ثمة في كل جريمة قاتل خفي ، لا مرئي ، يتسلل بخبث و يختبئ وراء الحدث يُخرج تفاصيله مثلما يشاء . هذا القاتل لا تستطيع شرطة و لا محكمة النيل منه . هو النحن الأعلى المستبطن في تلا فيف أدمغتنا و الآخذ بنهشها .
هو كل ما تخرجه ألسنتنا من سموم قبل الجريمة و بعدها ، هو أفكارنا التي تستسهل الإدانة ، و ذهنياتنا الغارقة في وحل البداوة ،و استرخائنا أمام مشهد النزوح الدائم من البراءة إلى الفراغ ، و قبولنا بكل زاوية خراب من حولنا .
قاتل يقهقه في داخلنا
لا يحمل سكين أو بندقية هذا بالنسبة له أمر ثانوي.
لا يعرف السكينة ، لا يتعب ،هو ليس شيطان ، الشيطان نفسه ضحيته ، يوظّفه في حرف الانتباه عن نفسه .
قاتل يتمأسس
يصبح أسرة ، مدرسة ، جامعة ، دار عبادة ، نادي ، شركة
قاتل يتأدلج
يصبح شرف عائلة ، تكفير للآخر، رفض ، إلغاء
قاتل يتفكرن
يصبح أفكار، رؤى ، أحاديث ، حوارات
قاتل يعرف كيف يقتل فينا كل إمكانية للتعاطف و التسامح و الصفح .
يدرّبنا كيف نقتل بعضنا بعضا ، ثقافة و فكر و سلوك ، و يصبح فعل الارتكاب أمر بديهيا .
يحوّلنا إلى محاسبين نجرد خطايا بعضا
لكن من يحاسب من ، جميعنا ملوثين نتحرك تحت أنظمة المعنى الغبي و نسير بلا إرادة .
يوجد في علم النفس نظرية تعفي الإنسان من مسؤولية أفعاله و تردّها إلى اللاوعي ، كما يوجد نظرية تناقضها .
لكن الواقع أوسع من النظريات ، أشد الماً .
نحن و لأننا مقتولين نحاسب من نظنه قاتلا ، نرمقه بشماتة و نرّجمه كل لحظة في أحاديثنا .
نحلّل شخصيته و نلوّم أسرته . كل ما فينا من سواد و شر نعلّقه عليه . يصبح مشجبنا يستطيع كل منا التخفف من جرائمه بالحديث عنه .
من نظنه قاتل ليس وحده ضحية القاتل الخفي ، انه واحد من حشد كبير ، لكنه وحده ظهر إلى الضوء فيما نحن نحجز أمكنة في العتمة .
من نظنه قاتل ليس بريء لكنه وصل إلى ذروة الفعل فيما نحن متفاوتي البعد عن هذا الفعل .

لو إننا نتوقف عن لوم من نظنه قاتلا ، و نبحث عن أدلة و براهين تدين القاتل الخفي
لثبتت براءتنا جميعا .

ايلي عبدو

××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف