قرية (ابن هانيء ) آخر معاقل الفينيقيين في اللاذقية تباع لمصلحة الاستثمار السياحي
خاص ألف
2010-01-20
ذكرني أهل قرية (ابن هانيء ) بآخر أيام قرطاجة ، عندما فلحها الرومان ، وذرّوا الملح في أرضها كي لا تثمر بعد ذلك . حدث ذلك في بدايات القرن الأول الميلادي ، الرومان اعتذروا مؤخرا ً عندما قام بعضهم برحلة رد اعتبار ٍ إلى قرطاجة ليعبروا عن تضامنهم معها بعد مئات ٍ من السنين . أما من فلحوا أرض (ابن هانيء ) وبدؤوا بإقامة المشاريع السياحية عليها ، فلا ندري متى سيقدمون اعتذارهم عن ذلك ؟.
بعيدا ً عن الذكريات ، وقريبا ً من المكان ، قال لي أحد أبناء (ابن هانيء ) :
" صرنا عميان ، اقتلعونا من قريتنا ، رمونا بعيدا ً عن مراكبنا ، وعن شاطئنا ، لم نعد نرى ، نحن في مكان ، مراكبنا في مكان ، وبيوتنا في مكان ٍ آخر ، اسمنت بارد ٌ لا حياة فيه . تصور أن ننام بعيدا ً عن مراكبنا ، ونترك شباكنا بعيدة ً عن بيوتنا ؟ "
وبعيدا ً عن القوانين وتطبيقاتها ، وعن التعويضات المالية والإدارية التي تقدمها الجهات المسؤولة والمستثمرة ، فإن ما يحدث في (ابن هانيء ) لا يمكن تقبله ، ولا السكوت عنه .
وبعيدا ً عن (ابن هانيء ) ، وقريبا ً من اللاذقية (تلك المسكينة ) المصير عينه هنا وهناك . وحتى قريبا ً من طرطوس ، معاقل الفينيقيين تنهار ،في عمريت وفي أرواد ، وهل من يهتم ؟ وهل من يشعر بأن شيئا ً ما يحدث ؟ . لن نبتعد كثيرا ً عن (ابن هانيء ) ، في مقالنا هذا ، وربما كانت لنا وقفات ٌ أخرى في الأماكن الأخرى .
وخاصة ً في حدوث أمر ٍ طاريء ٍ وهو اكتشاف موقع ٍ أثري ٍ في المكان أثناء عمليات البناء ، مما سيحول الحديث نحو أمور ٍ أخرى .
في التعريف
قرية (ابن هانيء ) تعود تاريخيا ً لعمق التاريخ الأوغاريتي ،بدأت في فترة ازدهار أوغاريت ، ثم تحولت إل مرفأ فينيقي ٍ في فترات ٍ لاحقة ، واسمها هذا تيمنا ً بالمسعود ابن هانيء ابن عمة الرسول محمد عليه السلام . أما اليوم ، فقد كانت حتى هذه اللحظة المرفأ الوحيد للصيادين الذين ما يزالون يعيشون حياة أجدادهم الفينيقيين ، والمهددين رسميا ً بالإخلاء ، واللجوء إلى المكعبات الإسمنتية التي جهزتها شركة الديار لهم .وهذا يتم وأنا أكتب هذه الكلمات ، مساء الاثنين 18-1-2010 والخبر ينشره (موقع شام ف م ) متفاخرا ً بإنجاز الشركة (الديار ) التي توزع الشقق السكنية الجديدة على الصيادين المستملكة بيوتهم وشواطئهم ، ومراكبهم ، وملح طعامهم ، ...ويستبدل مداهم المتوسطي بمكعبات ٍ إسمنتية ٍ بمثابة قبور ٍ للصيادين .
في الاستثمار
كغيرها من المواقع الساحلية ، خضعت القرية للاستملاك السياحي ، قبض بعض الأهالي تعويضاتهم ، ولم يقبل آخرون بذلك ، ومعروف ٌ أن القيمة الحقيقية لهذه التعويضات لا تفعل شيئا ً هذه الأيام .
من هنا بدأت (شركة الديار القطرية ) بإقامة مشروع ٍ سياحي ٍ ضخم ٍ في مكان القرية ، ولتنفيذ ذلك بنت البيوت اللازمة لسكان القرية في طرف المشروع ، وتنوي إقامة مرفأ لهم في منطقة ٍ ما (بعيدة عن بيوتهم ) ،أي أن الذي حدث يمكن اختصاره بالتالي :
يتم هدم وإزالة آخر قرية ٍ من على شاطئ اللاذقية ما يزال أهلها يعيشون حياة البحارة والصيادين الأوغاريتيين والفينيقيين أجدادهم ، ليحل محلها مشروع ٌ سياحي ٌ نوعي ٌ مهم ،والسؤال : هل القيمة المادية لأي مشروع ٍ ، ومهما كانت كبيرة ً يمكن أن تعوض الخسارة الاجتماعية والبيئية الحاصلة نتيجة إزالة هذه القرية ؟.
إذا ً ، وبشكل ٍ مسبق سنؤكد ، أن السلطات الإدارية السياحية السورية ، وضمن مفهومها الحالي في التسويق السياحي ،لن تتحمل أية مسؤولية ، فقد اتبعت الخطوات النظامية في الإستملاك ، والتعويض ، وفي تلزيم المشروع ، ولا ندري بعد ذلك ماذا يحدث ، ولمن ستعود الملايين الكثيرة ، والأرقام المرعبة التي (يحكى ) عنها ،وكأنها من الخيال لا الواقع .
تلك المسكينة ماذا بقي لها ؟
قرية ( ابن هانيء ) ليست الموقع الوحيد الذي أزيل من اللاذقية
( تلك المسكينة) بل ربما من المواقع القليلة الباقية ، ومن الشواطئ القليلة الباقية ، وسيأتي يوم ٌ ليس بالبعيد ، الذي سيبحث أهل اللاذقية فيه عن مكان ٍ يلجؤون إليه للاستحمام والاستجمام ، وسيكتشفون أن ذلك ليس من حقهم ، ولا يوجد مثل تلك الأمكنة ، لأن المهم لدى السلطات الرسمية ، وخاصة ً السياحية ، هو الاستثمار . وهنا السؤال الأكبر :
ماذا يعني الاستثمار ؟
هل يمكن أن يكون بتحويل مواقعنا الطبيعية والبيئية والأثرية إلى أماكن يقصدها السياح ؟ وهل هذا أهم من إبقائها في خدمة أهلنا وبلدنا ؟ وهل يمكن أن يكون الأجنبي أو الآخر كائنا ً من كان أهم من (ابن البلد ) ويتمتع بطبيعتنا التي نحرم منها ؟؟ خطوط ٌ حمر ٌ كثيرة ٌ وكبيرة ٌ يجب أن توضع تحت الجمل السابقة عند مناقشة أي استثمار ؟.
ضد الاستثمار ؟ ضد الحداثة ؟
سيتبادر إلى ذهن البعض أننا ضد تطوير وتحسين مواقعنا ، ووضعها في الاستثمار ، والجواب ببساطة : إذا كان هذا التطوير في الاستثمار سيقضي على الباقي من تراثنا فنحن ضده ، وأسوق أمثلة ً كثيرة ً فمسئولو بلدات ٍ كثيرة ٍ في أوروبا رفضوا دخول تقنيات كالإنترنت مثلا ً إليها ، حفاظا ً على بيئتها وتنوعها ـ وما إلى ذلك . وأعتقد أن سلطات تلك البلدات والسلطات المركزية فيها تعي ماذا يعني الإستثمار والتطوير، ووافقت على المبدأ القائل بخصوصية البلدات .
الحفريات الأثرية
إذا ، وليس بعيدا ً عما يحدث ، (وكالعادة في اكتشافاتنا الأثرية ) وعندما كانت الجرافات تذيل التراب من المواقع المحيطة بالقرية ، فقد ظهرت بعض الآثار في سويات ٍ مختلفة ٍ من السطح وصولا ً إلى حوالي خمسة أمتار في العمق ، مما يدل أن سويات ٍ أخرى أدنى يمكن أن تظهر إذا تابعت الجهات المسؤولة عمليات الحفر ، وهنا نذهب إلى موضوع ٍ آخر ، فإن اللقى الأثرية وبقاياها تعود إلى عصور ٍ مختلفة ٍ بدءأ من الأوغاريتي - الذي تمثله أحجار ٌ أعيد استخدامها - إلى الكلاسيكي (يوناني وروماني ) إلى الإسلامي الذي يعود لمئات السنين .
يمكن أن يقول قائل ٌ ، وما أهمية هذه الأحجار ؟ وما قيمة هذه اللقى التي نملك الكثير منها ، وأية فائدة ٍ منها ؟ وهذا نتوقعه بشدة ، لكن لا بد لنا من التأكيد أن كل حجر ٍ لها أهمية وقيمة أي مشروع ٍ أو استثمار ٍ تقومون به ، ولو عاد عليكم بمليارات الدولارات . واستثماراتكم هذه ليست تقدما ً في الاستثمار السياحي بقدر ما هي هدم ٌ لقيمنا الإنسانية التي بدأت أسعارها تقل كثيرا ً لدى بعض المسؤولين .
ابن هاني ، رحمك الله ، وأسكنك فسيح جنانه ، وأولاد ابن هاني ألهمكم الله الصبر والسلوان . ولا حول ولا قوة إلا بالله . وإنا لله وإنا إليه راجعون . وإلى موقع ٍ آخر في الساحل السوري .
سجيع قرقماز
البارحة ( الثلاثاء 19-1-2010 ) أوردت وكالات الأنباء ما يلي :
أقيم كرنفالٌ سياحيٌ كبير ٌ برعاية وحضور"معالي وزير السياحة السوري " وخلال مؤتمر صحفي خاص بالمناسبة أشار العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة الديار القطرية غانم بن سعد آل سعد أن مجمّع الصيادين السكني هو مكرمة ٌ من أمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني حيث يتمحور نهج الشركة حول توفير ظروف معيشية واقتصادية أفضل لمجتمعات الدول التي تستثمر فيها من خلال بناء مشاريع تتوافق مع البيئة والظروف المحلية.."
فاهنؤا يا ابناء ابن هانيء بهذه المكرمة
08-أيار-2021
31-أيار-2011 | |
25-أيار-2011 | |
26-شباط-2011 | |
02-كانون الثاني-2011 | |
13-أيلول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |