال المنشود مع الحضارة التي اعتادت التواصل مع أهل الأرض منذ أمد غير محدد، ليتجلّى مجاز الصوت في التعبير عن كيان جنس بأكمله، وتحويل خلاصة التجربة الإنسانية إلى نوتات يلعبها رجل يشبه شكسبير على جهاز الأداء الصوتي Synthesizer!!
وعلى سيرة الأجهزة والتقنيات، يكفي أن نعلم أنّ بعض الأجهزة والمعدّات المستخدمة في هذا الفيلم كان حقيقياً، وأنها بقيت سرية للغاية حتى فترة قريبة عندما أفصحت الحكومة والشركة المنتجة عن ماهية الأجهزة وأنواعها..!! فليس غريباً أن معظم النقاد والمؤرّخين يصنّفون تاريخ المؤثرات الخاصة إلى ما قبل (لقاءات من النوع الثالث) وما بعده..
ضمن أفلام أخرى حول كائنات الفضاء نجد استخداماً مغايراً للصوت، ففي كوميديا (المريخ يهاجم) عام 1996 (موسيقا داني إلفمان وإخراج تيم بورتون) يكتشف ريتشي نوريس (لوكاس هاس) أنّ الضجة هي نقطة ضعف المرّيخيين الغزاة بعد سماعهم لأغنية سليم ويتمان الشهيرة Indian Love Call.. هكذا يمسي الصخب سلاح البشر السحري الذي يفتك بأهل الكوكب الأحمر بعد مشارفتهم على النصر المبين، ويبرز الصوت كمنقذ للحضارة بعد أن كان حاملاً لها في فيلم سبيلبرغ الأثير..
في فيلم (عيد الاستقلال) عام 1996 (بطولة ويل سميث وإخراج رولاند إيميريش)، يقوم الغزاة الفضائيون باستخدام الحبال الصوتية الإنسانية لإيصال رسالة لطيفة لسكان كوكب الأرض مفادها: «موتوا.. فقط موتوا»!! فالقادمون من الفضاء الخارجي لا يمتلكون صوتهم الخاص، وبالتالي احتاجوا -رغم قوتهم الهائلة- إلى وسيط خارجي لإجراء الاتصال الوحيد مع خصومهم الجدد..
لسنا بصدد مفاجأة فيلم آلان كروسلاند (مغني الجاز) عام 1927 (أول فيلم ناطق)، ولا يعنينا الآن إصرار شارلي شابلن على استبعاد النطق من أفلامه حتى عام 1936، فيمكن لأي متصفح لموقع الويكيبيديا أخذ كفايته من الوجبة التاريخية الدسمة.. المهم هو كيف عامل السينمائيون درامية الصوت ومجازيته باحترام بالغ، وكيف استنزفوا خصائصه غير التقليدية والبعيدة عن المباشرة للخروج بأبهى النتائج..
ماذا لو لم تكن النغمات كافية لإقناع زوار الأرض بالتفاعل معها والاستجابة لهستيريا الفضول البشري وشبق الإنسان المعرفي غير المنتهي..؟! إنها غواية الصوت التي اختصرت الحضارة في نغمات خمس انتقاها سبيلبرغ بعناية بالغة مع جون وليامز الذي سيكون رفيق دربه فيما بعد، لإثبات أنّ الإبداع الفني/الصوتي يمكن أن يكون رسولاً أميناً للحضارة.. كما يمكن أن يكون هو الحضارة نفسها!!
علي وجيه
[email protected]
*لقاءات من النوع الأول: رؤية جسم طائر مجهول الهوية.
لقاءات من النوع الثاني: رؤية آثار مادية مؤكدة لهذا الجسم.
لقاءات من النوع الثالث: حدوث لقاء فعلي بين ركاب الجسم الطائر وبين البشر.
عن جريدة (شرفات الشام).
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |